Site icon IMLebanon

10 إيجابيات عشيّة الانتخابات

كتب شارل جبور في “الجمهورية”:

المقاربة عن بُعد للوضعية السياسية تُقدِّم صورة تشاؤمية لواقع الحال بسبب صعوبة إخراج لبنان من دوّامة النزاع القائم، ولكن التدقيق في بعض العناصر الداخلية والخارجية يُعيد تصحيح الصورة ويُعطي نفحة تفاؤلية.

على رغم انّ «حزب الله» يمنع منذ العام 2005 قيام دولة فعلية تحتكر وحدها السلاح، وعلى رغم انه ليس في وارد تسليم سلاحه، وعلى رغم انه يمنع اي سلطة من توسيع رقعة الدولة ودورها، وعلى رغم انه لن يقبل بأي تسوية نهائية حول دوره وسلاحه وسيبقى يدفع باتجاه تسويات جزئية يواصل فيها إمساكه بقرار الدولة، إلا انه في ظل كل هذه الصورة هناك بعض الإيجابيات المهمة التي يجب التوقُّف عندها:

الإيجابية الأولى انّ الفريق الحاكم حَكَم وفشِل في إدارة الدولة، وهذا ليس تفصيلاً في المشهد السياسي، إنما هذا يعني انّ هذا الفريق غير مؤهّل ولا هو قادر على إعادة الاستقرار المالي واستطراداً السياسي، وعدم القدرة تبدأ من إدارته الفاشلة للدولة وتَبديته السلاح على اي اعتبار آخر، ولا تنتهي بالمحور الذي ينتمي إليه ويُؤازره بمزيد من زعزعة الاستقرار وليس تثبيت هذا الاستقرار، فيما كل تجارب هذا المحور الدولتية فشلت فشلاً ذريعاً.

الإيجابية الثانية انّ الشريحة الأكبر من الرأي العام اللبناني أصبحت على قناعة تامة بأنّ الاستقرار الذي تُنشده يرتبط بوجود دولة، وانه ما لم تستعِد الدولة دورها الأساسي فعبثاً الرهان على تحسُّن أوضاعها، وانّ الخروج من الانهيار واستعادتها لنمط عيشها مرتبط بوجود دولة فعلية.

الإيجابية الثالثة انّ المزاج الشعبي لدى الجماعات المسيحية والسنية والدرزية التي شكلت الرافعة الأساسية لانتفاضة الاستقلال ما زال بأكثريته الساحقة مؤيداً لمشروع الدولة ورافضاً للأمر الواقع القائم، وعلى رغم الشرذمة التي ألمّت بوحدة الموقف الثلاثي، إلا انّ أكثر من محطة دلّت الى انّ تَموضع البيئات المسيحية والسنية والدرزية لم يتبدّل منذ العام 2005، ولا بل يمكن ان تشكل الانتخابات النيابية محطة لإعادة تزخيم دينامية المواجهة والتلاقي تحت سقف وحدة موقف مشترك.

الإيجابية الرابعة انّ شعبية «التيار الوطني الحر» التي تلقّت ضربة قوية في انتخابات العام 2009 مقارنة مع انتخابات العام 2005 بسبب اتفاق مار مخايل في العام 2006، مرشحة لتلقّي ضربة جديدة في 15 أيار المقبل، إذ على غرار تخلّي شريحة واسعة من المسيحيين في الانتخابات الثانية بعد خروج الجيش السوري من لبنان عن التيار الحر بعدما اكتشفت كيف يُبدِّل في مواقفه من مُزايد في موضوع الدولة إلى المُتحالف مع ميليشيا تُقوِّض أسس الدولة، فإنّ شريحة واسعة من المسيحيين ستعاقب هذا الفريق على أدائه الذي أوصَل لبنان إلى انهيار غير مسبوق، خصوصاً انه مُنح فرصة استثنائية من خلال رئاسة جمهورية وأكثرية وزارية ونيابية ومواقع إدارية وأمنية وقضائية، ما يعني انّ اي فرصة جديدة تُؤكّد الاستمرار والمراوحة في دائرة الفشل نفسها.

وتراجع شعبية التيار الحر مسيحياً ليس تفصيلاً، لأنه يعني تراجعا في الغطاء المسيحي لـ«حزب الله»، كما يعني تراجعا في وضعية 8 آذار النيابية، ويعني أيضا تقدّما للخط اللبناني المسيحي التاريخي المتمسِّك بخيار الدولة والحياد والشراكة ودور لبنان تحت سقف الشرعيتين العربية والدولية.

الإيجابية الخامسة انّ «حزب الله» متراجع شعبيا وستُثبت الانتخابات ذلك، إذا انّ المعيار ليس في إقفال الساحة الشيعية نيابيا من خلال الفوز بـ27 نائباً، إنما المعيار هو في نسبة الاقتراع الشيعي للحزب مقارنة مع الانتخابات السابقة، والتعبئة التي يقوم بها بدءاً من أمينه العام إلى كل القيادة مردّه إلى انه يلمس مدى عدم التجاوب مع دعواته للانتخاب بعد ان أوصَلهم بخياراته وسياساته إلى الكارثة، وطالما انّ باب التغيير ما زال مقفلاً فإنّ تسجيل الموقف سيكون من خلال الامتناع عن التصويت.

