Site icon IMLebanon

التاريخ لن يغفر…

كتب د. ميشال الشماعي في “نداء الوطن”:

طالعنا فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون بمجموعة مواقف تحمل من دلالات يجب التوقّف عندها. وتحزّ هذه المواقف في قلبنا لأنّ نظرتنا إليه كحكم يحمي الدّستور قد أسقطها بنفسه إبّان رئاسته لما تبقّى من الجمهوريّة اللبنانيّة الثانية التي ما فتئ يبشّرنا بانتهاء مفاعيلها الدّستوريّة؛ منذ أن كان في الرابية. وهو الذي رفضها من لحظة إرسائها في دستور الطّائف الذي جعل منه الرئيس الثالث عشر للجمهوريّة اللبنانيّة.

ومن أبرز ما أشار إليه هو حلم النّظام الرئاسي الذي يمارسه فخامته عبر المجلس الأعلى للدفاع عندما ينجح فريقه السياسي بتعطيل الحكومة. فهو صرّح بأنّه يريد ان يكون رئيساً لا أن يُقيمَ النّظام الرئاسي مُغفِلاً أنّ حليفه المسلّح هو مَن يمنعه من ان يكون الرئيس الذي وعدنا به. ونعلم جيّداً كلبنانيّين أنّ «حزب الله» حليفه هو الذي يريد النّظام الرئاسي ليغلّب العدديّة على التعدّديّة. فهل يدغدغ فخامته أضغاث أحلام حليفه ليذكّره بما هو قادر أن يفعل إذا تمسّك بموقعه حتّى ما بعد 31 تشرين الأوّل 2022؟

والمضحك المبكي بما قاله فخامته عن القضاء. هل يعلم فخامته مَن أوقف التشكيلات القضائيّة؟ وهل يعلم أيّ من الأفرقاء السياسيّين هو الذي غسل يديه من قانون استقلالية القضاء، وطعن بقانون آلية التعيينات؟ ممكن أن يكون قد سها على باله أن الفريق الذي كان يرأسه في الرابية تحت مسمّى «التيّار الوطني الحرّ» الذي يرأسه صهره اليوم هو الذي ارتكب هذه الموبقات. بالطبع بعد استقوائه بحليفه الذي لم يبقِ قضمةً من الدّولة إلا ونهشها؛ وهل تناسى فخامته مَن يعطّل التحقيقَين الوجوديّين من المرفأ إلى الطيونة؟

أمّا بموضوع إقرار التّدقيق الجنائي فمن المفيد أن يتذكّر فخامته أنّ تكتّل الجمهوريّة القويّة هو الذي تقدّم بقانون رفع السريّة المصرفيّة (200/‏2020)، الذي تمّ تفريغه وعدم الاستفادة منه حتّى عاد وورد على جدول أعمال الجلسة التشريعية المقررة في 28/‏10/‏2021 كاقتراح قانون معجل مكرر، يرمي إلى تمديد العمل به إلى حين انتهاء عمل التدقيق الجنائي ولغايات إتمامه فقط. وإذ قدم الاقتراح بتاريخ 17/‏8/‏2021 نواب كتلة الجمهورية القوية جورج عدوان، عماد واكيم، جوزيف اسحق، جورج عقيص، فادي سعد وماجد أدي أبي اللمع، فإنه جاء ليعالج مشكلة اقتراب انتهاء مدة السنة التي أقرّها القانون 200/‏2020 التي ترفع خلالها السرية المصرفية لغايات التدقيق الجنائي. وهي مهلة تنتهي بحسب القانون في 29/‏12/‏2021 – في حين أن الشركة المدققة Alvarez &Marsal td لم تباشر عملها إلا في 21/‏10/‏2021، بفعل التأخر في توقيع عقد جديد معها بحجة عدم صلاحية حكومة تصريف الأعمال القيام بذلك. واليوم لماذا لا يتمّ هذا التدقيق وحكومة الرئيس ميقاتي ليست حكومة تصريف أعمال؟ مَن يمنعها؟ أو بالحري مَن لديه القدرة على منعها؟

