IMLebanon

صبر كرم التفاوضي مشروط بتجاوب “الحزب”

كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:

سعت الدولة اللبنانية من خلال تعيين السفير سيمون كرم، رئيسًا للوفد اللبناني في “الميكانيزم”، إلى إرساء قواعد اشتباك دبلوماسية تسمح لها بالتقاط أنفاسها، وتجنب تمدّد شبح الحرب، والدفع نحو حلّ سياسي طويل الأمد.

لكن هذه الخطوة، على أهميّتها، تواجه عائقًا داخليًا جوهريًا يتمثل في غياب وحدة القرار اللبناني. فبينما تؤكّد المواقف الرسميّة حصرية السلاح ودور الجيش اللبناني الذي نفذ حوالى 80 % من المهام جنوب الليطاني، تبقى الورقة الأهم، أي تسليم السلاح، في جعبة “حزب اللّه”، الذي يعلن رفضه الصريح لأي نقاش في هذا الشأن. ومع أن الأخير، شن حملة واسعة ضد كرم ومن عيّنه، إلّا أن هذا القرار أسهم في تخفيف بعض الضغوط على “الحزب”، وتجنُب توسيع شهية الحرب موقتًا.

في المقابل، يدخل الجانب الإسرائيلي إلى طاولة التفاوض بتفويض كامل من حكومته، ويستند إلى قرار مركزيّ. كما حدّدت تل أبيب أولويّاتها بوضوح لا لبس فيه: الأمن أولًا المتمثل بنزع سلاح “حزب اللّه”، ثمّ الانتقال في مرحلة لاحقة إلى الملفات الحدودية والسياسية الأخرى. هذا التوجّه يُسقط فرضية أن إدخال عناصر دبلوماسية إلى وفد المفاوضات، سيُغيّر طابع “الميكانيزم”، أو أنه يُمكن للمسار السياسي أن يتقدّم على المسار العسكري. قد تكون المفاوضات التي تُجرى في إطار “الميكانيزم” أرجأت الحرب الإسرائيلية الموسّعة. لكن حالما يرفض لبنان أو يعجز عن تنفيذ ما تعتبره حكومة نتنياهو مطالب أساسية، من المؤكّد أن تل أبيب ستصعّد هجماتها بشكل كبير لاستكمال تغيير المعادلات.

في هذا السياق، لا يبدو أن السفير كرم، المعروف بكفاءته التفاوضية، مستعدّ للاستمرار في مهمته إلى ما لا نهاية، ما لم يُستكمل الموقف اللبناني الرسمي بتعهّد واضح يضع كلّ أوراق التفاوض في يد الدولة، كما هو الحال لدى الطرف الإسرائيلي، الذي يفاوض بتفويض كامل من حكومته، ما يعمّق اختلال التوازن على طاولة الحوار. لذا، يشير عارفوه، إلى أنه لن يسقط في “صبر حزب اللّه الاستراتيجي”، أو الانجرار إلى مسار تفاوضي صُوَري يُستخدم لتقطيع الوقت. فالسفير كرم، بخبرته الطويلة، يدرك أن أي عملية تفاوض جدّية تتطلّب صلاحيات حقيقية، لا غطاءً شكليًا في ظلّ تمسّك الميليشيا بسلاحها.

استطرادًا، تجدر الإشارة إلى أن آخر مرة رفض فيها لبنان اتفاقًا مع الدولة الإسرائيلية (17 أيار 1983)، كانت كلفته باهظة. فقد واصلت إسرائيل احتلالها أجزاء واسعة من الجنوب اللبناني لأكثر من 15 عامًا. وإن كان “حزب اللّه” قد نجح آنذاك في استثمار شعار “المقاومة” لادّعاء تحرير الأرض، فإن الظروف الإقليمية والدولية حينها كانت تصبّ في مصلحته: دعم عربيّ مباشر، ومناخ دولي ضاغط على إسرائيل، وتراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة نتيجة الانشغال ببناء النظام العالمي الجديد عقب انهيار الاتحاد السوفياتي.

أمّا اليوم، فالصورة مختلفة جذريًا. فـ “الحزب” وراعيته إيران يواجهان عزلة دولية، وفقدان مشروعية عربية شعبيّة ورسميّة. كما لم يعد يملك الإمكانات العسكرية أو السياسية لتحرير حتى النقاط الحدودية الخمس. كما أن موجة “الاتفاقات الإبراهيمية” واتجاه المنطقة نحو التهدئة والتطبيع والسلام، يجعلان من “مقاومته” خارج السياق الزمني والجغرافي وموازين القوى.

في الخلاصة، إن سقوط ورقة لبنان التفاوضية من يد السفير سيمون كرم، لن يكون مجرّد نكسة سياسية للدولة، بل يشكّل ضربة قاصمة لذراع إيران في لبنان، ويفتح الباب أمام سيناريوات لم تعد خيالية، كاحتلال مزيد من مناطق الجنوب وتفريغها من سكانها، بما يشبه ما جرى في غزة أو في مدينة القنيطرة السورية بعد حربي 1967 و 1973 حيث أفرغت بالكامل من البشر والحجر. وهو أمر واقع قد يُفرض بالقوة، ويعجز “حزب اللّه” عن مواجهته عسكريًا أو سياسيًا.