Site icon IMLebanon

الإستحقاق في قاعة الإنتظار

(FILES) In this file photo taken on September 29, 2022 Lebanese Parliament Speaker Nabih Berri (top-C) opens the first session to elect a new President in Beirut. - Lebanon's parliament failed on October 20, 2022 for a third time to elect a successor to President Michel Aoun, stoking fears of a political vacuum after his mandate expires at the end of the month. (Photo by Ibrahim Amro / AFP)

كتب سعيد غريّب في “نداء الوطن”:

سؤال عمره ثلاثة وخمسون عاماً ولا يزال حتى اليوم من دون جواب: هل كانت ستقع الحرب في لبنان لو فاز الياس سركيس على سليمان فرنجيه في انتخابات 17 آب 1970؟ وهل كان في استطاعة سركيس منعها أو تأجيلها في أحسن الاحتمالات ست سنوات؟

لقد عرف لبنان في السنوات الأربع الأولى من عهد فرنجيه ازدهاراً غير مسبوق لدرجة أنّ اللبنانيين كادوا يشعرون بالقلق لحجم الطفرة المالية والاقتصادية والسياحية التي شهدها لبنان، كمن يقول: «خير ان شاء الله» خلال أي نوبة ضحك. وكأنّها كانت تمهيداً للانفجار الكبير الذي ترافق مع عوامل كثيرة محلية وإقليمية ودولية.

تأخّر وصول سركيس ست سنوات فيما أوصال الجمهورية اللبنانية تتعرض لتدمير منهجي. ورغم ذلك استطاع الرئيس الصامت والصابر والصامد أن يحافظ على العملة الوطنية وتهدئة الأحوال الأمنية بالحدّ الأدنى مقابل تحديات كبرى وأحداث كبيرة ونوعية حوّلت الصراع الكبير إلى منعطفات خطيرة كاغتيال كمال جنبلاط وأحداث إهدن والقاع وحرب المئة يوم واختطاف الإمام موسى الصدر وصدور القرار الدولي 425 وتوقيع معاهدة كمب ديفيد.

انتهت حقبة وبدأت حقبة جديدة لا تقلّ خطورة، فبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982، وقبل انتخاب الشيخ بشير الجميّل رئيساً للجمهورية بعشرة أيام، زار النائب الشمالي فؤاد غصن وزير الخارجية فؤاد بطرس، وأخبره- يقول بطرس في مذكراته- أنّه وعد الشيخ بشير بالتصويت له، لكن الرئيس سليمان فرنجيه شدّد عليه بعدم انتخاب الجميّل. وطلب غصن من بطرس أن يشير عليه بالخيار الصائب، فهو يعيش في «المنطقة الشرقية» الخاضعة لسيطرة القوات اللبنانية، لكنه يريد أن يحافظ على إمكانية قيامه بزيارة الشمال وبالتحديد الكورة التي يمثلها في المجلس النيابي. فقال له بطرس إنّ عليه في هذه الحال أن يحكّم ضميره ويعمل بموجب اقتناعاته وما يعتبر أنه يصبّ في مصلحة البلاد فقط.

انتخب الشيخ بشير بعدما تأمّن نصاب الثلثين في حضور النواب سليمان العلي وفؤاد الطحيني وفؤاد لحود وسالم عبد النور الذين حسموا أمرهم وقرّروا التوجّه إلى الفياضية حيث انعقد المجلس النيابي. وقد أبلغ إلى كل من الطحيني وعبد النور الوزير بطرس أنّهما مضطران لحضور الجلسة استجابة لمطالب الناخبين المسيحيين في الشوف.

وفي صبيحة اليوم التالي، يقول بطرس «قرّرت مراعاة للبروتوكول كوني وزيراً في الحكومة بأن أتوجّه إلى بكفيا لتقديم التهاني للرئيس المنتخب مصطحباً معي أمين السر في الخارجية سمير مبارك، وفي الطريق تبادلنا الحديث حول الانتخابات فقلت له: سنة 1970 فوجئت بفوز فرنجيه، أما البارحة فكان الأمر أشبه بثورة. ما يثير قلقي هو أنّ بشير محاط بأشخاص غير كفوئين ولا يفقهون شيئاً في عالم السياسة ولا في الإسلام والعالم العربي المتحفظ على عملية انتخابه. أعتقد أنّه سيتبدّل ولكن ربما يؤدي ذلك إلى انقلاب قواعده عليه. يجب على بشير أن يحيط نفسه بليبراليين يعرفون جيداً العالم العربي».

ومن انتخابات إلى أخرى وجو آخر، لأن انتخابات الرئاسة في لبنان تبدو متروكة للقدر منذ العام 1988 وحتى إشعار آخر. فقبل هذا التاريخ، كانت الرئاسة استحقاقاً ملزماً لم يكن ليجرؤ أحد على مجرّد التفكير بتأجيله أو اللعب به. اليوم الشواذ هو القاعدة والاستحقاق لم يعد استحقاقاً خلافاً للطبيعة وللمواد الدستورية والقوانين. ولم تعد لوصايا الوزير السابق أي مفاعيل لأنها أصبحت خارج سياق الواقع الضاغط الذي نعيشه.

إنّ الأكيد حتى الآن، وهكذا المنطق يقول إنّ الموارنة وهم ملح لبنان فقدوا دورهم الطبيعي بعدما باتوا منذ العام 1988 في قاعة الانتظار. ولم يعد أمامهم سوى العمل الدؤوب والجبار لاستعادة الدور الذي أرسى لبنان الرسالة، التي ربما تشكل حلاً لعالم يهتز. ولا مبالغة في القول إنّ بعض هذا العالم قد يتلبنن في النهاية. وإذا فشل النواب اليوم، في انتخاب رئيس للجمهورية وهذا مرجح، فيتوجّب إسقاط المجلس النيابي والتمهيد لانتخابات جديدة.