IMLebanon

سباق مبكر بين “الحزب” و”القوات” وسط ضياع سُني

كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:

لا يزال الاستحقاق النيابي المقبل محطّ تجاذب داخلي، في ظل غياب أي تأكيد رسمي أن الانتخابات ستجرى في موعدها أو ستلحق بسلسلة الاستحقاقات المؤجَّلة. لكن دائرة بعلبك الهرمل تبدو الأكثر التصاقًا بهذا الغموض، حيث يخيّم على المشهد قدر كبير من الجمود والترقب، بانتظار ما ستؤول إليه التطورات اللبنانية عسكريًا وسياسيًا، وتحديدًا ما يتعلّق بقانون الانتخابات نفسه، في بلد تُعاد فيه صياغة القواعد كلما تغيّرت الموازين.

حتى اللحظة، لا يظهر أن “حزب الله” دخل فعلًا في مرحلة الحركة الانتخابية العلنية، وإن كان يعمل بهدوء خلف الكواليس. فالصورة عنده داخل الدائرة شبه مكتملة من حيث توزيع الأسماء، فـ “الحزب” لن يقدم على تغييرات جذرية في تركيبته النيابية، انطلاقًا من قناعته بأن المرحلة المقبلة تتطلّب الوجوه نفسها التي راكمت حضورًا في البيئة الشيعية، وأي تبديل غير محسوب قد ينعكس تراجعًا في التصويت الشعبي، وهو أمر لا يريده “الحزب” في لحظة إقليمية بالغة الحساسية.

ومع ذلك، فقد حُسم الملف الأكثر تداولاً: المقعد الشيعي السادس، حيث بات واضحًا أن النائب جميل السيد خارج المعادلة المقبلة، على أن يحل مكانه اسمٌ شيعي يحظى بقبولٍ من حركة “أمل” قبل “الحزب”، لاعتبارات تتصل بوزن الحركة التمثيلي في الدائرة، والذي يتخطى حجم مقعد واحد، ولضرورات ترتيب البيت الداخلي لـ “الثنائي” في مرحلة مفصلية.

أما المقعدان السنيان، فهما الإشكالية الأكثر حساسية بالنسبة لـ “الحزب”، فبعد تحوّل المزاج السُّني في الدائرة وفي لبنان عمومًا، بات “الحزب” مدركًا أن أي خيار سواء التجديد للنواب الحاليين أو استقدام وجوه جديدة، فهو يحتاج إلى رافعة شيعية كبيرة تعوّض الانكفاء السني. فـ “سرايا المقاومة” انتهى دورها عمليًا في استنهاض الصوت السُّني لصالح “الحزب”، والعلاقة مع “جمعية المشاريع” تراجعت، فيما التحالف مع قوى سنية محلية لم يعد كافيًا ما لم يُرفَق بكتلة تصويتية ضخمة من جمهوره.

على مستوى المقاعد المسيحية، لا يزال “الحزب” متريثًا في إعلان تحالفاته، فالعلاقة مع “التيار الوطني الحر” ليست في أفضل حالاتها، وظهرت واضحة في زيارة جبران باسيل الأخيرة إلى البقاع، حيث غاب أي لقاء مع “الحزب” أو استقبال حزبي، كما لم تشمل الزيارة أي بلدية محسوبة على “الحزب” في المناطق التي تجوّل فيها باسيل. هذه البرودة تفتح الباب أمام كل السيناريوات، من تثبيت التحالف إلى التفلت الكامل.

في المقابل، تبدو “القوات اللبنانية” أكثر وضوحًا في تموضعها. خيارها محسوم لجهة إعادة ترشيح النائب أنطوان حبشي عن المقعد الماروني، مع العمل على خوض معركة سياسية تعبّر عن خطابها الوطني المعارض. وهي تسعى إلى توسيع اللائحة عبر التحالف مع شخصيات شيعية مستقلة وأخرى سنية، بهدف انتزاع مقعدَين وربما أكثر. وعلى خلاف ما يُشاع باستهداف “القوات” لخوض معركة على مقعد شيعي، فإنها لا تضع هذا الهدف في جدول أولوياتها، تاركة الأمر لخيارات المعارضة الشيعية وحجم التصويت.

سنيًا، يستمر المشهد على حاله: تشتت وضياع. لا مرجعيات جامعة، ولا قيادة سياسية قادرة على صياغة مشروع أو نسج تحالفات ثابتة. المبادرات الفردية وحدها تُحرّك الساحة، وقد تنجح في تشكيل نواة تمثيلية إذا لاقت آذاناً صاغية. ويبقى الغموض الأكبر في مصير “تيار المستقبل”، حيث لا قرار حاسم بشأن مشاركته، وسط تجاذب بين من يُشدّد على العودة ومن يرى الاستمرار في التعليق، فيما القرار النهائي محصور بمن عطّل التيار سياسيًا قبل أعوام.

وفي المعلومات، يعمل “حزب الله” على تشكيل لائحة ثالثة هدفها الأساس تشتيت أصوات المعارضة، خصوصًا السنية والشيعية، في ظل تماسك الشارع المسيحي الذي يصب بغالبيته في مصلحة “القوات اللبنانية”. هذه اللائحة ستُستخدم لتقليل فرص الخصم الأكثر قدرة على المنافسة، أي لائحة “القوات” وحلفائها.

على الضفة الشيعية المعارضة، تخيّم حالة ترقب مماثلة. هناك شخصيات ذات وزن شعبي تنتظر بلورة المشهد الوطني وتركيبة اللوائح، على أمل تحقيق خرق فعلي ولو بمقعد واحد، أو على الأقل وضع حجر الأساس لمرحلة جديدة تُظهِر وجود معارضة شيعية متجذرة في الدائرة.

في المحصلة، تبدو بعلبك الهرمل اليوم دائرة مُجمَّدة فوق صفيح ساخن. الجمود لا يعني الركود، بل هدوء ما قبل اشتعال التحالفات، في ساحة يعرف الجميع أن نتائجها تتجاوز مقعدَين هنا أو هناك، إلى إعادة رسم التوازنات في واحدة من أهم الدوائر السياسية في لبنان.

December 9, 2025 06:38 AM