IMLebanon

هل يمكن دمج السلاح في مؤسسات الدولة؟

كتبت منى فياض في اللواء:

لا ينفكّ النقاش اللبناني يتعثّر عند عتبة «سلاح حزب الله». تتجدّد المواجهة الكلامية عند كل استحقاق، ومع كل تصعيد أو هدنة، فيتكاثر الجدل حول كيفية التعامل مع سلاح حزب الله. فريق يراه سلاح غير شرعي ويطالب بضبطه تحت سلطة الشرعية اللبنانية، بتسميات مختلفة: سحب، تسليم، أو نزع السلاح… وفريق يراه سلاح مقاومة ويطالب بالاحتفاظ به، وفريق آخر يقترح فكرة دمج هذا السلاح في منظومة الدولة.

فهل يمكن دمج هذا السلاح؟ وبأية شروط؟

ربما فكرة الدمج تكسر الجمود، وتخرج النقاش من المعادلة الصفرية، بحيث تستبعد نزع مباشر للسلاح بالقوة، ولا تقبل بديمومة الواقع.

أما من يقترح دمج المؤسسات الاجتماعية والعسكرية، فحسنتها انها لا تتعامل مع الحزب وسلاحه فقط كمشكلة عسكرية، بل أيضاً كأمر واقع تشعّبت ارتباطاته بالبُنى الخدماتية والسياسية، وهذا يفتح الباب لنقاش أوسع من مجرد المراوحة القاتلة.

لكن افتراض أصحاب هذا الرأي بأن الحزب سيقبل تدريجياً بدمج نفسه بالدولة، يظن ان الحزب ينظر الى نفسه كمجرد فاعل داخل الدولة، بينما هو يعتبر نفسه ضامناً لكيانها، أي أنه «أعلى من الدولة»، كما تشير أدبياته.

 

فهل يعقل أن يقبل بتفكيك قدراته (العسكرية والاجتماعية) بهذه السلاسة؟ وكيف ستُنتزع مصادر قوته دون أن يعتبرها «استهدافاً للمقاومة»؟

فكرة الدمج إذا تمّت بتفاهم داخلي، تغيّب أيضاً العامل الإقليمي: إيران، وإسرائيل، ماذا ستكون ردود فعلهما؟ ماذا لو ان إيران طلبت منه، كما يبدو انها تفعل، عدم التخلّي عن أي سلاح؟ ما هي ردة فعل إسرائيل؟

كما يجب عدم تبسيط فكرة الدمج داخل الجيش بحد ذاتها:

من يختار من ليُدمج؟ هل على أساس الكفاءة؟ الولاء؟ أم التوازن الطائفي؟

هل يتوافق ذلك مع تركيبة الجيش الحالية؟ وهل يقبل الجنود والضباط الذين قاتلوا ضد «الدويلة» سابقاً بوجود عناصر، ربما تواجهوا معها، من الحزب بينهم؟

ما هي الأعداد التي يمكن استيعابها؟ وماذا عن الباقين؟

هل سيتطلب ذلك مصالحة وطنية؟! وما هي شروطها، كي لا يتسبب ذلك بتفجير المؤسسة بدل أن يوحّدها؟

أما عن فكرة شرعنة الهياكل الموازية التي لدى الحزب والاستفادة منها في مؤسسات الدولة، هذا الأمر قد يُفهم كمحاولة لإدخال شبكة الحزب برمّتها ضمن النظام، ما يؤدي فعلياً إلى تثبيت نظام المحاصصة على مستوى أعمق لا إلى تجاوزه.

كما تجدر الإشارة الى ان أي عملية دمج أو تفكيك يجب أن تسبقها معالجة لمسألة العنف، الاغتيالات، السيطرة القسرية، المحاكمات، سطوة السلاح. إذ ما معنى المصالحة أو الإدماج دون محاسبة أو كشف حقائق؟

ان النقاش إذا لم يأخذ بعين الاعتبار الواقع المركّب الذي سبّبه هذا السلاح، من تغييرات عميقة في علاقة اللبنانيين ببعضهم وبالدولة، وبمفهوم السيادة، وبمعنى الوطنية الجامعة، سوف يكون بلا جدوى.

ما نعيشه اليوم ليس مجرّد خلاف على بند دستوري أو مبدأ قانوني، بل أزمة عميقة في التوازن بين الشرعية الوطنية والشرعية الثورية/الدويلة، وبين سرديتين لا تلتقيان على تعريف واحد للمصلحة العامة. فالسلاح الذي نشأ تحت عنوان مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، تحوّل مع الوقت إلى أداة نفوذ داخلي، بحيث تجاوز وظيفته الأمنيّة والعسكرية إلى رسم موازين القوى، وصناعة القرارات الكبرى، وتقييد الحركة الطبيعية للمؤسسات.

إن إعادة السلاح إلى كنف الدولة ليس خطوة أمنية، بل مشروع سياسي طويل الأمد، يتطلب إعادة بناء الثقة بالمؤسسات، ودعم الجيش مع تطوير قدراته وتحديث استراتيجيته بما يتلاءم مع عصر المعلوماتية والذكاء الاصطناعي.

لن يكون هناك حلّ حقيقي لمعضلة السلاح ما لم يُعاد تعريف الوظيفة الدفاعية للدولة بشكل جذري، وما لم يشعر المواطن أن الجيش اللبناني مدعوم فعلياً سياسياً، ومزوّد بقدرات تكنولوجية ومعلوماتية تسمح له بمواجهة أي تهديد خارجي او داخلي، لا أن يبقى رهينة شعارات الدعم الفارغ، أو افتراء انه ضعيف وغير قادر على الحماية.

وفي المقابل، لا يمكن للسلاح الخارج عن الدولة أن يستمر إلى ما لا نهاية وهو يطالب بشرعية مزدوجة: شرعية الممانعة وشرعية الشراكة في الحكم. هذا تناقض جوهري، وأساس كل الانهيارات الحالية.

ولا يكفي أن نطرح فكرة الدمج نظرياً. فنجاحها مشروط أولاً وأساساً باستعادة الدولة هيبتها. وهذه لا تُستعاد عبر الخطب أو العرائض، بل من خلال خطوات فعلية تبدأ من الاصلاح الحقيقي، ومن محاربة الفساد، وتفكيك منظومة الزبائنية السياسية والطائفية التي تُحوّل الدولة إلى مساحة تحاصص وخدمات انتخابية.

ما نعيشه اليوم في إدارات الدولة، وفي المؤسسات البلدية والمجالس، يُظهر بوضوح أن القوى الحاكمة لم تستعد بعد أي حد أدنى من ثقة الناس أو كفاءة الحكم.

فكيف يُمكن أن نسلّم حزب الله سلطة شرعية في اتخاذ قرار الحرب والسلم في مثل هذا الوضع؟

فشل أي محاولة للدمج، في ظل غياب الشروط الوطنية، سيقود إما إلى انفجار داخلي، أو إلى استمرار ومفاقمة الأمر الواقع، حيث يعيش اللبنانيون تحت مظلتين، ويتوزع ولاؤهم بين الدولة والحزب.

لكن الأخطر من ذلك هو تحوّل الحزب إلى سلطة موازية نهائية، تتعامل مع الدولة كواجهة شكلية، مما يُسقط أي إمكانية لتطوّر لبنان كدولة حقيقية.

لقد آن الأوان أن نخرج من متاهة الاتهامات، وأن نعيد القضية إلى أصلها: كرامة الناس، حقهم بالحياة الآمنة، ودولتهم التي يفترض أن تكون الحَكَم لا الخصم.