IMLebanon

هل يسلّم “الحزب” سلاحه لتجنب حرب تفرض السلام؟

ما زال “حزب الله” يفكر بعقلية كلاسيكية قديمة، ظنًا منه أن أي خطوة تقدم عليها الدولة اللبنانية يجب أن تقابلها إسرائيل بخطوة مماثلة، بمعنى أن إسناد رئاسة آلية “الميكانيزم” لشخصية سياسية يُعد، برأيه، تنازلًا من الجانب اللبناني، وبالتالي، يجب أن يوازيه تنازل إسرائيلي من قبيل الانسحاب ووقف الاستهدافات وإطلاق الأسرى.

إلا أن هذا المنطق خاطئ، لأن الطرف الذي دعا إلى التفاوض أساسًا هو الرئيس جوزاف عون وليس إسرائيل، فلماذا يُفترض بالأخيرة أن تتنازل طالما أنها استجابت لطلب لبناني جاء عبر وساطة أميركية؟ فهي لم تطلب التفاوض كي تقدِّم التنازلات، بل تجاوبت مع الدعوة انسجامًا مع رغبة واشنطن.

وما زال “حزب الله” يقرأ في القاموس الإسرائيلي القديم، ويتصرّف وكأن الظروف شبيهة بتفاهم نيسان 1996 أو بالقرار 1701 الصادر في آب 2006، فيما إسرائيل اليوم لا تعترف بوجود “الحزب” أصلًا، وترفض التعامل معه، وتتمسك بمطلب رئيسي يكمن في نزع سلاحه، ولا ترى نفسها معنية بأي مطلب آخر قبل التحقق من أن لبنان لم يعد يشكل تهديدًا لأمنها.

فالهدف الأوحد لـ “حزب الله” في هذه المرحلة هو الوصول إلى وقف لإطلاق النار كي يلتقط أنفاسه بسبب الضغط العسكري الذي يتعرّض له، وإسرائيل تدرك ذلك جيدًا، ولن تمنحه فرصة الخروج من عنق الزجاجة.

أما الهدف الأوحد لإسرائيل في لبنان في هذه المرحلة،  فهو إنهاء التهديد العسكري الذي يشكله “الحزب”، ولم تعد مضطرة إلى القبول بتسويات مرحلية تُبقي على قدراته العسكرية، خصوصًا بعد أن باتت تملك تفوقًا عسكريًا واسعًا، وبعدما حسمت قرارها بالتخلُّص نهائيًا من أذرع إيران وصولًا إلى قلب طهران.

كان يأمل “حزب الله” أن ينتزع مقابل التفاوض المباشر ثلاث مسائل حيوية جدًا بالنسبة إليه: وقف الاستهدافات الإسرائيلية، تجميد العملية العسكرية الواسعة وترحيلها حتى إشعار آخر، وإعادة الإعمار رفعًا لضغط بيئته عليه. لكن رئيس الجمهورية يدرك أن تل أبيب ليست في وارد المقايضة، ولا تقديم التنازلات، كونها في موقع المنتصر الذي يريد حسم المعركة مع عدوه.

وقد وجد الرئيس نفسه بين مطرقة الإسرائيلي وسندان الأميركي، فقرّر إبعاد السندان من خلال إغراء واشنطن بمسار تفاوضي يجعلها مشرفة وراعية وشريكة في مواكبته وتطويره، فيما تتولى إسرائيل إنهاء الجناح العسكري لـ “حزب الله”.

فالمسار الدبلوماسي تتولاه واشنطن، والمسار العسكري تقوده تل أبيب. والمساران منفصلان تمامًا، ولا يلتقيان إلا عند النقطة التي تُتوَّج فيها التسوية الدبلوماسية بعد الانتهاء من العمليات العسكرية.

وبما أن كل حسابات “حزب الله” خاطئة منذ انخراطه في “حرب الإسناد”، فقد بنى على وهم المقايضة بين القبول بالتفاوض وتجميد العمليات العسكرية الإسرائيلية، ليجد نفسه أمام واقع جديد يقوم على مواجهة مزدوجة: عسكرية ودبلوماسية. وهو يدرك جيدًا أن المسار الدبلوماسي الذي بدأ برعاية أميركية لن يتوقف عند حدود معينة، لأنه بطبيعته مسار ديناميكي، والولايات المتحدة عازمة على إيصاله إلى خواتيمه.

ولأن “حزب الله” لا يريد الاعتراف بالوقائع حتى لا يضطر إلى التخلي عن مشروعه المسلّح، يواصل المراهنة على الأوهام، فيما يضيق الخناق حوله يومًا بعد يوم. وسيتضاعف هذا الخناق أكثر بعد الحرب الحتمية التي ستشترط إسرائيل لإنهائها توقيع معاهدة سلام معها. فإذا كان “حزب الله” لا يريد الذهاب إلى السلام، فليس أمامه سوى خيار أوحد هو أن يسلم سلاحه الآن ويعلن انتهاء مشروعه، فتقف الأمور عند حدود سقف اتفاقية الهدنة، أما إذا اندلعت الحرب الحتمية، فإن سقف ما سيليها سيكون اتفاقية السلام. فماذا يختار؟