كتبت أمل شموني في “نداء الوطن”:
تُمثل الزيارة المرتقبة للرئيس السوري أحمد الشرع إلى البيت الأبيض حدثًا تاريخيًا غير مسبوق، وخطوة مهمّة نحو إعادة بناء العلاقات الأميركية – السورية بعد سنوات من القطيعة. وخلال زيارته، من المتوقع أن يوقع الشرع اتفاقية للانضمام إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش”، ما يؤكد التعاون في مجال مكافحة الإرهاب. وتأتي هذه الزيارة في سياق سعي البيت الأبيض إلى رفع معظم العقوبات المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر”. ويصف البيت الأبيض التواصل مع الشرع بأنه جزء من جهود أوسع لمنح سوريا فرصة للسلام والاستقرار تحت قيادة جديدة. فبالنسبة إلى الرئيس ترامب، تجسد هذه الزيارة سياسة إدارته المتمثلة في إعادة الانخراط العملي مع الأنظمة التي كانت معادية سابقًا لتعزيز شراكات مكافحة الإرهاب وإعادة تأكيد النفوذ الاستراتيجي الأميركي في كافة أنحاء الشرق الأوسط. أمّا بالنسبة إلى دمشق، فهي تمثل الشرعية والاعتراف وشريان حياة اقتصاديًا محتملًا بعد سنوات من العزلة والدمار.
وترى مصادر أميركية أن مقاربة إدارة ترامب تجاه سوريا عكست براغماتية حذرة تراوحت بين الموازنة في ضبط النفس الجيوسياسي وإعادة الانخراط الاستراتيجي. وكان الرفع الجزئي للعقوبات المفروضة دليلًا واضحًا على هذا التعديل. ويصف دبلوماسيون أميركيون الزيارة بأنها خطوة تاريخية لإصلاح العلاقات الدبلوماسية. وتأتي هذه الزيارة في أعقاب سلسلة من اللقاءات الإقليمية – أبرزها اجتماع أيار 2025 بين ترامب والشرع في الرياض – والتي أسفرت عن خريطة طريق لإعادة هيكلة الجيش السوري، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، والتكامل الإقليمي. ويقدم البيت الأبيض هذه الخطوات كجزء من مسعى أوسع لمنح سوريا “فرصة ثانية” تحت قيادة جديدة.
وبينما يستعدّ الشرع لتقديم “تنازلات” تريح واشنطن لجهة تعقيدات الانتقال السياسي في سوريا، أوضح مصدر دبلوماسي أميركي أن تعقيدات الحراك السياسي في سوريا استلزمت استراتيجية دقيقة تُوازن بين المخاوف الأمنية الفورية والأهداف طويلة الأجل المتمثلة في الاستقرار وإعادة الإعمار والتطبيع السياسي. فالشرع يسعى إلى تسليط الضوء على التزام حكومته بإعادة بناء الثقة للعلاقات الأميركية – السورية. في هذا الإطار، أشار خبراء أميركيون إلى أن “واشنطن ترى فرصة لتعزيز الدعم لحكومة يمكنها تحقيق الاستقرار في سوريا على المدى الطويل”، وهو ما يعكس الأخذ والرد المتبادل بين البيت الأبيض والكونغرس لإدراج إلغاء “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا” ضمن قانون تفويض الدفاع الوطني القادم، والذي سيمثل، في حال نجاحه، تخفيفًا كبيرًا لنظام العقوبات الذي يعيق تعافي سوريا.
تجدر الإشارة إلى أن الأشهر الأخيرة شهدت تحوّلات ملحوظة تعكس تركيزًا متجددًا على سوريا. فقد شملت الإجراءات الرئيسية سحب ترشيح جويل رايبورن لمنصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ما يشير إلى إعادة توزيع استراتيجية للأشخاص الرئيسيين داخل وزارة الخارجية. فقرار سحب ترشيح رايبورن، بحسب مصدر دبلوماسي، مؤشر إلى استراتيجية أوسع لإعادة معايرة المشاركة الأميركية في المنطقة. في موازاة ذلك، يؤكد استمرار توم برّاك كمبعوث أميركي إلى سوريا، دوره المحوري في تعزيز التواصل الدبلوماسي، إذ يبقى برّاك حلقة وصل حيوية في النهج الأميركي تجاه سوريا. ويمكن لعلاقاته مع مختلف الجهات الفاعلة السورية أن تسهل حوارًا بناءً أكثر.
