Site icon IMLebanon

لبنان بيئة صالحة للتعلّم والتعليم؟

كتب رضا صوايا في “الأخبار”:

هل الجو العام في لبنان يصلح للتعليم والتعلّم؟ وهل يكفي أن ينطلق العام الدراسي وأن يحضر الأساتذة والطلاب إلى المدارس لنعتبر أن العام الدراسي يسير بشكل طبيعي؟ وماذا لو تحققت كامل مطالب المعلمين من زيادة الرواتب والمساعدات الاجتماعيّة وبدلات النقل، فهل تكفي لضمان جودة التعليم؟ وماذا عن التلميذ وهل حضوره يتعدى الحضور الجسدي في الصف؟

مطلع الشهر المنصرم صرّح وزير التربية عباس الحلبي بأن «التجاوب من الهيئة التعليمية يشجعنا كي نقول إننا أمام عام دراسي طبيعي وسنؤمّن للتلامذة هذا العام سنة دراسية أفضل من سابقتها». فهل نحن فعلاً أمام عام طبيعي أو أن تصريح الوزير هو غير الطبيعي؟

التعليم بالموجود

تفاؤل الوزير يعتبر طبيعياً إذا ما أخذنا في الاعتبار العقلية التي تتحكم بالقطاع التربوي في لبنان والتي «لا يدخل التفكير بالتربية في صلبها» وفق الباحث في التربية والفنون نعمه نعمه. «فالدولة تحصر تفكيرها بالبعد المؤسساتي فقط وليس بالبشر، وكل التمويلات المطروحة هي تمويلات لمؤسسات تابعة لوزارة التربية ولا تستهدف التعليم في جوهره. هنالك غباء مستدام في تعامل الوزارة مع التعليم، وهذا مسار متواصل من الماضي وحتى الوقت الراهن».

تعتبر الدكتورة في كلية التربية في الجامعة اللبنانيّة فاديا حطيط أن «السؤال إن كان الوضع العام في لبنان يسمح بالتعليم والتعلم سؤال مثير للاهتمام. ففي الإجمال يضعف التعليم والتحصيل العلمي في المجتمعات التي تعاني من اضطرابات، وللأسف ومنذ تفجر الأزمة الاقتصاديّة منذ 3 سنوات وحتى اللحظة لم نسمع طروحاً جدية تغوص في عمق المشكلة وتضع الأصبع على الجرح».

في هذا الإطار تعتبر جودة التعليم في لبنان في المدارس الخاصة والرسمية متدنية جداً، وعلى عكس ما يخيل إلى الناس. ففعالية سنوات التعليم في لبنان لا تتعدى 6.3 سنوات من أصل 12 سنة، فيما المعدل في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على سبيل المثال يصل إلى 10.8 سنوات.

التسرّب بالجملة

ما هي المعايير التي استند عليها الوزير لاعتبار العام الدراسي طبيعياً؟ يشير نعمه إلى أنه «وبحسب إحصاءات وزارة التربية فقد تسجل هذا العام 40% فقط من الطلاب اللبنانيين في المدارس الرسمية مقارنة بالعام الماضي. فأين ذهبت نسبة الـ60% ؟ هل تسجلوا جميعاً في المدارس الخاصة؟ مستحيل. ربما قد تكون نسبة 10% تسجلت في المدارس الخاصة. أين هم باقي التلامذة إذاً؟ فرغم أن التسجيل مجاني في المدارس الرسمية إلا أن هذه الأرقام تبين حجم المصيبة، إذ إن كلفة النقل لوحدها من وإلى المدارس ترهق الأهل وهي تتخطى كلفة الأقساط في المدارس الخاصة. فبالتالي ما نفع أن تفتح المدارس إن كان التلامذة غير قادرين على الوصول إليها؟ مبدأ الحق في الوصول إلى التعليم ضرب في أساسه».

