Site icon IMLebanon

خمس “حكومات تصريف”… وخمسة سلوكيات تصرّف

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

تفرض الظروف السياسيّة قواعدها على آلية عمل المؤسسات الدستورية في لبنان عند كل استحقاق، وتحوّل معها الدستور إلى وجهة نظر تصبّ في خدمة موازين القوى القائمة. وهذا ما يفتح الباب أمام تكريس أعراف جديدة، وتضارب آليات تطبيقها، على غرار الإجتهادات والتفسيرات المرتبطة بآلية عمل حكومة تصريف الأعمال.

وإن كانت الدساتير تستمدّ قوتها من قوة الشعب، فإن فائض القوة لدى بعض اللاعبين السياسيين يخولهم فرض اجتهاداتهم الخاصة على سلوك وأداء حكومات تصريف الأعمال منذ العام 1969 أي خلال الجمهورية الأولى، وصولاً إلى انعقاد مجلس الوزراء في الحكومة المعتبرة مستقيلة أمس، بغياب 7 من بين 24 وزيراً، وشغور في موقع رئاسة الجمهورية.

رغم الصلاحيات التي كان يتحلّى بها رئيس الجمهورية قبل تعديل الدستور في العام 1989، وانتقالها إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، أقرّت حكومة الرئيس رشيد كرامي المستقيلة، مشروع الموازنة العامة في العام 1969، قبل أن تعمد لاحقاً حكومة الرئيس سليم الحصّ المستقيلة في العام 1979، إلى الإجتماع أيضاً وإقرار مجموعة من مشاريع القوانين المستعجلة.

مع انتهاء الحرب الأهليّة في العام 1990، لم تشهد فترة الإحتلال السوري للقرار السياسي في لبنان فراغاً في السلطة التنفيذية خلال عهد رئيسي جمهورية تلك الحقبة الياس الهرواي وإميل لحود، قبل أن يفتح إغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان الباب على إعادة بروز موازين قوى جديدة، فرضت قواعدها على العمليّة السياسيّة في لبنان. وهذا ما أدّى إلى ظهور الثغرات الدستورية وتخبّط القوى السياسيّة الداخليّة في تأمين انتظام عمل المؤسسات، والإلتزام بالمواعيد الدستورية لإنتخاب رئيس للجمهورية، يعمد لاحقاً إلى التعاون وتسهيل مهمة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة ضمن فترة زمنيّة مقبولة.

حكومات التصريف

إنّ عدم تمكّن أيٍّ من القوى السياسيّة من إحتكار السلطة، وتبدل موازين القوة، فتح الباب أمام الحكومات المستقيلة لاعتماد أساليب متعددة في اتخاذ القرار، تختلف باختلاف القوى السياسيّة التي تتكون منها. وهذه أبرز الحكومات التي تولّت مهام تصريف الأعمال:

– مع انتهاء عهد الرئيس إميل لحود في 23 تشرين الثاني 2007، إستكملت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة تصريف الأعمال حتى 25 أيار 2008، رغم استقالة الوزراء الشيعة منها والتشكيك في ميثاقيتها. ولا تزال القرارات الوزارية الصادرة عنها قائمة، والتي بطبيعة الحال لم تلقَ موافقة أو توقيع كلّ الوزراء.

– الحكومة الثالثة في عهد الرئيس ميشال سليمان، وبعد 5 أشهر من التكليف، تمكن الرئيس نجيب ميقاتي من تشكيل حكومته في 13 حزيران 2011، قبل أن تتحول إلى حكومة تصريف أعمال مع إعلان إستقالته في 22 آذار 2013، جرّاء الإنقسام السياسي الحاد حول الإنتخابات النيابيّة والتعيينات في الوظائف الكبرى ومنها العسكرية بشكل خاص. واستمرت هذه الحكومة في تصرف الأعمال حتى 15 شباط 2014. إعتمدت خلالها 766 موافقة إستثنائيّة.

