كتب نزار عبد القادر في “اللواء”:
كتبت الأسبوع الماضي افتتاحية في “اللواء” بعنوان “واشنطن سئمت التسويق والمماطلة اللبنانية” في موضوع حصرية السلاح، وعبّرت واشنطن عن استيائها من خلال التصريحات والمواقف التي اتخذها طوم براك ومورغان اورتاغوس في عدة مناسبات، والتي لم تنعكس بصورة ايجابية وفعّالة على تعامل الدولة والجيش مع عملية نزع سلاح حزب الله. وذهبت الادارة الاميركية الى أبعد من ذلك في التعبير عن عدم رضاها على سلوكية الدولية في التعامل مع سلاح حزب الله، بأن اعتمدت موقفاً ادّى الى الغاء زيارة لقائد الجيش الى واشنطن.
صعّدت اسرائيل خلال الفترة التي سبقت زيارة البابا لاوون الرابع عشر الى لبنان ما بين الثلاثين من تشرين الثاني والثاني من كانون اول، مواقفها وعملياتها داخل الاراضي اللبنانية، وبما يوحي ويرجح قيام الجيش الاسرائيلي بعملية واسعة داخل لبنان في المستقبل القريب.
دفعت هواجس تجدد الحرب الاسرائيلية الرئيس جوزاف عون للتشاور مع رئيس المجلس النيابي والحكومة حول تكليف السفير السابق سيمون كرم لترؤس الوفد اللبناني الى لجنة «الميكانيزم»، وبالتالي رفع مستوى التفاوض مع اسرائيل بإشراك شخصية دبلوماسية. وسارعت اسرائيل الى تلقف الفكرة والترحيب بها، وعينت موظفاً كبيراً من جهاز الامن القومي للانضمام للجنة، وبدء المفاوضات.
من المقرر ان تجتمع اللجنة المذكورة ثانية في الناقورة في التاسع عشر من الشهر الجاري، خصوصاً بعد ان لقيت المبادرة اللبنانية ترحيباً من الادارة الاميركية. جرت ترجمة الترحيب الاميركي بالمبادرة الرئاسية اللبنانية بضغوط مارستها ادارة ترامب على نتنياهو لخفض سياسة التصعيد التي مارسها ضد لبنان وحزب الله. من الطبيعي توقُّع ان يجري في جلسة التاسع عشر من الشهر سبر لنيات الطرفين اللبناني والاسرائيلي، مع بذل الجانب الاميركي اقصى انواع الجهود للدفع باتجاه تفاهمات اسرائيلية – لبنانية تطبق في جنوب الليطاني، تساعد لبنان على انهاء المرحلة الاولى لتطبيق حصرية السلاح جنوبي الليطاني.
لكن، وبناءً على ما صرحت به اورتاغوس بعد جلسة المفاوضات الاولى عن ايجابية الموقف اللبناني، فقد اكدت بأن المطلوب يبقى نزع سلاح حزب الله وليس فقط الامتناع عن استعماله او احتوائه فقط وفق وجهة النظر اللبنانية المصرّح بها. ستبقى المشكلة او العقبة الاساسية لتقدم المفاوضات متركزة على نقطتين:
النقطة الاولى، الاجتهاد الذي قدّمه الرئيس نبيه بري حول دور السفير كرم في مفاوضات الناقورة، حيث ربطه بالمفاوضات العسكرية ضمن «الميكانيزم» مؤكداً على دوره في انشاء اللجنة الخماسية. وأن الضغوط على المفاوضات وعلى السفير كرم للتقيد بهذا المنطق الضيق سيؤدي دون شك الى نسف او تعطيل العملية التفاوضية.
النقطة الثانية، خضوع السلطة اللبنانية لمنطق حزب الله بأن العملية هي محددة بجنوب الليطاني، ولا تشمل شمال الليطاني وبقية المناطق اللبنانية. ان اعتماد او القبول بهذا المنطق من قبل السلطة اللبنانية سيلقى معارضة قاسية من قبل اسرائيل ومن قبل الادارة الاميركية على حد سواء، وهو سيؤدي حتماً الى توقف الحوار او نسفه.
في المقابل فإن جدية الموقف اللبناني في المفاوضات ستؤدي حتماً لمزيد من الدعم الاميركي السياسي والعسكري، وزيادة بالتالي مستوى منسوب دعم الجيش اللبناني، ولا بد في هذا السياق من تحذير السلطات اللبنانية من اعتماد لعبة التسويق والمماطلة لانها قد تؤدي للعودة للتصعيد العسكري، واستيلاد مخاطر كبرى على امن الجنوب وكل لبنان، خصوصاً مع اقتراب موعد انهاء عمل «اليونيفيل» في الجنوب مع نهاية عام 2026.
اظهر الرؤساء الثلاثة خشيتهم من حدوث فراغ في الجنوب مع انسحاب «اليونيفيل» امام وفد مجلس الامن الدولي الذي زارهم. ويدرك الجميع اهمية ايجاد بديل لملء الفراغ الحاصل، وأن الخيار الوحيد لتحقيق ذلك يتمثل بإنشاء قوة عسكرية دولية من خارج سلطة مجلس الامن، ولن يكون من الممكن تشكيل مثل هذه القوة دون موافقة ودعم الولايات المتحدة.
يبدو الآن ان مشاركة السفير كرم في مفاوضات الناقورة ستفتح الطريق لتجديد الدعوة الاميركية لقائد الجيش رودولف هيكل لزيارة واشنطن، وبالتالي لعودة اجواء الثقة الاميركية بالجيش وبقيادته. ويأتي هذا التطور مباشرة بعد تفويض قدّمه الكونغرس لوزارة الحرب يفتح الباب للربط بين زيادة الدعم للجيش اللبناني وبين ضرورة مواجهة التهديدات التي يمثلها سلاح حزب الله، والتنظيمات الارهابية المسلحة الاخرى.
لا بد ان تأخذ السلطات اللبنانية هذه التطورات بعين الاعتبار من اجل اظهار مزيد من المرونة في المفاوضات. وفي ضبط ايقاع الموقف الداخلي الذي يمكن ان يجمدها او يعطلها، سواءٌ من قبل مواقف حزب الله او تحفظات واجتهادات «الاخ الاكبر» والذي يبدو بأنه بات يتأثر بالموافقة الايرانية بعد زيارة مساعده السياسي علي حسن خليل في مهمة استطلاعية لمواقف طهران.
تدعو المصلحة اللبنانية العليا في هذا الوقت بالذات ان يغير الرئيس بري مواقفه ومناوراته التي باتت معروفة من الجميع، وأن يتوجه للطلب بجدية الى حزب الله وطهران للنظر الى المفاوضات الجارية بايجابية، مع التشديد على مطالبة الادارة الاميركية لالزام اسرائيل بالانسحاب من النقاط الخمس التي تحتلها وحل كل المسائل الاخرى العالقة معها.
في النهاية لا يكفي ان تتبرأ ايران لفظاً من التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية، بل عليها الالتزام بسيادة لبنان من خلال اتخاذ خطوات عملية لإقناع قيادة حزب الله للتعاون بمصداقية مع الدولة والانخراط في مشروعها.