الإيجابية السادسة انّ التقاطع بين البطريرك الماروني بشارة الراعي والمفتي عبد اللطيف دريان على ضرورة الإنقاذ على قاعدتي الدولة أولاً ولبنان أولاً يشكّل رافعة أساسية للمشروع السيادي نظراً للدور المعنوي الكبير للمرجعيتين الروحيتين وتأثيرهما على اتجاهات الرأي العام اللبناني أولاً، وصدى مواقفهما على المستوى الدولي ثانياً.

الإيجابية السابعة انّ العودة الخليجية إلى لبنان والسعودية تحديداً أعادت التوازن الديبلوماسي، وليس خافياً على أحد ان كل الأنظار مركّزة في هذه الأيام على حركة السفير السعودي وليد البخاري الذي شَغل مساحة واسعة من المشهد السياسي في اللقاءات التي يجريها والإفطارات التي يقيمها والزيارات التي يقوم بها، وقد دَلّت حركته على حجم مكانة المملكة العربية السعودية والتعويل الكبير على دورها في استعادة لبنان إلى الحضن العربي.

وفي هذا السياق بالذات يندرج وضع مجلس التعاون الخليجي لبنان في طليعة البنود والأهداف التي يعمل عليها، وما البيانات الثنائية التي صدرت بعد الجولات الخليجية التي قام بها الأمير محمد بن سلمان سوى دليل على تبنّي هذا المجلس للقضية اللبنانية عن طريق تطبيق القرارات الدولية.

الإيجابية الثامنة انّ الوضع الدولي حريص على استقرار لبنان ودور الدولة الناظِم للحياة السياسية، وعلى رغم انشغال عواصم القرار بأوضاعها وشؤونها، إلا انها لن تتخلى عن لبنان لمصلحة إيران، وإذا كان تنفيذ القرارات الدولية مُعلقاً في المرحلة الحالية، فإن الحضور الدولي في لبنان والأميركي تحديدا يشكل رسالة لطهران بأنّ سلخ لبنان عن محيطه العربي وعمقه الدولي لن يحصل.

الإيجابية التاسعة ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي أعيد انتخابه لولاية رئاسية جديدة، والمُكلّف من قبل واشنطن السهر على تعزيز دور الدولة اللبنانية وإخراج لبنان من أزمته المالية والحفاظ على الاستقرار، سيضع مزيداً من الجهود في ولايته الثانية من أجل منع تفرُّد طهران ببيروت، وما التنسيق الفرنسي والسعودي إلا ترجمة لمزيد من الخطوات العملية بهدف تعزيز صمود الشعب اللبناني، وإبقاء الميزان الدولي طابشاً على حساب الميزان الإيراني.

الإيجابية العاشرة ان الوضع الإقليمي يشهد حراكا غير مسبوق وآخر محطاته زيارة رجب طيب أردوغان للسعودية، وإعادة أنقرة ترتيب علاقتها مع تل أبيب. وكان قد سبق هذا التطور اللقاء الذي جَمع وزراء خارجية مصر والامارات والبحرين والمغرب وإسرائيل مع وزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن في صحراء النقب مؤخراً، وقمّة شرم الشيخ التي حضرها الرئيس عبد الفتّاح السيسي ووليّ عهد أبو ظبي الشيخ محمّد بن زايد ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، وقمّة العقبة التي ضمّت الملك عبدالله الثاني والشيخ محمّد بن زايد ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ووزير الدولة السعودي الأمير تركي بن محمّد بن فهد بن عبد العزيز، وكل هذا الحراك يحصل تحت عنوان أساس هو نشوء توازن إقليمي جديد في مواجهة طهران وتحسّباً لأيّ اتفاق نووي واتّكاء القوى الإقليمية على قدراتها بعدما أسقطت اي رهان على دور الولايات المتحدة.

فلا يمكن غَضّ النظر عن كل هذه الإيجابيات التي تُظهر ان «حزب الله» وفريقه في لبنان أصبح معزولا وميؤوسا من دوره الذي أوصَل البلد إلى الانهيار، كما تُظهر ان ميزان القوى الإقليمي أصبح طابشاً لمصلحة المحور الخصم لطهران. فبعدما كان هذا المحور مفككا نجح في تشييد جسور التواصل بين مكوناته، ويستحيل على إيران ان تقفز فوق هذا الواقع الإقليمي الجديد الذي وحده يقود إلى تسويات عادلة ويمنع تفرُّد طهران واستخدامها الدول العربية كساحات لمشروعها.

وأيّ خلاصة لهذا المشهد تُظهر انّ سياسة التراكم تحقِّق الهدف تلو الآخر في مرمى المحور الإيراني، وانّ هذا التراكم مرشّح لمزيد من تسجيل النقاط مقابل تراجع المشروع الآخر لغياب اي سياسة بديلة له باستثناء التعطيل الذي قاد إلى فشل الدول المَمسوكة من قبل إيران.