وخلال هذه الفترة، ورغم استقالة الحكومة، إلتأم مجلس الوزراء في جلسة إستثنائية في قصر بعبدا، في 27 أيار 2013 برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وحضور رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والوزراء. وخصصت الجلسة للبحث في تشكيل هيئة الإشراف على الإنتخابات ولجان القيد والتمويل والإجراءات المرافقة.

– أما الحكومة الرابعة في عهد ميشال سليمان، وبعد 11 شهراً من التكليف، فقد تمكّن الرئيس تمام سلام من تشكيلها في 15 شباط 2014 لتنتقل إليها صلاحيات رئاسة الجمهورية مع انتهاء ولاية الرئيس سليمان في 24 أيار 2014. واستمرت هذه الحكومة حتى 18 كانون الأول 2016. وخلال تلك الفترة، لم تتمكن الحكومة من مواجهة التحديات الكبيرة كأزمة النفايات التي انفجرت في وجهها. واعتمد سلام على تأمين التوافق بين مكوناتها والحصول على توقيع وزرائها الـ 24 قبل إصدار المراسيم عنها، والسعي إلى تأمين مشاركة كافة الوزراء في جلساتها ومشاركتهم في وضع جدول اعمالها، تجنباً لإنفجارها من الداخل.

– بعدها تولى الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة الأولى والثانية في عهد الرئيس ميشال عون. واستمرت حكومته الأولى في هذا العهد من 18 كانون الأول 2016، حتى 20 أيار 2018؛ وتصبح بحكم المستقيلة إثر إجراء الإنتخابات النيابية. وإستمر الحريري في تصريف الأعمال لما يقارب الثمانية أشهر، تخللها إعادة تكليفه تشكيل الحكومة التي أبصرت النور في 31 كانون الثاني 2019.

فيما استمرت الحكومة الثانية من 31 كانون الثاني إلى 29 تشرين الأول 2019. أي بعد مرور 13 يوماً على الإحتجاجات الشعبية التي انطلقت في 17 تشرين. ويعمد بعدها إلى تصريف الأعمال حتى 21 كانون الثاني 2020..

– أمّا حكومة الرئيس حسان دياب فقد استمرت من 21 كانون الثاني 2020، حتى 10 آب 2020. حيث أعلن الرئيس دياب استقالة حكومته على خلفية تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020. وخلال فترة تصريف الأعمال، سطّرت 561 موافقة استثنائية. وسجّل لرئيسها عدم الإستجابة لدعوة من الرئيس ميشال عون، لعقد اجتماع وزاري لبحث أزمة الوقود. واعتبر دياب أن ذلك لا ينسجم مع الدستور بحكم أنه يقود حكومة تصريف أعمال مستقيلة منذ آب 2020.

– وفي 10 أيلول 2021، تولى الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة الرابعة بعهد الرئيس ميشال عون. وبحكم إجراء الإنتخابات النيابية في 15 أيار 2022، أصبحت هذه الحكومة بحكم المستقيلة. وعلى الرغم من إعادة تكليف الرئيس ميقاتي تشكيل الحكومة، فإن التجاذبات السياسيّة بينه وبين رئيس الجمهورية السابق ميشال عون حالت دون نجاجه في هذه المهمة. ومع إنهاء ولاية الرئيس عون، وشغور موقع الرئاسة الأولى، إنتقلت صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة تصريف الأعمال، رغم توقيع الرئيس عون على مرسوم استقالتها. ومع عجز المجلس النيابي عن إنتخاب رئيس للجمهورية، وجد ميقاتي نفسه طرفاً في “الكباش” السياسي القائم بين القوى السياسيّة فعمد وخلافاً لموافقة عدد كبير من الوزراء المسيحيين إلى تسجيل سابقة، وعقد جلسة لمجلس الوزراء في الأمس، ما فتح الباب أمام تكريس أعرافٍ جديدة وضعه المعترضون في إطار تجاوز موقع رئاسة الجمهورية ودورها.