كتبت سناء الجاك في “نداء الوطن”:
قبل شهر ونيف، اتهمت فرنسا إيران بخرق معاهدة دولية تحدد العلاقات القنصلية بين الدول، وباحتجاز رعايا أجانب بشكل تعسفي. وقبل ذلك كانت قد وصفتها بأنها تتصرف على شاكلة «أسوأ الأنظمة الديكتاتورية».
من جهتها، كانت طهران، وقبل ثلاثة أسابيع، قد قالت إنّها «تدين بشدّة قمع» المتظاهرين في فرنسا، مناشدة باريس تجنّب العنف و»الإصغاء» إلى المتظاهرين المحتجين على إصلاح نظام التقاعد، تخلّلته أعمال عنف أوقف خلالها المئات.
ولكن تسجيل النقاط بين الدولتين لم يفسد للود قضية. فقد اتفق الرئيسان الإيراني إبراهيم رئيسي والفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل يومين، على فتح صفحة جديدة للتعاون الثنائي والإقليمي بين البلدين، وذلك في ثاني اتصال هاتفي لافت بينهما خلال أقل من شهر.
ما يعني أنّ ماكرون قرر أن يطوي صفحة الانتقادات المتبادلة، ويجدد علاقاته مع طهران، ويوطدها، لتكون فرنسا ضلعاً في ثلاثية جديدة مع إيران و»حزب الله»، تحل محل ثلاثية «جيش وشعب ومقاومة». وكله آذان صاغية لإشارة رئيسي إلى أنّ «تشكيل حكومة قوية في لبنان ممكن عبر دعم إيراني وفرنسي ودعم «حزب الله».
وأكثر من ذلك، قد يستفيد من نصائح نظيره عن أنّ «الاستقلال السياسي لإيران وفرنسا يشكل حتماً رصيداً قيماً لإقامة علاقات متوازنة وقوية ومستدامة بين البلدين، ومصالحنا المشتركة تستدعي منع تدخل العوامل الخارجية في هذه العلاقات».
والاستقلال السياسي الذي يدعو رئيسي ماكرون إليه، هو استقلال عن الولايات المتحدة الأميركية تحديداً. فهي دون سواها مصدر العوامل الخارجية. ولعل صدى هذا الطرح سيصل إلى قمة برج إيفل ويلقى القبول المطلوب، أو لعل ماكرون مقتنع تماماً بنظرية الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصر الله. لذا كثف توجهه شرقاً.
ولمَ لا، فالرئيس الفرنسي حاضر دائما لمسايرة التطورات، لا سيما تلك التي تعود على الشركات الفرنسية بفوائد دسمة. لذا كانت الصين قبلته، قبل فترة وجيزة، في محاولة لتدارك تأخر بلاده في دخول سوق استهلاكها الضخم، ورافقه إلى بكين نحو 54 رئيس شركة فرنسية لها ثقلها الاقتصادي.
والأمر بديهي لأنّ الاقتصاد أولوية لا نزاع حولها في برنامج الرئيس الفرنسي، وهو حاضر ليطوِّع مواقفه السياسية وفق متطلبات هذه الأولوية، لذا لا بأس إن تابع مع رئيسي الفوائد الدسمة، ولا غضاضة إن هو بحث عن الدسم في استثمارات قد يمده بها السوق اللبناني.
وكله بيع وشراء. لذا لن تنكفئ فرنسا عن تسهيل وصول مرشح «حزب الله» المسيطر على لبنان. أمّا الحكومة القوية، فهي بدورها تتعلق بالرصيد، أكثر من ذلك، يبدو أنّها من مؤيدي الإبقاء على الرئيس نجيب ميقاتي، كما أشارت بعض المصادر، على رأس الحكومة، بعد انتخاب الرئيس العتيد، لأن الاستثمارات مضمونة مع ميقاتي.
وعلى الرغم من رفض السعودية العروض المتواصلة لماكرون وفريق عمله لترويج مرشح «حزب الله» الحالي سليمان فرنجية، وإصرارها على المواصفات التي تخدم لبنان قبل أي أمر آخر، إلا أنّ المسعى الفرنسي لا يزال يتحايل للالتفاف على الرفض، ويحاول إسقاط المواصفات المطلوبة على من يريده «الحزب»، دون سواه، ويعمل ما يلزم لإقناع السعودية به. اليوم سليمان فرنجية هو المنشود. وإذا غيّر «الحزب» قراره، يلتزم المسعى الفرنسي. وتتم قولبة المواصفات لتنطبق على من رست عليه المناقصات الإقليمية والدولية بهمة فرنسية.
المهم أن يبقى الاستقلال السياسي بين باريس وطهران لتستمر المقايضة بلبنان عبر هذه الثلاثية المستحدثة… وإلا كيف يُفهم كلام الرئيس الإيراني عن تشكيل حكومة قوية في لبنان ممكن عبر دعم إيراني وفرنسي… ودعم «حزب الله»؟