جاء في “نداء الوطن”:
إذا كان اليومان الأولان من زيارة خليفة بطرس، قد اتسما بالأبعاد الروحية والإنسانية والثقافية، فإن اليوم الأخير، حمل مواقف أكثر وضوحًا في مقاربة الإشكاليات السياسية الجوهرية. ففي القدّاس الإلهي الذي أُقيم صباح أمس على الواجهة البحرية لبيروت، بحضور آلاف المؤمنين والمسؤولين، شدّد البابا لاوون الرابع عشر على أن “الشرق الأوسط يحتاج إلى مقاربات جديدة، تتجاوز الانقسامات السياسية والدينية، وتفتح صفحة من المصالحة والسلام”. ودعا في عظته إلى عدم اليأس، متوجّهًا إلى لبنان النازف والمشلول، بالقول: “قم انهض وكن علامة للسلام في المشرق”. وخلال مراسم الوداع في المطار، دعا الحبر الأعظم في كلمته إلى أن “نُشرك الشرق الأوسط بأسره في الالتزام من أجل السلام والأخوّة، بما في ذلك مَن يُعتبَر اليوم عدوًّا”. أضاف: “علينا أن نوحد الجهود كي يستعيد لبنان رونقه. وهناك طريقة واحدة لذلك: أن نجرد القلوب من السلاح، وأن نُسقط دروع انغلاقنا العرقي والسياسي، وأن تنفتح معتقداتنا الدينية على اللقاء المتبادل وأن نوقظ في داخلنا حلم لبنان الموحد حيث ينتصر السلام والعدالة، وحيث يعترف الجميع ببعضهم البعض كإخوة وأخوات”.
في هذا السياق، رأت مصادر كنسية أن كلام البابا، رغم صياغته الهادئة المعهودة في أدبيات الكرسي الرسولي، حمل في مضمونه رسائل مباشرة تتقاطع مع التحذيرات الدولية والعربية للبنان بضرورة التحرّك قبل فوات الأوان. فالفاتيكان، وإن كان يختلف في أدواته ووسائله عن سائر القوى الدولية، إلا أنها تلتقي معًا في الدعوة إلى استعادة الدولة اللبنانية سيادتها الكاملة، وحصر السلاح بيد الشرعية وحدها. وأكد المصدر لـ “نداء الوطن” أن العبرة تبقى في كيفية الإفادة من زيارة الحبر الأعظم، مشيرًا إلى أن البابا يُولي الوضع اللبناني اهتمامًا بالغًا، وقد وعد بالتواصل مع عواصم القرار، وعلى رأسها واشنطن، للعمل على إيجاد مخرج للأزمة وتجنب انزلاق البلاد نحو حرب جديدة. كما سيجري اتصالات مع الدول الفاعلة، بما فيها تل أبيب، للحؤول دون العودة إلى أتون الدمار. ولفت المصدر إلى أن البابا اطّلع على مختلف وجهات النظر خلال زيارته، وهو من أشدّ الداعمين لقيام دولة قوية، لأن بقاء الوضع على ما هو عليه يعني بقاء الفوضى واستمرار دورة العنف، في ظلّ قناعته بأن السلاح غير الشرعي يشكّل وقودًا دائمًا للأزمات والانهيارات.