أمّا حديث فخامته عن عدم تركه موقعه إلا قبل أن يكون قد كشف كلّ فاسد، فأضعف الإيمان أن نسأله مَن الذي يمنعه من كشف الفاسدين؟ فالقضاء بأمره، والسلطتان التشريعيّة والتنفيذيّة معه. فإلى ماذا يحتاج بعد ليتمكّن من مكافحة الفساد؟ تكاد تنقضي السنة السادسة وما رأينا فاسداً واحداً قطّ خلف القضبان. فهل هذا يعني تمديداً ضمنيّاً لولايته ريثما يكشف الفاسدين كلّهم؟

ومن المهمّ ما قاله عن عجزه عن الاصلاح لأنّ المؤسّسات ممسوكة. نسأل فخامته: من الذي يمسك المؤسّسات؟ راجح؟ فمنذ دخل إلى السلطة في العام 2005 وتحت ذريعة حقوق المسيحيّين التي حوّلها إلى حقوق العونيّين بات أزلامه كلّهم في السلطة وهم الذين مسكوا مقاليد الحكم كلّه. ولم يقم بأيّ إصلاح يُرَى. بل بقي ما لا يُرى هو الحاكم بأمر مَن يُرى.

يرحل فخامته مطمئنّاً بأنّ «مسؤولية إعادة النهوض بالبلاد ستقع على من سيخلفه»، داعياً الى «تشجيع الاوادم والشجعان على استلام مقاليد الحكم بعد انتهاء ولايته». ونسأل فخامته هل تركت سياسته أيّ آدمي أو شجاع وهو الذي دعاهم إلى الهجرة؟ هل نسي فخامته كيف طردهم من الوطن يوم قال لهؤلاء كلّهم: «إذا مش عاجبكن هاجروا».

وبالنسبة إلى الخطّة الاقتصاديّة الموعودة والكابيتال كونترول بعد أكثر من ثلاث سنوات على بدء الأزمة، نرجوه أن يرتاح فلا داعي للهلع أو التعب. أموالنا طارت، ولا خطط تقيمنا طالما الأدوات القديمة هي نفسها. ونذكّر فخامته ما قاله يسوع المسيح في الآية 36 من الفصل الخامس من إنجيل لوقا «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ رُقْعَةً مِنْ ثَوْبٍ جَدِيدٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيق، وَإِلاَّ فَالْجَدِيدُ يَشُقُّهُ، وَالْعَتِيقُ لاَ تُوافِقُهُ الرُّقْعَةُ الَّتِي مِنَ الْجَدِيدِ».

وبالنسبة إلى الإنتخابات التي دعا الناس أن يعرفوا من ينتخبون ليتمكّنوا من إيصال الأوادم بهدف تغيير الصورة؛ نطمئن فخامته بأنّ الصورة قد تغيّرت من 14 آذار 2005 وتجدّد هذا التغيير في 17 تشرين 2019 لكن على ما يبدو أنّ إصراره على الماضي أفقده قدرة العمل في الحاضر وأفشل خططه المستقبليّة. وحديثه عن النظام السياسي التوافقي الذي منعه من أن يحكم البلد؛ فنسأله إذا ما طبّق هذا النّظام طيلة هذه السنوات. وعندما دعونا إلى تطبيقه استحضِرَت مصطلحات الخيانة والعمالة والتكفير من قبل حلفائه كي لا نقل من قبل تيّارِيْه أيضاً.

حقناً لمحو الذاكرة الجماعيّة، وصوناً لما تبقّى من أسس تُبقي الوطن، وإيماناً منّا بأنّ لبنان أكبر من أن يبلع، وبأنّ التاريخ لن يرحم، كتبنا ما كتبنا.