كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”:
ما يقارب الـ170 هو عدد الجمعيات والأحزاب السياسية في لبنان. هي أُسّست خلال الحرب وقبلها وبعدها. منها ما اندثر أو قارب حافة الضمور. ومنها ما حافظ على تواجد يشتدّ وقعه أو يخفت بحسب الظروف. ومنها أيضاً ما تشبّث بحيّز ثابت في مختلف السياقات والأحوال. نسمع كثيراً عن أن أحزاب لبنان هي مصغّر عن البلد الصغير الحجم، الدائم التقلّب والكثير المتاعب. ونسمع أيضاً أن حالها من حاله صعوداً كان أو نزولاً. وفي الأمرين الشيء الكثير من الصحّة. كثر هاجروا ويهاجرون لبنان. وكثر استقالوا ويستقيلون من أحزابه. سمّه البقاء بِمَن حضر.
شاهد على الحقبات التي سبقت وتلت الحرب اللبنانية يخبرنا عن قصة الأحزاب والإستقالات. يقول الوزير السابق كريم بقرادوني في حديث لـ»نداء الوطن» إن الاستقالات من الأحزاب والتيارات نوعان: الأول نتيجة خلاف داخلي حول نظام الحزب أو طريقة العمل والسلطة داخله، ما يؤدّي إلى تمسّك فئة معيّنة بالحزب واستقالة أخرى. وثانٍ نتيجة خلاف الحزب مع السلطة، حيث يكون هناك من يطلب عدم التعاون والتعامل معها إلّا ضمن شروط معيّنة في حين يفضّل آخرون المعارضة الكاملة ما يدفع بالكثيرين إلى الاستقالة.
ففي عودة إلى ثلاثينات القرن الماضي، وتحديداً مع الحزبين الأقدمين، أي الحزب الشيوعي وحزب الكتائب، كانت الخلافات مرتبطة بموضوع العلاقات مع الدول أكثر مما كانت داخلية. ففي حزب الكتائب، مثلاً، طغى الخلاف حول التعامل مع الانتداب الفرنسي ما أدّى إلى استقالات سياسية. علماً أن المستقيلين لم ينتقلوا إلى أحزاب أخرى، على غرار شارل حلو الذي ترك الحزب ليتحوّل إلى الكتابة والصحافة، محافظاً على أفضل العلاقات مع الحزب ورئيسه، بيار الجميّل.
الخلافات الداخلية ظهرت في الحزب القومي، بدوره، أكثر من غيره نتيجة علاقاته مع دول خارجية. فالخلافات داخل الحزب كما داخل الحزب الشيوعي، لم تكن نتيجة علاقات داخلية بقدر ما كانت مرتبطة برغبة البعض أو عدمها في تدخّل دول أخرى في الأحزاب، مثل سوريا والعراق ومصر. «الخلافات التي تنجم عن علاقات مع دول أخرى غالباً ما تؤدي إلى انقسام نهائي داخل الحزب بسبب سياسته الإقليمية. فالحزب القومي دخل في صراعات، لأنه أصبح جزءاً من قاعدة سوريا السياسية والقومية السورية»، كما يشير بقرادوني.