IMLebanon

مجريات جلسة الإثنين وخفاياها

كتبت ماريان زوين في “نداء الوطن”:

في أسبوع الأعياد، وبين زحمة الأيام الأخيرة قبل إسدال الستارة على عام 2025، بدت الحكومة كأنها تتسابق مع الوقت. سباقٌ مع نهاية السنة، لمحاولة إنجاز أحد أكثر القوانين حساسيةً منذ بدء الانهيار: قانون الفجوة المالية، أو قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع، الذي يفترض أن يضع إطارًا لانتظام مالي طال انتظاره، وسط أسئلة مفتوحة حول المصير الفعلي للودائع.

رئيس الحكومة نواف سلام كان قد تحدّث عن مسوّدة مشروع القانون وإلى جانبه وزير المالية ياسين جابر ووزير الاقتصاد عامر البساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد. ومنذ لحظة الإعلان عنه، اعتبر البعض المشروع “هزيمة لحاكمية مصرف لبنان”، خصوصًا أن مقاربة الحاكم كانت مختلفة عن مقاربة الحكومة، ما جعل الأنظار تتجه نحوه في جلسة الإثنين، انتظارًا لموقفه وتفاصيل مداخلته داخل المجلس. كما ترقبت الأوساط السياسية موقف رئيس الجمهورية جوزاف عون الذي كانت عبّرت مصادره أنه لن يقبل بتمرير أي صيغة تمسّ بحقوق المودعين.

قانون إشكالي… مسؤولون سياسيون بلا مسؤوليات ومحاسبة؟

النقاش حول الفجوة المالية لم ينطلق من الصفر داخل الحكومة. فالقانون منذ طرحه أثار موجة كبيرة من علامات الاستفهام، لكونه يشكّل حجر الزاوية في المنظومة التشريعية المرتبطة بإعادة هيكلة المصارف (المادة 36)، ما يعني أن أي خلل في تقدير الخسائر سينسحب تلقائيًا على عملية الهيكلة.

الانتقاد الجوهري الذي سجّله عدد من الوزراء يتمثل بإعفاء الدولة من مسؤولياتها الكاملة في الخسائر المتراكمة عبر عشرات السنوات: من الاستدانة غير المضبوطة، إلى الدعم الفوضوي الذي هُرّبت عبره المحروقات والدواء إلى سوريا، إلى مليارات الكهرباء، والبواخر، وسلسلة إنفاق عشوائي من دون خطط…

وفي الوقت الذي يعِد المشروع بضمان كامل الودائع حتى سقف مئة ألف دولار عبر المصارف، يُطرح سؤال جوهري: ماذا لو لم تكن المصارف تملك السيولة الكافية؟ من سيردّ أموال المودعين عندها؟ وماذا عن الودائع التي تتخطى هذا الرقم؟ من يضمنها؟

قبل الدخول إلى الجلسة: “أخطر قانون منذ لبنان الكبير” وتحذير من الانهيار

وزير المالية ياسين جابر شدّد قبل الجلسة أمام الصحافيين على ضرورة إقرار القانون سريعًا، محذرًا من استمرار وضع لبنان بما هو عليه قائلًا: “حرام نبقى هيك”. وتطرّق إلى مخاطر انتقال لبنان من التصنيف الرمادي إلى الأسود، معتبرًا أن التأخير في هذا التشريع “لم يعد مقبولًا”.

في المقابل، أشار وزير الاتصالات شارل الحاج إلى أن القانون “أحد أهم وأخطر القوانين منذ تأسيس لبنان الكبير، لكونه سيتمّ التعامل معه لعقود في المستقبل”. وشدّد على الاستعجال في الإقرار لكن من دون تسرّع. أمّا وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد فاعتبرت أن القانون يؤمّن العدالة الاجتماعية، مشيرةً إلى أن مطالبة الدولة بتحمّل خسائرها تعني عمليًا تحميل المواطن ضرائب جديدة.

داخل الجلسة: اعتراض قوّاتي وسلام يعد بالتجاوب

مع بدء مناقشة البنود مادة بمادة، ارتفع منسوب الاعتراض. علمت “نداء الوطن” أن وزير الطاقة المحسوب على “القوات اللبنانية” جو صدّي عبّر عن موقف حاسم لـ “القوات”: “من دون مساءلة ومحاسبة شاملة، تُدرجان في القانون، لن نصوّت على إقراره”. وأوضح وزراء “القوات” أن المسؤولين السياسيين الذين هرّبوا أموالهم إلى الخارج، وكل من أساء الحكم في الحكومتين السابقتين من خلال الدعم غير المدروس، وتكبيد الخزينة مليارات الدولارات على الكهرباء وغيرها، يجب أن يساءل ويُحاسب وهذا أساسي في القانون. وعلى هذا الطّرح ردّ رئيس الحكومة نواف سلام بإيجابيّة بحسب ما علمت “نداء الوطن” قائلًا: “عندما نصل إلى المادة الخاصة بهذا الموضوع نضيف تلك الملاحظات”.