كيف سيؤمن وزير التربية للتلامذة هذا العام سنة دراسية أفضل من سابقتها إذا كانت «الإحصاءات تفيد أن 66% من الأساتذة يعملون في وظائف إضافية إلى جانب التعليم» وفقاً لنعمه. هل يدرك الوزير انعكاس الإرهاق الجسدي على المعلمين وعلى إنتاجيتهم وجودة عطائهم. تشير جويل وهي معلمة في إحدى المدارس الخاصة أنها تضطر إلى تعليم ساعات إضافية بعد الدوام يومياً، وهو ما «يستنزفني جسدياً وذهنياً. لا أرجع إلى المنزل قبل الساعة الثامنة مساءً ولديّ عائلتي وأولادي وعليّ الاعتناء بهم أيضاً. لا وقت للراحة وأخذ النفس. كنت في السابق أسهر حتى ما بعد منتصف الليل لتحضير الحصص والمسابقات وتصحيحها، أما الآن فالأمر مستحيل بسبب انقطاع «الموتور». نصل إلى الصف في اليوم التالي منهكين وعليك أن تتعامل مع طلاب يمرون بنفس الظروف وربما أسوأ في منازلهم. فعن أي تعليم وتعلم نتكلم؟ التركيز أصبح منصباً على تأمين لقمة العيش».

ومشكلات الأهل

على مقلب التلامذة والأهل الوضع لا يقل سوءاً وقد لا تكفي صفحات للغوص في تداعيات الواقع على حياتهم اليومية وحكماً على قدرتهم على التحصيل العلمي. وتكشف مسؤولة مكتب الخدمة الاجتماعيّة في مدرسة خاصة في منطقة المتن إلى أن «الكثير من الأهالي يبلغوننا أنهم يعانون لتأمين الحليب لأولادهم ويلجؤون إلى منظمات غير حكومية لمساعدتهم. وبعض الأهالي الذين يشكون من هذا الواقع مهندسون ومحامون وبعضهم عمل لسنوات طويلة في الخليج. حتى بياناتنا استناداً إلى ما نسمعه من الأهل تظهر تدنياً في نوعية الأكل وفي حجم الحصص الغذائية وهي عوامل تؤثر سلباً على نشاط الطلاب وقدرتهم على الاستيعاب. وهناك خوف إضافي حالياً ويتمثل في مدى قدرة العائلات على توفير التدفئة اللازمة في المنازل وكيف سينعكس الأمر على قدرة الطلاب على الدرس. أضف إلى ذلك أننا في كل أسبوع تقريباً ومن دون مبالغة نسمع عن حالة أو حالتَي طلاق أو أهل يتحضرون للانفصال. هنالك حالة تفكك شاملة تحصل وكلها تنعكس في النهاية على الأطفال».

دولة اللارعاية

يلفت نعمه إلى أن «غياب الحماية الاجتماعيّة للأهالي كما وللأساتذة ستولد تأثيرات نفسيّة على الطرفين. فكلما تدهورت الاحتياجات الحياتيّة الأساسيّة سيتدهور التعليم والتعلم. وللأسف ومنذ 3 سنوات حتى الآن لم يفكر أحد، لا كوزارة ولا كروابط تعليم ونقابات بالحماية الاجتماعيّة. انحصرت المطالب بزيادة الرواتب وتأمين بدلات النقل. فما نفع زيادة الراتب أو التعويض إذا كانت آلية الحماية الاجتماعيّة مفقودة. كان على الأساتذة المطالبة بالخدمات الضرورية كالطبابة والنقل والكهرباء والتدفئة، عوض التفكير بزيادة على الرواتب تتبخر مع التضخم».

وحول النموذج التدميري الذي تدار به الدولة وعطفاً القطاع التربوي يكشف نعمه أن «الوزارة تركض بحثاً عن هبات بعشرات ملايين الدولارات فيما منح التعليم التي تدفعها الدولة للقطاع العام وصناديق التعاضد تكلف سنوياً أكثر من مليار دولار تذهب بأغلبها للقطاع الخاص. ألم يكن من الأجدى استخدام هذه المبالغ للنهوض بالمدارس الرسمية وتوفير الحماية الاجتماعية للطلاب والأساتذة؟»

في هذا الإطار تقول حطيط إن «المؤشرات كافة تُظهر أن أهمية التربية على سلم الأولويات تراجعت، والتعليم الرسمي سيُضرب أكثر وأكثر، وهو ما يتطلب بحثاً في عمق المشكلة، وإنجاز خلية أزمة تربوية تضم وزارات أخرى كالصحة والشؤون الاجتماعية للبحث في كيفية مواءمة القطاع التربوي مع المتطلبات الجديدة التي فرضتها الأزمة».