Site icon IMLebanon

“المؤامرة” التي لم يرَها سوى باسيل!

كتب طوني جبران في “المركزية”:

أما وقد اقر المجلس النيابي قانون تأجيل تسريح قادة الاجهزة الأمنية سنة كاملة بعد تجاوز “قطوع التمديد” في حكومة تصريف الاعمال وافخاخها القانونية، فقد توجهت الأنظار في الساعات التي تلت ذلك الى رصد المواقف الداخلية قبل الاقليمية والدولية التي كان لها التأثير البالغ في الدفع من اجل توفير المخرج القانوني الصلب. وهو موقف جامع لم تخفه مجموعة الدول الصديقة للبنان من باب الحرص على تجنيب البلاد خضات هي بغنى عنها في مثل الظروف التي تمر بها المنطقة. وخصوصا في ظل الترددات على وقع الحرب الدائرة في غزة وامكان توسعها الى لبنان بطريقة مأساوية إن ارتكب احد الاطراف المساندة لها خطأ يتجاوز الخطوط الحمر التي رسمتها المواقف منها.

انطلاقا مما تقدم، توقفت مراجع سياسية وديبلوماسية عبر المركزية” أمام ما سبق ورافق ولادة القانون الجديد والترددات المحتملة له فعبرت عن ارتياحها لحجم التلاقي الذي تحقق بين الرغبة الدولية ورغبات مجموعة كبيرة من الكتل النيابية من مختلف ألوان المجلس النيابي التي سمحت بولادة القانون على وقع ترحيب المراجع الدينية والحزبية بما تحقق.

وسط هذه الأجواء، استغربت المصادر عينها أن يصدر عن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل امس الاول موقف لفت فيه الى حجم “المخاطر” التي ترتبت على القانون وما قال به، معتبرا ان “ما حصل من تمديد في المجلس النيابي، هو في إطار استمرار المؤامرة، الّتي لم يتصدّى لها السّياسيّون اللّبنانيّون والحكومات المتعاقبة … والّتي خضعوا لها مجدّدًا أمس بتمديدهم للسّياسات الأمنيّة المعتمَدة على الحدود البريّة والبحريّة للبنان”.

واعتبرت هذه المراجع مجتمعة، ان اصرار باسيل على التعبير عن موقف متمايز عن باقي القوى اللبنانية كاملة ليس له ما يبرره وخصوصا إشارته التي لم يرها أحد سواه الى حجم المخاطر المترتبة على القرار و”المؤامرة” التي حيكت ضد البلد. علما انه اعتبر في اكثر من موقف ومناسبة منذ اللحظة الاولى لطرح الموضوع انه هو “المستهدف الوحيد” من بين القيادات اللبنانية مما يخطط له داخليا واقليميا ودوليا معتقدا “أن العالم يدور من حوله” قبل وبعد أن يغادر قصر بعبدا. وهو يتجاهل عن قصد او من غيره حجم الازمة الاقليمية والدولية التي تعيشها المنطقة والمخاطر الحقيقية التي يمكن ان يتعرض لها لبنان في حال التمادي بالحرب في غزة وجر لبنان اليها، متناسيا حجم الازمة المالية والنقدية التي قادت اليها السياسات التي اعتمدها في السنوات الاخيرة التي أخرجت لبنان منذ تبنيه لتوجهات حكومة الرئيس حسان دياب من السوق المالية والمصرفية العالمية وكادت تصل الى عزله تماما لولا بعض الخطوات الدولية التي ما زالت تتطلع بخصوصية الى الوضع في لبنان وتنظيم برامج المساعدات للمؤسسات المتعثرة.

وعلى هذه الخلفيات، تقول مصادر معارضة – مع خلوها من اي علاقة شخصية معه او ضده – لم يكتف باسيل بتسجيله “المواقف الهمايونية” التي يبرىء فيها نفسه من الأخطاء الفظيعة التي ارتكبت على مدى السنوات الست من عهده “بالوكالة والاصالة عن سيده”، وتنازله لأدوار بعض المؤسسات السيادية لصالح قوى الأمر الواقع، فهو ماض في تصنيف الناس وتوزيع الاتهامات وخصوصا عندما أمعن منذ فترة طويلة في تشويه صورة قائد الجيش العماد جوزف عون الحائز على ثقة المجتمع الدولي كاملا بدون أي تردد، رغم أن أحدا لم يشاركه ما صبه من صفات واتهامات وصولا الى تهمة “عدم الوفاء” لشخصه الكريم بعدما اعتبر انه يمكن ان يزرع ازلامه في مختلف الوظائف والدوائر الحساسة الادارية منها والقضائية معتبرا ان بقدرته اقامتها في مؤسسة كالجيش اللبناني الذي قبل بعض قادة الويته تخصيصه بعشرات الضباط والعسكريين من اجل تنظيم زياراته الاستفزازية الى المناطق اللبنانية حتى الأمس القريب.

واضافت هذه المصادر، في إطار التعبير عن رفضها لسياساته، أن باسيل تناسى أن من المبادئ التي يجب الحرص عليها في الظروف الاستثنائية، مجاراتها بما يستلزم من خطوات ومواقف إنقاذية. فاتهم بعض الكتل النيابية بالتراجع عن رأيها في دور المجلس النيابي التشريعي بعدما سجل اولى الخطوات الخارقة لموقفه “المتجانس” معها في جلسات سابقة وقد عقد الصفقات بشأنها فكان أول من بادر للخروج عن مجموعة المواقف التي عدها من المبادىء التي لا يمكن خرقها.

وبعيدا من هذه الاجواء المسمومة التي تسببت بها مواقف باسيل منفردا ولفترة محدودة للغاية، فإن هناك من يعتبر أن ما اتخذ كان من أهم وأفضل القرارات التي يمكن اللجوء إليها لضمان الاستقرار في مؤسسة بحجم الجيش وصيانة للأدوار التي يقوم بها، مؤكدة ان بديل تأجيل تسريح العماد عون كان يمكن أن يكون انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية بدل القيام بأي مهمة أخرى وهو يلعب أدوارا لاعاقة هذه الخطوات فبدل من مواقفه اكثر من مرة لتطيير اي تفاهم على انتخاب الرئيس بعدما وضع مواصفات اعتقد انه وحده من يترجمها.

وانتهت المصادر الى القول انه كان يمكن أن يعين قائد جديد للجيش ليكون بديلا من العماد عون ولكن هل هناك من ضابط يمكن ان يقبل بالمهمة الموقتة الى حين انتخاب الرئيس ما لم يكن من عدة شغله؟ ذلك أن هناك معادلة بسيطة تقول ان من يستطيع تسمية هذا القائد من اليوم عليه ان يكون متيقنا من قدرته على انتخاب الرئيس الذي يتوافق معه. ولكن هل لهذه المعادلة من وجود حتى اللحظة في ظل التركيبة النيابية المعقدة التي أنتجت منذ انتخاب هذا المجلس الجديد ثلاثة “اكثريات عجائبية” اختلطت فيها مواقف الكتل المتضاربة. فانتهت اولاها الى انتخاب رئيسه، وثانيها انتخبت نائبه لتتكون الثالثة التي لم يكن يحلم بها احد قبل ايام قليلة لتاجيل تسريح القادة الامنيين.