Site icon IMLebanon

مسؤول أميركي ينتقد التردّد في التعامل مع الممتلكات الخاصة

كتبت أمل شموني في “نداء الوطن”:

ينزلق توازن لبنان الهشّ إلى مرحلة جديدة من المواجهة تعكس تزايد نفاد صبر واشنطن إزاء عدم تعامل بيروت الصارم مع أسلحة “حزب الله”، إذ تُشير الاستعدادات الإسرائيلية إلى عملية مكثفة، في وقت تُحاول فيه واشنطن إبطاء وتيرة التصعيد. لكن رغم الوصف المتفائل لخطوة التعديل على لجنة الميكانيزم وإنجازات الجيش في جنوب الليطاني، ترى واشنطن أن “بصيص الأمل” لتجنب صراع كبير متجدد يتلاشى إذا لم يترجم المسؤولون في لبنان وعودهم بنزع السلاح إلى أفعال. فقد جددت تل أبيب عبر واشنطن دعوتها للجيش اللبناني لمداهمة المواقع المدنية في الجنوب، بدعوى أنها تُخفي “أهدافًا عسكرية”. هذا التصعيد سينعكس مزيدًا من الضغط الأميركي والإسرائيلي على لبنان، ويشي بتغيير في قواعد الاشتباك الإسرائيلية، رغم الاعتقاد السائد بأن الجيش اللبناني قد قام بالكثير من العمل في الجنوب.

وترى واشنطن، بحسب مسؤول أميركي سابق، أن إنجازات الجيش في الجنوب كانت ضرورية، ولكنها غير كافية. ولاحظ  المسؤول الأميركي وجود “تردد لبناني غير مفهوم وغير مبرر” لجهة التعامل مع مسألة الممتلكات الخاصة، مشيرًا إلى أن التحليلات العسكرية لصور الضربات الإسرائيلية على الممتلكات الخاصة في الجنوب، لا سيما الانفجارات الثانوية الناتجة عنها، تُشير بوضوح إلى وجود أسلحة مُخزنة في هذه المواقع. ويقول المسؤول، الذي يعرف لبنان جيدًا، إن تردد الحكومة اللبنانية في التحرك لنزع السلاح شمال الليطاني يعكس ضغط الثنائي الشيعي عليها، مشيرًا إلى أن الجيش اللبناني لم يتردد سابقًا في مداهمة الممتلكات الخاصة لأحزاب أخرى.

وانتقد المسؤول الأميركي إعلان الحكومة اللبنانية على لسان كبار المسؤولين بأنها ستقوم بعملية احتواء للسلاح في مناطق شمال الليطاني، وهو ما يُخالف اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في تشرين الثاني 2024. في هذا السياق، يحذر مسؤول عسكري أميركي من أن قواعد اللعبة العسكرية قد تتغير، متوقعًا أن تعمد تل أبيب إلى القيام بضربات استباقية لاستهداف مخابئ الأسلحة جنوب وشمال الليطاني. وتوقع المصدر العسكري رؤية وتيرة عملياتية أعلى من إسرائيل بمباركة أميركية تعكس إحباطًا من تزايد تراجع الزخم اللبناني لإتمام المهمة.

وقد يكون أوضح تعبير عن استياء واشنطن قد تجلى الأسبوع الماضي في تحذيرات النائب جوش غوتهايمر ومجموعة من أعضاء الكونغرس الأميركي من الحزبَين لبيروت. فقد انتقدت رسالة أعضاء الكونغرس استمرار “التقاعس” بشأن نزع سلاح “حزب الله” وفشل بيروت في تنفيذ التزامات اتفاق وقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن الرقم 1701، متهمةً المسؤولين اللبنانيين بالسماح لـ “الحزب” بإعادة تشكيل قواته حتى في مناطق جنوب نهر الليطاني. وتُعتبر هذه الرسالة الصريحة ترجمة لعبارات أكثر تحفظًا يرددها همسًا كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية. فالتعاون الأميركي الإسرائيلي في موضوع نزع سلاح “حزب الله” وتجفيف مصادر تمويله وإضعافه، يعكس تأكيدًا لاستراتيجية الأمن القومي الجديدة التي تنص على تقاسم الأعباء و”السلام من خلال القوة”. وقد شدد مصدر في الخارجية الأميركية على أن واشنطن “لن تقبل بأي ترتيب يسمح لـ “حزب الله” بالاحتفاظ بصواريخه بينما تختبئ الدولة اللبنانية خلف الدعم الدولي وخوذات الأمم المتحدة الزرقاء”.

