Site icon IMLebanon

اجتماع باريس حول لبنان: دعم مشروط ورسائل حاسمة

كتب أندريه مهاوج في “نداء الوطن”:

لم يكن اجتماع باريس المخصص لبحث الوضع اللبناني، بحضور قائد الجيش اللبناني رودولف هيكل، محطة إنقاذ شاملة ولا مؤتمرًا لإطلاق وعود مالية كبرى، بقدر ما شكّل لحظة سياسية فاصلة أعادت رسم حدود الدعم الدولي والعربي للبنان، وربطته بشروط واضحة تتصل مباشرة بمسألة السلاح والسيادة ودور الجيش والإصلاحات على تعددها وإعادة إطلاق عمل مؤسسات الدولة، فما بعد اجتماع 18 كانون الأول في باريس ليس كما قبله، والكلام لدبلوماسي عربي يتابع الأوضاع في الإقليم.

تثبيت الجيش مرجعية عسكرية وحيدة

أبرز ما خرج به الاجتماع هو الإجماع على تثبيت الجيش اللبناني كالمؤسسة الشرعية الوحيدة المخوّلة حمل السلاح وبسط الأمن على كامل الأراضي اللبنانية. هذا التثبيت لم يكن رمزيًا، بل جاء مرفقًا برسالة عملية: أي دعم عسكري أو تقني أو لوجستي في المرحلة المقبلة سيُوجَّه حصرًا لتعزيز قدرات الجيش، لا لإقامة معادلة بين نفوذه و قوى مسلّحة أخرى، ولا للإبقاء على واقع “التعايش القسري” بين الدولة واللادولة.

نزع السلاح: من ملف داخلي إلى شرط دولي

في ما يخص سلاح “حزب الله” لم يصدر قرار مباشر أو جدول زمني معلن لنزع السلاح، إلا أن الرسالة الدولية كانت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. فقد جرى التعامل مع هذا السلاح على أنه لم يعد شأنًا لبنانيًا داخليًا خالصًا، بل أصبح عائقًا بنيويًا أمام أي مسار دعم أو إعادة إعمار يمكن لأفراد الأسرة الدولية أن تسهم في تكاليف هذا الإعمار وإعادة بناء البنى التحتية وتحديث مؤسسات الدولة وأجهزتها المدنية.

اللافت أن المقاربة لم ترد بلغة التهديد، بل بلغة الكلفة: استمرار وجود سلاح خارج إطار الدولة على كامل الأراضي اللبنانيىة يعني عمليًا إقفال باب المساعدات الواسعة، وتجفيف مصادر الدعم الاقتصادي تدريجًا. وبذلك، يتحوّل السلاح من “ورقة قوة سياسية” إلى عبء اقتصادي وسيادي يُدفع ثمنه على مستوى الدولة ككل.

لا شيكات مفتوحة

على صعيد المساعدات، أسقط اجتماع باريس رهانات قديمة على “خطة إنقاذ كبرى” أو تدفق مالي غير مشروط. لا خطة مارشال للبنان، ولا أموال تُضخ في مؤسسات مشلولة أو خاضعة لتوازن السلاح. في المقابل، فُتح الباب أمام مساعدات محددة، مشروطة، وقابلة للتجميد في أي لحظة، شرط أن تصب مباشرة في دعم الجيش والمؤسسات التي تثبت قدرتها على العمل ضمن منطق الدولة ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الإعلان عن مؤتمر لدعم الجيش في شهر شباط من السنة المقبلة يندرج في سياق النوايا التي تبقى مرتبطة بتنفيذ خطة واضحة المعالم ومحددة الأهداف وفقًا لجدول زمني يشمل كل مناطق لبنان.

وفي هذا الإطار توجه المجتمعون في باريس بأسئلة محددة حول ما أنجزه الجيش في جنوب الليطاني واستوضح ما الذي يعيق استكمال الخطة مئة بالمئة وليس التوقف عند 80 أو 90 بالمئة كما يتردد باستمرار منذ بدايات إطلاق الخطة

أما الانخراط العربي، ولا سيما الخليجي، فبقي مرتبطًا بإشارات سياسية ملموسة، ولو تدريجية، تؤكد أن الجيش هو المستفيد الأول، وأن مسار حصر السلاح بيد الدولة ليس شعارًا بل هو توجه فعلي.

رسائل مباشرة إلى الداخل اللبناني

حمل اجتماع باريس رسائل سياسية واضحة إلى مختلف الأطراف:

أولًا، إلى الدولة اللبنانية، بأن لا دعم بلا خيار سيادي، ولا إنقاذ لدولة عاجزة عن فرض سلطتها. وثانيًا، إلى الجيش، ومفادها بأن الرهان الدولي قائم، لكنه رهان على الأداء والقدرة، لا على الرمزية وحدها وعلى متابعة الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة حصر السلاح خارج نطاق جنوب الليطاني، أما الرسالة الثالثة لاجتماع باريس فهي موجهة إلى القوى المسلحة، لبنانية وغير لبنانية، خارج الدولة وتقول إن السلاح لم يعد خطًا أحمر دوليًا، بل أصبح فاتورة سياسية واقتصادية وأن كل مماطلة في التخلي عن السلاح بالكامل سينعكس تأخرًا في إيصال المساعدات ويترافق مع انعاكاسات اقتصادية سلبية والرسالة الرابعة والأخيرة موجهة إلى اللبنانيين ومضمونها أي مسار إنقاذ حقيقي يمرّ بثمن سيادي لا يمكن الالتفاف عليه.

نهاية مرحلة الأوهام

بمعزل عن التوقعات، لم يغيّر اجتماع باريس الواقع اللبناني القائم، لكنه أنهى مرحلة الأوهام. فقد ثبّت معادلة واحدة لا بديل عنها في نظر المجتمع الدولي: إعادة بناء الدولة اللبنانية تمر حصرًا عبر الجيش، وأي سلاح خارج إطارها بات عبئًا لا أداة قوة. أما الدعم، الدولي والعربي، فلن يكون بعد اليوم مكافأة على الصمود، بل استثماراً مشروطاً في مسار سيادي واضح المعالم وهذه المعالم يمكن فهمها من قول مصدر إعلامي فرنسي أن لبنان أصبح على مفترق طرق وعلى السلطة السياسية أن تختار الجهة التي تسلكها وتندفع فيها من دون النظر إلى الوراء وأن أسلوب التشاور والتردد والاحتواء والمراعاة التي اعتمدها الحكم اللبناني منذ سنة لم تعد متاحة فإما تأخذ السلطة السياسية خيار فرض هيبتها وإرادتها وتترك للجيش مهمة التنفيذ مع الدخول في مرحلة المبادرة وعدم الاكتفاء بالانتظار وبرد الفعل وعندها سيكون المجتمع الدولي إلى جانبه ويضيف أن باريس تضمن عندها إطلاق قطار الدعم المطلوب للنهوض بمؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وإعادة الإعمار وإطلاق عجلة الاستثمارات والاقتصاد بالشراكة مع الدول العربية وفي طليعتها المملكة العربية السعودية ومع دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وأنها تعمل مع مستثمريين آخرين من القارة الآسيوية، أما في حال اختارت السلطة المسلك الآخر من هذا المفترق أو إذا ما استمرت بنمط التباطؤ والسعي إلى تفاهمات محلية لا يبدو أنها ستتحقق نظرًا لمواقف “حزب الله” وإيران المعلنة من التخلي عن السلاح، فإن لبنان سيجد نفسه من دون غطاء وفي وضع صعب جدًّا.