وهذا الأسبوع، عمّمت الولايات المتحدة مشروع قرار على مجلس الأمن الدولي يهدف إلى رفع العقوبات عن شخصيات رئيسية في الحكومة السورية، أبرزها أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب. وبالفعل، رفع مجلس الأمن أمس العقوبات عن الشرع وخطاب. وحظي القرار بتأييد 14 دولة، في حين امتنعت الصين عن التصويت. ويُمثل هذا التحرّك إعادة تموضع لافت للإجراءات العقابية التي لطالما ميّزت السياسة الأميركية تجاه سوريا.
وفيما تشير مصادر معارضة للشرع في واشنطن إلى أن التوترات الطائفية لا تزال واضحة في سوريا، ما يسلّط الضوء على الانقسامات المحلّية والعرقية المستمرّة التي يجب على دمشق التعامل معها بشفافية، اعتبر مصدر في الكونغرس الأميركي أن “هذه الانقسامات الداخلية تمثل حاجزًا هائلًا”، مشيرًا إلى ضرورة معالجة هذه القضايا، ولا سيّما كيفية إدارتهم للديناميكيات العرقية، “كي لا يبقى الطريق إلى الاستقرار مسدودًا”.
يواجه الشرع موقفًا دقيقًا، فهو بحاجة إلى الدعم الدولي رغم العوامل الخارجية المزعزعة للاستقرار التي تتحدّى السيادة السورية. ويكشف تقييم استراتيجي أميركي في سوريا، مزيجًا من البراغماتية والقيود، إذ يُقرّ خبراء أميركيون بالتقدّم المحرز في التواصل الدبلوماسي، لكنهم يؤكدون تفاوت النتائج على الأرض. هناك إدراك واضح بأنه على الرغم من أن بعض المبادرات واعدة، إلّا أن النهج الأميركي العام يفتقر إلى المشاركة الشاملة في الحوكمة والإصلاحات الاقتصادية. فالمشهد المتغير يتطلب من الولايات المتحدة تكييف استراتيجياتها باستمرار، والموازنة بين التدابير الفورية والاستجابة السريعة والأهداف طويلة الأجل.
وفي خضم هذا المشهد السياسي المعقد، يتعين على الولايات المتحدة أن تتعامل ليس فقط مع الانقسامات الداخلية في سوريا، بل أيضًا مع التداعيات الأوسع لشراكاتها الاستراتيجية والديناميكيات المتغيرة باستمرار لعلاقات القوة الإقليمية. من هنا يمكن هيكلة تخفيف العقوبات كأداة ضغط من خلال نهج تدريجي ومدروس يربط التخفيف التدريجي للقيود بالتقدّم الملموس والقابل للتحقق في شأن المطالب الاستراتيجية الأميركية. وتشمل أبرز هذه العناصر الهيكلية الرئيسية، التخفيف التدريجي والمشروط للعقوبات بناءً على خطوات ملموسة تتخذها سوريا نحو أولويات الولايات المتحدة، بما في ذلك تحسين حماية حقوق الأقليات، نزع سلاح الميليشيات، والتعاون في مكافحة الإرهاب، والسماح بعمليات التفتيش أو المراقبة الدولية. في المقابل، الإبقاء على آليات إعادة فرض العقوبات إذا تراجعت سوريا عن التزاماتها أو غشت أو انتهكت الشروط.
مع ذلك، يبقى السؤال الأعمق الذي يطرحه صانعو السياسات الأميركيون هو الاستدامة: هل تستطيع واشنطن الحفاظ على انخراطها الاستراتيجي من دون وجود شامل على الأرض؟ يُظهر الملف السوري إمكانات ومخاطر دبلوماسية عهد ترامب – دبلوماسيةٌ قائمة على المعاملات، وواضحة للعيان، ولكنها غالبًا ما تكون غير مُؤسّسية.