ولأن الاتفاق الذي أوقف حرب العام الماضي بين إسرائيل و”حزب الله” لم يسفر عن هدوء دائم ولا عن مسار واضح لخفض التصعيد، تصف مصادر في البنتاغون الهدنة بـ “الهشة”، فيما يذهب محللون عسكريون أميركيون إلى القول إن السؤال لم يعد يتعلق بعودة الحرب، بل بما هو المحفز الذي سيدفع الوضع إلى حافة الهاوية. من وجهة نظر واشنطن، لا يزال الجزء المحوري من اتفاق وقف إطلاق النار – أي إعادة لبنان فرض سلطته على الجنوب وكامل البلاد – غير محقق.

محادثات مباشرة وآفاق محدودة

في موازاة الاهتزاز الأمني، كان من الممكن أن يُمثل قرار لبنان وإسرائيل عقد أول “محادثات مباشرة” بينهما على المستوى المدني منذ عقود علامة فارقة، إلا أنه أبرز مدى محدودية الأفق الدبلوماسي. فاجتماع “الميكانيزم” الأخير في الناقورة برئاسة الولايات المتحدة، ركز بشكل كثيف على الحوادث الأمنية، والنقاط المحتلة على طول الحدود، وإطلاق سراح السجناء، مع إصرار بيروت على أن التطبيع غير وارد. وأشار مصدر في الخارجية الأميركية إلى أنه على الرغم من أن هذه المحادثات قناة ضرورية، إلا أنه تبيّن أنها “إجرائية، ولن تحمل تغييرا جوهريًا”. كما شدد المصدر على أنه لا يمكن أن تكون بديلًا عن القرار اللبناني في مواجهة الوضع المسلح لـ “حزب الله” وإنهائه. ويصف المصدر العملية الحالية بأنها “دبلوماسية غب الطلب التي تتمحور فقط حول فض النزاع دون معالجة سياسية للمشكلة”، محذرًا من أنه “لا يمكن تحصين الحدود إذا احتفظ أحد الجانبين بترسانة عسكرية خارج سلطة الدولة”.

ومن المفارقات، أن الضغط الأميركي يتزامن مع لحظة نادرة من التوافق الشعبي اللبناني على القضية الجوهرية “من يجب أن يحمل السلاح”. فقد أظهر استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة غالوب أن حوالى أربعة من كل خمسة لبنانيين يعتقدون أن الجيش وحده هو الذي يجب أن يحتفظ بالسلاح، مع دعم ساحق من المسيحيين والسنة والدروز، وأقلية كبيرة من الشيعة تؤيد الموقف نفسه. ويعكس الاستطلاع استمرار تزايد الثقة بالجيش بشكل استثنائي لدى جميع الطوائف، بما في ذلك بين المجيبين الشيعة، ما يؤكد دور المؤسسة كواحدة من الركائز اللبنانية القليلة المتبقية. ومع ذلك، لم يُترجم هذا المزاج العام إلى سياسة حاسمة. من هنا ينتقد مصدر قريب من البيت الأبيض بأن المسؤولين اللبنانيين لم يستفيدوا من اللحظة ويعمدوا إلى تنفيذ قرار نزع السلاح بأي طريقة مجدية.

