IMLebanon

أخطاء طبية تهدد حياة المرضى

من يراقب ويحاسب مستشفيات النبطية كما الجنوب وكل لبنان؟ سؤال بات يفرض نفسه مع كل جولة “مرض” يواجهها أيّ مواطن اليوم، وهو يتعرّض داخل أروقة تلك المستشفيات إمّا لـ “إجرام في فاتورة الاستشفاء” أو لأخطاء “طبية” تفقده حياته. واقع بات يقلق حياة الناس الذين خرجوا من حرب مدمّرة، لتقابلهم حرب الاستشفاء التي تقتلهم دفعةً واحدة.

لم تعد الطبابة جنوبًا سهلة المنال، بل أصبحت “لمن استطاع إليها سبيلًا”. فدخول الطوارئ ليس كما خروجه، إذ تصل فاتورته إلى 100 دولار وربما أكثر، أمّا دخول العناية الفائقة، ففي قانون بعض المستشفيات، يعني “ودّع أهلك، الموت قادم”. ليس هذا مبالغة، بل واقع يعيشه الناس. محمد فقد والدته بسبب أخطاء طبية في غرفة العناية الفائقة في أحد مستشفيات النبطية، عباس أيضًا فقد والدته في عناية المستشفى نفسه، في حين أنقذ الممرض عبدالله والدته في اللحظة الأخيرة.

يروي عباس ما حصل مع والدته: “أكثر من خطأ تعرّضت له، أوّلًا أصيبت بجرثومة التقطتها من المستشفى وهي داخل العناية، ونُقلت من عناية رقم واحد إلى عناية حجر. بعدها خضعت لعملية في الركبة التي كانت ملتهبة، وفي أقل من 24 ساعة خضعت لعمليتين ولم تنجُ، وأصيبت بالتهابات حادّة. الطبيب الآخر الذي استبدلناه أجرى عملية بتر للقدم، وبعد أقل من 24 ساعة على العملية صادق طبيب العناية على خروجها بزعم أن الجرح يلتئم، غير آبهٍ بمضاعفات ما بعد العملية”.

ويتابع: “عند الثامنة من مساء الجمعة أُخرجت من العناية، وعند الثانية منتصف الليل انخفض ضغطها إلى ما دون الـ 8، فأدخلناها مجددًا إلى العناية. وحين راجعنا الطبيب الذي أجرى العملية، قال إنه لم يعلم بخروجها وإن أطباء العناية أبلغوه أن جرحها يلتئم، ومن ثمّ فارقت الحياة. هذا الخطأ من يتحمّله؟ كيف يعقل لطبيب أن يخرج مريضة بُترت قدمها في اليوم الثاني من العملية؟”.

أخطاء المستشفيات تضاعفت في ظل غياب الرقابة والمحاسبة الفعلية، وكأن المريض تحوّل إلى حقل تجارب في حسابات تلك المستشفيات التي بات همّها “الفاتورة المرتفعة”.

يقول السيد ياسر إن “زوجته مريضة السرطان كانت بحاجة إلى إبرة للعظم لا تُؤخذ إلّا عبر المصل وتحتاج 10 دقائق فقط. المفارقة أن المستشفيات رفضت إدخالها للطوارئ لإعطائها الإبرة، بل اشترطت لدخولها 3 ساعات غرفة خاصة تراوحت كلفتها بين 9 ملايين و13 مليون ليرة، فقط !”.

بحسبه: “قد أكون قادرًا على دفع هذا المبلغ، ولكن الفقير ماذا يفعل في ظل هذا الواقع القاتل للأسعار؟”.

ويردف: “فواتير المستشفيات باتت قاتلة، ويُضاف إليها أسعار الفحوصات الطبية المخيفة. تخيّل: أجريت فحصًا في مختبر خارجي بـ 35 دولارًا، الفحص نفسه أجرَيتُه لزوجتي في أحد مختبرات المستشفيات بلغت تكلفته  75 دولارًا. هذه الفروقات لماذا؟ ومن يراقب الأسعار؟ أم تحوّلت المستشفيات إلى دكاكين طبية ربحية؟”.

في جولات وزير الصحة عادةً ما يثني على أداء المستشفيات، ويحمل حزمة دعم لها لتحصيل مستحقاتها المالية، ولكن غاب عن وزير الصحة  أن الاستشفاء بات للأثرياء أمّا الفقراء فيؤجّلون طبابتهم، لأن زيارة طوارئ المستشفى التي لا تدخل ضمن تغطية الوزارة تُكلّف المواطن ربع راتبه المتدني، فيفضل التداوي بالأعشاب أو دواء مسكّن ريثما يتمكن من العلاج.

حين تسأل عماد عن رأيه بطبابة المستشفيات يقول دون تردّد: “كانوا رح يقتلوا أمي”. كلمته تكشف واقع الطبابة، فمعظم الممرضين غير كفوئين ويعاملون المرضى كأنهم مشاريع موتى تحديدًا في العناية الفائقة.

ويضيف: “ممرض العناية يفتقد للخبرة والمسؤولية، وهذا يبرز في أدائه الذي قد ينهي حياة المريض. إذ كيف يمكن تفسير العقر في يد المريض؟ وهذا غير مسبوق”.

يقول مصدر طبي لـ “نداء الوطن”: “هناك أزمة حقيقية تحديدًا في هذا الجانب، فالكفاءة التمريضية مفقودة، ويضاف إليها فقدان أخلاق المهنة، بحيث يتعامل الممرض مع المريض بكثير من التجاهل، ويبرز ذلك في أدائه المهني، إذ كيف يعقل أن يصاب مريض بعقر في يده مثلًا؟ هذا مردّه إلى غياب النظافة والاعتناء”.

ويتوقف المصدر الطبي عند كثير من النقاط، أبرزها غياب الخبرة والأخلاق المهنية لدى عدد كبير من الممرضين، بعد أن فقد الجسم التمريضي كثيرًا من أصحاب الخبرات بسبب الهجرة بحثًا عن فرص أفضل.

ويتحدث المصدر عن كثير من الحالات التمريضية التي يفترض محاسبتها غير أن غياب المراقبة والمحاسبة سهّل تفاقمها بشكل خطير، إذ يقول: “أحد الممرضين الذي كان يتابع مريضة عناية انخفض مستوى السكر لديها، وبدلًا من إعطائها الدواء، طلب من مرافقها شراء حلوى لها، وهذا مخالف. أضِف أن أحد مرضى العناية أصيب بحالة (طهوجة)، أي اختلال مفاجئ في الوعي، وحين سئل الممرض كان جوابه: معظم مرضى العناية يصابون بهذه الحالة بسبب مكوثهم بمفردهم فترات طويلة”، إلا أن المصدر الطبي يشكّ في إعطاء المرضى أدوية منوّمة تعطي هذه النتائج على المريض.

ويخلص المصدر إلى أن أزمة أقسام العناية بأخطائها يتحمل مسؤوليتها الممرض والطبيب المناوب الذي لا يراقب كافة التفاصيل، وهذا بات ينتج أخطاء خطيرة تنتهي بالوفاة.

لا تنتهي أزمة الطبابة في لبنان، فبين غياب الخبرة والمهنية وأخلاق المهنة، وبين أسعار الطبابة التي ارتفعت بشكل كبير بعد الحرب وباتت خارج قدرة الناس، يبقى السؤال: أين دور وزارة الصحة مما يحصل؟ هل تجري كشفًا دقيقًا للتأكد من جودة الطبابة أم تكتفي بجولات الوزير التي عادة ما تكون تجميلية؟