IMLebanon

لجان الأهل: لوائح سلطة ولوائح معارضة

كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:

بين لجان أهل توهب للمقرّبين والمستزلمين وبين وعي مستجدّ أنتجته الظروف الاقتصادية، تشهد المدارس صراعًا مكشوفًا بين “السلطة” و “المعارضة” على حلبة لجان الأهل.

النقطة التي أفاضت الكيل وحرّكت قضية لجان الأهل في المدارس الخاصة، كانت انتخابات ثانوية الراهبات الأنطونيات في غزير وما تخلّلها من إشكالات وفوضى ومحاولات لتفريغها من مضمونها الديمقراطي. ضغوط مورست على الأهل وحتى شكاوى قدّمت إلى مكتب جرائم المعلوماتية ودعاوى قضائية رفعت على بعض المرشحين وفق ما تداوله الأهل. وقد أعلن اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في بيان له عن وجود خروقات خطيرة في انتخابات لجنة الأهل في مدرسة الأنطونيات – غزير، كما اعتبر أن وقف العملية الانتخابية رغم اكتمال النصاب محاولة لفرض تمديد غير قانوني للجنة المنتهية ولايتها. وأعلن أنه سيتابع القضية عبر تحقيق في وزارة التربية، ودعوى قضائية لإبطال العملية.

المدرسة نفت الاتهامات الموجّهة إليها ولبّت دعوة الاتحاد بإعادة تنظيم الانتخابات. واعتمدت معايير جديدة تؤمّن النظام وتتيح للأهل الانتخاب بسهولة وتنظيم. لكن ما جرى، كان أكبر من مشكلة محصورة في مدرسة واحدة وسلّط الضوء على “الصراع” القائم بين الأهل وإدارات المدارس في ظل الأزمات المالية الضاغطة والفوضى المستشرية في الأقساط وصرخات الأساتذة المتتالية. وأعاد التركيز على أهمية دور الرقابة والمساءلة الذي يجب أن تضطلع فيه لجان الأهل.

 

أقساط جنونية وأساتذة يشكون

رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في لبنان السيّدة لمى الطويل تقول في حديث إلى “نداء الوطن” إنها السنة الأولى التي نشهد فيها وعيًا حقيقيًا لدور لجان الأهل. والمواجهات التي حصلت في بعض المدارس مردّها الظلم الذي لحق بالأهالي على مدى سنوات. وحين اكتشف الأهالي أهميّة دورهم، بدأوا يترشحون بحماسة لم تناسب إدارات المدارس التي اعتادت الإتيان بلجان معلّبة تعتمد على المحسوبيات والمقربين، لا تحاسب ولا تقوم بأيّ دور رقابي فاعل، واستعملت أساليب مختلفة لعرقلة عملية الانتخاب وتعجيز الأهالي. وتضيف الطويل أن الوعي الذي ولد عبر الاتحاد ونما وانتشر على مدى سنوات، أثمر اندفاعة غير مسبوقة في المدارس. وتمّت مواجهتها بلوائح السلطة المدعومة من إدارات المدارس. وكان الهدف الحقيقي عدم التدقيق بالموازنة واعتماد الزيادات العشوائية من دون مساءلة. وقد عمدت بعض إدارات المدارس إلى اللعب على المهل القانونية لتعرقل العملية الانتخابية. ووصل الأمر عند بعضها إلى القيام بتجاوزات غير قانونية. لكن، بمتابعة مع مصلحة التعليم في وزارة التربية، حلّت جميع المشاكل وأعيدت الأمور إلى نصابها الصحيح، تؤكّد الطويل.

تحرّك لجان الأهل وحماستها للمشاركة الفعلية ارتكز على ثلاثة أسباب: ارتفاع صاروخيّ غير مبرّر في الأقساط، يرافقه تقنين في الدفع للأساتذة، وارتفاع صرخات هؤلاء مع تراجع المستوى الأكاديميّ في معظم المدارس. إضافة إلى عامل آخر، هو تلكّؤ بعض إدارات المدارس في المساهمة في صندوق التعويضات.

