جاء في “النهار”:
مع اقتراب انتهاء عام 2025، تكون الحكومة اللبنانية قد أكملت نحو 10 أشهر على نيلها ثقة المجلس النيابي، وبدأ وزراؤها العمل على حزمة واسعة من الملفات التي كانت قد تراكمت خلال سنوات من الشلل السياسي والفراغ المؤسساتي. غير أنّ وزارة العدل برزت كواحدة من أكثر الوزارات تحمّلا للأعباء، نظرا لطبيعة الملفات المتشابكة والحسّاسة الملقاة على عاتقها.
فقد وجد وزير العدل عادل نصّار نفسه أمام استحقاقات معقدة، تبدأ بإنجاز ملف التعيينات القضائية بعد طول انتظار، ولا تنتهي عند محاولة إزالة “الفيتو” السياسي والقضائي عن إخلاء سبيل المتهم في قضية اختطاف الإمام الصدر ورفيقيه في ليبيا هانيبال القذافي، مرورا بالدفع نحو إعادة تفعيل التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت، أحد أكثر الملفات إشكالية في تاريخ القضاء اللبناني، كما سعي الوزارة لإقرار قانون تنظيم القضاء وإصلاحه بما يعزّز استقلالية السلطة القضائية، إضافة إلى محاولة إيجاد حل قانوني لملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، الذين بات وجودهم يشكّل ضغطًا متزايدًا على السجون اللبنانية.
وللمفارقة، فإنّ هذه الملفات القضائية لا يمكن اعتبارها شأنا داخليا صرفًا، بيد أنها أصبحت موضع مراقبة دقيقة من الدول الأجنبية والعربية كونها تعتبر ضمن الأولويات نفسها التي تمنح للإصلاحات الاقتصادية والمالية والسياسية.
يشير وزير العدل عادل نصار في حديثه لـ”النهار”، إلى أن قانون تنظيم القضاء الذي أقر منذ أيام في جلسة عامة لمجلس النواب مهم جدا، مضيفا: “منذ أن توليت مهامي كوزير كان أحد وعودي إقرار هذا القانون والعمل عليه وهذا ما حصل بعد الجهد والتصحيحات التي قامت بها بسرعة فائقة لجنة الإدارة والعدل بعد الملاحظات التي سجلها رئيس الجمهورية والتي أيدتها على مسودته.”
وعن التعديلات التي يحملها القانون والتي ستسير عمل القضاء بصورة أفضل يشرح نصار “أعضاء مجلس القضاء الأعلى الذين كان يعين أغلبيتهم مجلس الوزراء باقتراح من وزير العدل، باتت الغالبية منهم تنتخب من القضاة، ما يقلص من سلطة الحكومة في تشكيل هذا المجلس وما يرسخ استقلالية الجسم القضائي، فضلا عن أن التشكيلات القضائية لم تعد تخضع لموافقة وزير العدل، بل باتت تعتمد التشكيلات التي يضعها مجلس القضاء إذا ما صوت عليها بأكثرية 7 من أعضائه الـ10.”
وإصلاحات هذا القانون لا تقتصر على ذلك، وفق نصار، إذ ينص القانون أيضا على ما يعزز من استقلالية القضاة ومناعتهم عبر منع السلطة التنفيذية أو أي كان من نقل القضاة من مراكزهم لفترة محددة وهذا ما يعزز، فضلا عن توسيع عمل معهد القضاء بحيث لم يعد يتولى مهمة قبول القضاة الجدد وتعليمهم بل باتت مهامه تمتد إلى تأمين تدريبات آكاديمية مستمرة للقضاة بالتوازي مع استحداث مركز للبحوث القضائية في المعهد.
وفي ما يخص التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت وقرب صدور القرار الظني الذي بات يهم كل اللبنانيين وفي مقدمتهم أهالي الضحايا، يجيب نصار “التوقيت القضائي لا يتطابق مع التوقيت الإعلامي أو توقيت الرأي العام، والمحقق العدلي لديه موجب إعداد ملف متكامل يكشف فيه حقيقة ما حصل من ثم ننتقل إلى المحاكمة.”
ويلفت إلى أن “التحقيق جارٍ بديناميكية مختلفة غير مسبوقة، وللمرّة الأولى في تاريخ لبنان نرى أن المحقق العدلي يسافر إلى خارج الأراضي اللبنانية للتحقيق مع أحد المشتبه بهم، ونحن في الوزارة نعطي كل الدعم الممكن ضمن صلاحياتنا للاستحصال على كل المعلومات في هذا الملف.” ويقارن نصار بين ما حصل أخيراً في ملف الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي والتحقيق في ملف المرفأ، حيث حوكم ساركوزي بعد 18 سنة من ارتكاب جرم مشددا على أن “أي قرار ننتظر أن يصدر في قضية المرفأ يبقى مرهونا في تقدير المحقق العدلي وانتهاء تحقيقاته، وهذا ما يجب احترامه، على الرغم من تفهمنا للحالة الإنسانية والعاطفة التي يمر بها اللبنانيين وأهالي الضحايا بعد الفاجعة التي حصلت.”
وعن المعلومات التي انتشرت عن عرقلته أي حلحلة لملف الموقوفين السوريين في لبنان، يكتفي نصار بالقول: “كل ما نشر غير دقيق في هذا السياق، وهو مخالف للواقع، إذ أنني متمسك بسياسة الحكومة القاضية بتأمين كل ما يلزم لتحسين العلاقات مع الطرف السوري ضمن الحفاظ على سيادة البلدين، وبمعالجة هذا الملف ثمة متطلبات قانونية ودستورية لا يمكن القفز فوقها، ولا أظن أن أحدا في البلد يريد ذلك.”