حسابات واشنطن المتغيرة

في المقابل، تُصوّر استراتيجية الأمن القومي الجديدة الشرق الأوسط كمنطقة يجب على الولايات المتحدة تجنب الاشتباكات المفتوحة فيها، والتركيز على تقاسم الأعباء، والنفوذ الاقتصادي، والدبلوماسية الموجهة. في هذا الإطار، لم يعد يُنظر إلى لبنان كمسرح رئيسي، بل كاختبار لمدى تحمل الجهات الفاعلة المحلية التكلفة السياسية لفرض التزامات وقف إطلاق النار مقابل استمرار الدعم الأميركي. ويجادل البعض داخل الإدارة الأميركية بأن لبنان قد استهلك بالفعل حصة غير متناسبة من النطاق الدبلوماسي مقارنةً بوزنه الاستراتيجي. ووفقًا لمسؤول أميركي سابق “هناك رأي متزايد مفاده بأنه إذا لم يواجه القادة اللبنانيون “حزب الله” عندما يكون الحزب ضعيفًا والرأي العام مؤيدًا، يجب على واشنطن التوقف عن التظاهر بأنها تريد الاستقرار أكثر مما يريدونه”. في المقابل، اعتبر مصدر دبلوماسي في الخارجية الأميركية أن واشنطن لن تتسامح مع العودة إلى الوضع الراهن قبل الحرب، مسلطًا الضوء على تضييق النافذة التي تُمكّن الدبلوماسية من ترجمة وقف إطلاق النار إلى هيكلية أمنية جديدة. لذا، فمن المتوقع أن تشعر إسرائيل بأنها مُضطرةٌ إلى التحرك بشكلٍ أحادي لإضعاف “حزب الله” في أي بقعة من لبنان. ورغم أن واشنطن لا تزال تتمسك بالمساعدة الأمنية للجيش اللبناني، ودعم لبنان في المؤسسات المالية الدولية، والغطاء الدبلوماسي في محافل الأمم المتحدة، غير أنه في الوقت الحالي، ألمحت رسالة غوتهايمر إلى إمكانية تقليص بعض هذه المساعدات إذا استمرت بيروت في “السماح لمنظمة إرهابية بإملاء مستقبلها”، ويقول مساعدون في الكونغرس إن رغبة الحزبين تتزايد في ربط المساعدات بخطوات ملموسة لبسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها.

ويكمن جوهر الخلاف الأميركي اللبناني في التوقيت. فواشنطن الآن تتعامل مع نزع السلاح كالتزام زمني مدرج في حزمة وقف إطلاق النار وقرارات الأمم المتحدة طويلة الأمد، بينما لا يزال جزء كبير من الطبقة السياسية اللبنانية يعتبره نقاشًا مفتوحًا حول “استراتيجية دفاع وطني”. ويجادل خبراء أميركيون بأن خسائر “حزب الله” في ساحة المعركة خلال العام الماضي والانفتاح الدبلوماسي الحالي داخل “الميكانيزم” قد خلقا فرصة نادرة للقضاء على البنية التحتية العسكرية لـ “الحزب”، وهي فرصة يقولون إنها تتضاءل بسرعة إذ لا يزال “حزب الله” مسلحًا ومحصنًا سياسيًا، وقادرًا على استغلال مخاوف اندلاع حرب أهلية لمقاومة نزع السلاح الفعلي. من هنا بالنسبة لواشنطن، فإن الافتراض العملي هو الاتجاه إلى مزيد من المواجهة، بحسب مصدر دبلوماسي أميركي، مضيفًا أن لبنان يواجه الآن “فرصة أخيرة مثالية للتصرف كدولة أو المخاطرة بمشاهدة آخرين يعيدون رسم حدوده نيابةً عنه”

ورغم أن إدارة ترامب تنشغل بأولويات أخرى وخلاف متفاقم مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مناوراته السياسية – العسكرية، إلا أن البيت الأبيض يعرف أن إسرائيل تريد تهيئة الرأي العام المحلي. فالقول إن إسرائيل “تقترب من الخطوط الحمراء” يُبرز تحوّل النقاش من مسألة التصعيد الحتمي إلى مسألة متى وبأي مفهوم عملياتي. في المقابل، تبدو الدولة اللبنانية مُحاصرة من جميع الجهات. أضف إلى ذلك معضلة باتت مألوفة، وهي تحويل القرارات الحكومية إلى مسارات للحوار حول رمزية سياسية لا تُقيّد “حزب الله” على الأرض، بينما تسمح له في لوم الحكومة في حال صعّدت إسرائيل أعمالها. وينصح دبلوماسي أميركي المسؤولين اللبنانيين بعدم تجميد عملهم عند أول اعتراض داخلي لأن ذلك يعكس للداخل والخارج إصابتهم بنوع من متلازمة ستوكهولم.