Site icon IMLebanon

سباق محموم بين ضمّ الضفة والاعتراف بدولة فلسطين

كتب نايف عازار في “نداء الوطن”:

لا يزال حلم ضمّ الضفة الغربية وغور الأردن إلى أراضي إسرائيل يراود حكام تل أبيب على مرّ تاريخهم الحديث العهد، وكيف إذا كان هؤلاء الحكام ممثلين راهنًا ببنيامين نتنياهو، الذي يُعدّ من بين أكثر رؤساء الحكومات تطرّفًا في تاريخ الدولة العبرية.

فقد صدّق الكنيست في الآونة الأخيرة على مقترح تقدّم به أعضاء في الائتلاف اليميني الحاكم ويدعو الحكومة الإسرائيلية إلى فرض سيادتها على الضفة وغور الأردن، مستندًا إلى ما وصفه بـ “الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب اليهودي على أرض إسرائيل”، معتبرًا الضفة الغربية وغور الأردن جزءًا لا يتجزأ من الدولة الإسرائيلية.

بيد أنّ المقترح وإن كان غير ملزم للحكومة الإسرائيلية، إلّا أنه يكرّس التوجّه السياسي المزمن لترسيخ مشروع الضمّ، والذي نُثرت بذوره الأولى في أرض فلسطين الخصبة في عام 1967، وقد شكّل هجوم حركة “حماس” وأخواتها المباغت على غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023 خير ذريعة لتل أبيب لشنّ حرب لامتناهية على قطاع غزة، وللمضيّ قدمًا بالتوازي في سياسة ضمّ الضفة وغور الأردن.

لكن ماذا يعني عمليًا ضمّ “يهودا والسامرة” إلى “أرض الميعاد”، بحسب الوصف اليهودي والتوراتي؟

الضمّ يعني أن تتعاطى الدولة العبرية مع الضفة الغربية باعتبارها جزءًا من “أراضيها السيادية” حيث تُطبَّق القوانين الإسرائيلية، كما هو الحال في الجولان السوري المحتلّ. لكنّ المعضلة الكبرى تكمن في عدم الاعتراف بسكانها الفلسطينيين كمواطنين، بمعنى آخر، سيُمسي الفلسطينيون، وهم أصحاب الأرض، سكانًا مجرّدين من حقوقهم، أي لا يحق لهم الترشح ولا التصويت، وهنا تتجلّى العنصرية الإسرائيلية بأبهى حللها. كذلك سيضحي أهالي الضفة في سجن كبير، حيث تُحظّر عليهم الحركة بحرية بين مدينة وأخرى من دون الاستحصال على تصاريح أمنية من الجيش الإسرائيلي، وهو أمر يحصل راهنًا في العديد من مناطق الضفة المقطّعة الأوصال.

فضلًا عن ذلك، إن بات الضمّ أمرًا واقعًا، فسينهار عندها ما يُعرف بالتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية التي ستفقد حينها صلاحياتها، ليخضع بالتالي زهاء ثلاثة ملايين فلسطيني لحكم شبه عسكري من قِبل “منسّق إسرائيلي”، يدير ما يُصطلح على تسميته إسرائيليًا “الإدارة المدنية”، ما يعني عيش الفلسطينيين تحت رحمة سلطة عسكرية تتصرّف من دون رقيب ولا حسيب وتتخذ قرارات قضائية مبرمة، ليتذوّق بالتالي أهالي الضفة مجدّدًا مرارة كأس تجرّعوها بين عامي 1967 و 1993، عندما كان الفلسطيني يُعتقل عن غير وجه حق وبلا أي تهمة أو مسوّغ قانوني.

ولا ريب في أنّ الدولة العبرية ستحرص على عدم منح الجنسية الإسرائيلية لأيّ من فلسطينيي الضفة، لأنّ الجنسية هذه تمنحهم حق التصويت للكنيست، وهو أمر تعتبره تل أبيب غاية في الخطورة، كونه ينسف فكرة “الدولة اليهودية”، ويعزز “التهديد الديموغرافي” الذي يقضّ مضجع حكام تل أبيب، فآخر ما تريده إسرائيل بروز نوّاب أو وزراء عرب أشدّاء يؤرقونها ويشكّلون كابوسًا سياسيًا لها على المنابر وفي ساحات المواجهة.

ولا شكّ أيضًا في أنّ التاريخ أثبت أنّ الدولة العبرية تجهد لترك جبهاتها مفتوحة مع محيطها، فاستمرار الحروب يتيح لها احتلال مزيد من الأراضي العربية وقضم ما تبقّى من أراضٍ فلسطينية، بينما إبرام اتفاقات سلام، وإن كان أمرًا يريح إسرائيل ويجلب لها الأمن المنشود، إلّا أنه يضع في الوقت عينه حدًا لـ “طموحاتها الاستيلائية” على أراضي الغير.

ويبقى أنّ السباق المحموم سيحتدم في قابل الأيام بين بعض الدول الغربية التي جاهرت بعزمها الاعتراف بدولة فلسطين قبل شهر أيلول المقبل، وبين مساعي تل أبيب الحثيثة الرامية إلى ضمّ أراضٍ في الضفة الغربية، لتقطع بذلك الطريق نهائيًا على إمكان قيام دولة فلسطينية كاملة الأوصاف مستقبلًا.