القانون 515 أعطى للجان الأهل دورًا في رصد الموازنة ومراقبة الإنفاق ومتابعة شكاوى الأهل، وتأدية اللجان هذا الدور بفاعلية، تؤكد رئيسة اتحاد لجان الأهل، سيكون له انعكاس قويّ على دراسة موازنات المدارس وتحديد الأقساط، لا سيّما أن الموازنات ستصبح إلكترونية وتستوجب براءة ذمة من صندوق التعويضات… كذلك أعطى القانون للجان الأهل عددًا من الصلاحيات والحقوق، منها المساهمة في إنشاء صناديق دعم للتلاميذ المتعثرين في دفع الأقساط، والتدخل في حال امتناع بعض المدارس عن إعطاء الإفادات للطلاب بسبب عدم دفع كامل القسط، ومراقبة امتثال المدرسة للقوانين والأنظمة، وحق أولياء الأمور في اللجوء للقضاء دون التعرّض لعقوبات.

السيدة ناهدة علوان وهي عضو في لجنة أهل في إحدى المدارس الكبرى تقول إن غياب دور لجان الأهل في عدد كبير من المدارس اللبنانية ليس مسألة عابرة، بل نتيجة تراكم عوامل مترابطة، تبدأ بضعف الوعي بدور هذه اللجان ولا تنتهي عند الضغوط التي تمارسها إدارات المدارس التي ترى في مشاركة الأهالي عبئًا على مسار اتخاذ القرار، إذ تفضل إدارات كثيرة الانفراد بوضع موازناتها السنوية بعيدًا من أعين الأهالي، بما يتيح هامشًا واسعًا في تحديد الأقساط أو تمرير نفقات يصعب التدقيق فيها.

لكن الصورة تؤكّد علوان ليست مالية فقط، إذ تتداخل معها عوامل أخرى أبرزها الافتقاد إلى الخبرة القانونية لدى العديد من أعضاء اللجان، إضافة إلى التدخلات السياسية والطائفية التي تفرغ الانتخابات من مضمونها، وتحوّلها أحيانًا إلى سباق نفوذ لا علاقة له بالشأن التربويّ. أمّا العامل الأخطر فهو تعليب لجان الأهل لتوافق على الموازنة دون مراقبة فعلية وبهذا تتحجّج المدرسة أنها ليست بحاجة إلى خبير محلّف للتدقيق بالموازنة طالما أن لجنة الأهل قد وافقت عليها فتوفر بذلك كلفة الخبير.

لكن كلّ ذلك انتهى اليوم، تؤكد الطويل، والتدقيق المالي بات أمرًا إجباريًا. ولم يعد بإمكان المدارس التحجّج بكلفة الخبير، التي لو قسّمت على التلامذة لصار عبئها محمولًا جدًا. أضافت: “الوعي وحده الكفيل بدفع الأمور إلى الأمام وتشجيع الناس على القيام بدورهم. “النق” وحده لا يكفي بل يجب العمل بجدية لمراقبة المدارس ودراسة ميزانيتها وتأكيد ضرورة وجود لجنة أهل في كل مدرسة”.

حيتان التربية

بين الخضوع للمراقبة والتفرّد بالقرارات، تضمّ هذه المدارس “حيتان” التربية أو مدارس الطوائف والأحزاب من المدارس الكاثوليكية إلى الأرثوذكسية والإنجيلية ومدارس المقاصد والعرفان والمدارس التابعة لـ “حزب اللّه” وحركة “أمل”. وتعتبر هذه المدارس “مسنودة” كلّها إلى جبال ولا تخشى مواجهة لجان الأهل فيها، لا بل معظمها يضع اللجنة المعلّبة التي تخدم مصالحه ومصالح لجان المحسوبين الضيقة. وقد علمنا أن أغلب المخالفات وأكثر الشكاوى ترد من “اتحاد المؤسسات التربوية” الذي يضمّ مدارس الأحزاب والطوائف.

أما المدارس العلمانية الكبرى، فلجان الأهل فيها غالبًا ما لا تكترث بمراقبة الميزانية وتحديد الأقساط. ولكن مؤخرًا تقول رئيسة اتحاد لجان الأهل: “فوجئنا بتحقيق نتائج في مدارس لم نكن نحلم بأن يتحرك الأهالي فيها واستطاعت اللجان المنتخبة من الأهل تحقيق نجاحات فعلية”.

السيدة مهى قاسم مديرة إحدى المدارس العلمانية، تشرح دور لجنة الأهل قائلة إنها “صلة الوصل بين الأهل وإدارة المدرسة تتابع شكاوى الأهل وتحلّ أي نزاع أو خلاف بينهم وبينها أو بين الأهل والمعلمين. ولها الحق ليس فقط في المشاركة بل بالتدخل بالنشاطات التي تساهم في تطوير المدرسة ومستوى الطلاب. ويمكنها مثلًا تحضير ندوات ثقافية وتربوية وترفيهية للتلاميذ وإبداء الرأي بكلّ ما يتعلّق بالمستوى الأكاديمي أو بالصحة النفسية للتلاميذ. وتتدخل مع الإدارة في كلّ ما يختص بخير الطلاب. لكن في الوقت ذاته، لا يحق للجنة الأهل التدخل في شؤون المعلمين ولا بالمناهج والعلامات والأنشطة والرسوم المتوجّبة عنها”.

