رأى رئيس الطائفة الإنجيلية في سوريا ولبنان القس جوزف قصّاب أن عيد الميلاد يطلّ هذا العام والناس تبحث عن سلامٍ يريح القلوب المتعبة. وأشار الى أن قصّة الميلاد هي في الوقت نفسه، مرآةٌ لأوجاعنا اليوم، لكنها أيضاً رسالة رجاء تُقال في العتمة قبل النور.
واستشهد بقول للاهوتي الألماني يورغان مولتمان الذي يعتبر أن الميلاد هو بداية ثورة الله الهادئة.
وقال قصاب: “طفل صغير يفتح المستقبل للعالم ليعلن أن القدرة الإلهية ليست في السيطرة بل في المشاركة، في أن الله اختار أن يكون معنا في أضعف لحظاتنا. فالتجسد هو وعد بأن التاريخ يمكن إعادة خلقه من جديد، عندما يدخل الله الألم البشري ليحوّله من الداخل.”
ولفت الى أن “يسوع وُلِد في ضيقٍ يشبه ضيقنا. لم يُستقبَل في القصور، بل في مذودٍ بسيط، ليقول إن الله لا يمرّ من أبواب القوة، بل يسكن في هشاشتنا”، مشيراً الى أن “الليل الذي غطّى بيت لحم هو ذاته الليل الذي على منطقتنا. لكن يوحنا يخبرنا أن النور أضاء في الظلمة، وأن الظلمة لم تُدركه”.
وقال: “لما أنشدت الملائكة “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة”، لم تكن الأرض يومها تنعم بالسلام. ومع ذلك، أُعلن السلام. كأن الرسالة تقول: إن السلام يبدأ قبل أن تتغيّر الظروف، يبدأ حين يولد المسيح في القلب، فيحوّل الخوف إلى ثقة، والعتمة إلى مسيرة نحو النور.
لذلك الميلاد ليس هروباً من واقعنا، بل قدرة على رؤية الواقع بعين الله. هو دعوة لأن نكون شهوداً للرجاء وسط اليأس، وصانعي سلامٍ في زمن النزاع، ويد ممدودة للمحتاجين لا من فائض ما نملك، بل من عمق المشاركة والمحبة”.
وسأل: “ماذا يعني أن يتجسّد الله بيننا؟ يعني أنه لم يترك الإنسان وحده. يعني أن كل دمعةٍ على وجه أم، وكل تعب أب، وكل شاب يحلم بمستقبل أفضل، وكل من يكافح ليبقى… كلهم محلّ محبة الله. التجسّد هو إعلانٌ أن الإنسان أثمن من الظروف المحيطة، وأن الرجاء أقوى من الانهيار.”
ودعا قصاب الى أن نفتح قلوبنا لذلك الطفل الذي لم يأتِ ليغيّر التاريخ بالقوة، بل بالحضور. ولنسمح لسلامه أن يبدأ في بيوتنا، في علاقاتنا، وفي كلماتنا. هكذا فقط يصبح الميلاد عيداً حقيقياً… عيداً ننهض فيه مسنودَين بنورٍ لا يطفئ.