من جهة أخرى، يتولّى رئيس لجنة الأهل التوقيع على الموازنة التي تقدّمها المدرسة إلى وزارة التربية. وهذه الموازنة تتمّ دراستها مع لجنة الأهل. ويجب أن توافق عليها اللجنة وقد تشمل الزيادات المخصّصة للمعلّمين. وفي حال وجود أي إشكال بين لجنة الأهل وإدارة المدرسة في هذا الشأن، كأن ترفض لجنة الأهل التوقيع على الموازنة، يجب حينها طلب تدخل خبير محلّف لكي يدرس الإشكالات في الموازنة، ويتقصّى وجود تجاوزات فيها لكي يصحح الوضع ويوقع على الموازنة. وفي حال أرادت المدرسة فرض أية زيادة على الأقساط، لا بدّ أن تنال موافقة لجنة الأهل.

وفي حين تلعب لجان الأهل دورها المطلوب بكل شفافية وفاعلية في عدد من المدارس بتشجيع من إدارات المدارس نفسها، تبقى هذه اللجان غائبة في مدارس أخرى وتخضع لنظام الزبائنية المفضوح. ويؤكد أحد مديري المدارس أن أبناء أعضاء لجنة الأهل يعامَلون بطريقة أفضل من التلامذة الباقين ويخضعون لمميزات لا تمنح لسواهم سواء بالعلامات أو بانتخابات الصفوف. الأمر الذي ينفيه عدد كبير من الأساتذة الذين يؤكّدون بدورهم أن إدارة مدارسهم لم توصِ يومًا بتلميذ على حساب آخر. لكن يبقى أن الأساتذة أنفسهم يحسبون ألف حساب لتلميذ ولي أمره في لجنة الأهل…

في القانون

تحدّد القوانين المنظمة للمدارس الخاصة إطار عمل لجان الأهل بوضوح، إذ يُشترط أن تضمّ اللجنة ممثلًا واحدًا على الأقل عن كلّ صف، وألّا يقلّ عدد أعضائها عن خمسة ولا يزيد على سبعة عشر، على أن يكون العدد دائمًا مفردًا. وتلتزم الإدارة المدرسية إدراج موعد انتخاب اللجنة في بيانها السنويّ المتعلّق بالتسجيل والأقساط، كما تشترط أن يكون المرشح عضوًا في لجنة الأهل من أولياء التلامذة الذين يدرسون في المدرسة منذ سنتين دراسيتين متتاليتين على الأقلّ— إلّا في حال كانت المدرسة حديثة الترخيص أو روضة أطفال— وأن يكون ملتزمًا بنظامها الداخلي. وترسل الإدارة دعوة خطيّة إلى جميع أولياء التلامذة قبل أسبوعين من موعد الانتخاب، تحدّد فيها الزمان والمكان والنصاب القانوني والجهة المخوّلة قبول الترشيحات، على أن يقدَّم الترشيح شخصيًا، ويعطى مقدِّمُه إشعارًا خطيًا بقبوله أو برفضه مع التعليل، ويُقفل باب الترشيح قبل أربعة أيام من الاقتراع. وتُعلَن أسماء المرشحين المقبولين قبل ثلاثة أيام على الأقل من موعد الانتخاب، وتُشرف على العملية لجنة ثلاثية برئاسة ممثل عن الإدارة وعضوين من أولياء الأمور، فيما يحضر مندوب وزارة التربية بصفة مراقب. ويمكن أن تُحسم النتائج بالتوافق، إذا جمع المرشحون موافقة 75 % من الأهالي الحاضرين، وإلّا يُلجأ إلى الاقتراع السرّي، ويُعتبر فائزًا من ينال العدد الأكبر من الأصوات، مع اللجوء إلى الأكبر سنًا عند التعادل أو إلى القرعة عند الضرورة. وتُعدّ اللجنة محضرًا رسميًا بنتيجة الانتخاب يُحفظ في ملف المدرسة ويُرفع إلى وزارة التربية للتصديق عند الاقتضاء.