وكان رأى وزراء “القوات” أن غياب الأرقام الدقيقة يجعل المشروع غير قادر على إعادة الودائع فعليًا. ولا يمكن للمودع استرداد أمواله إذا بقيت التزامات الدّولة تجاه مصرف لبنان غامضة وكذلك التزامات البنك المركزي تجاه المصارف وبالتالي المودعين.

كما ركّزت “القوات” على أن تقسيم المئة ألف دولار على أربع سنوات يعني أن المودع سيحصل على نحو ألفي دولار شهريًا، وهو ما لا يشكّل فارقًا حقيقيًا عن الوضع الحالي. أما أصحاب الودائع التي تتجاوز هذا السقف فقد لا يحصلون على شيء ملموس. وتقول مصادر “القوات” لـ “نداء الوطن” عند الحديث عن القانون المذكور: “نشعر أنه يعبّر عن تهرّب الدّولة من مسؤولياتها وهو موجّه لإرضاء حملة اليوروبوندز في الخارج، هم الذين اشتروا أصلًا السندات بأسعار زهيدة خلال الأزمة”.

وبالإضافة إلى وزراء “القوات”، علمت “نداء الوطن” أن أكثر من كانت له مداخلات وملاحظات خلال الجلسة كانوا وزراء العدل عادل نصار والاتصالات شارل الحاج والإعلام بول مرقص. أمّا أكثر من دافع عن هذا القانون فكانوا وزير الاقتصاد عامر البساط ووزير المالية ياسين جابر، وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد الذي كان حاضرًا في الجلسة.

بين سعيد والبساط مقاربة مختلفة

على الرغم من أنه دافع عن القانون، اختلفت مقاربة سعيد عند الحديث خلال الملاحظات العامّة عن “الأصول غير المنتظمة” المرتبطة بالأموال المحوّلة من الليرة إلى الدولار أو عبر بيع وشراء شيكات مصرفية.

البساط شدّد على ضرورة رسملة المصارف أولًا ثم تنظيف الأصول، فيما رأى سعيد أن الأولوية يجب أن تكون لتنقية الأصول قبل تحديد وضع المصارف، وصولًا إلى تحديد من يستحق كامل وديعته ومن لا يستحق.

ولكن لم يحسم القرار في هذا السياق بانتظار مناقشة المادة الخاصة فيه، علمًا أن البحث في القانون يُستكمل ابتداءً من الساعة العاشرة من صباح الثلثاء في السراي الحكومي.

مناقشة 4 مواد وتعديلات مهمّة للمادة 3

عمليًا أنهى الوزراء مناقشة 3 صفحات من أصل 18 في مشروع القانون، وهي عبارة عن أربع مواد، تمّت مناقشتها بعمق وعُدّلت الصياغة فيها لتدعيم بعض العبارات ومنع التأويل فيها وكان أبرز تعديل في المادة الثالثة في نطاق تطبيق القانون الذي شمل الفترة التي تلت 17 تشرين 2019 وليس ما قبلها فقط، إضافة إلى شمول الحسابات بالليرة اللبنانية بعد أن كانت صيغة المشروع القديمة محصورة بالعملات الأجنبية. خطوة اعتبرها الوزراء ضرورية “لحماية صغار المودعين الذين لم ينصحهم أحد سابقًا بتحويل أموالهم إلى الدولار”

تعيينات “إيدال” تمرّ… واعتراض على طريقة الآلية

وخارج النقاش المالي، أقرّ مجلس الوزراء معظم بنود جدول أعماله، وأهمّها تعيين مجلس إدارة “إيدال”، فجاءت التعيينات كالآتي: ماجد منيمنة رئيسًا، وزينة زيدان وعباس رمضان وفادي حلبي وروني سرياني وريم درباس وحسن حلبي أعضاء.

لكن العملية لم تمرّ بصمت. فقد شهدت نقاشًا حول آلية التعيينات، خصوصًا بعدما سأل نصار عن اسم مرشح لمنصب عضو متفرّغ، مستغربًا عدم وصوله حتى إلى مرحلة المقابلة، ووافقه الرأي وزير الصناعة جو عيسى الخوري الذي اعتبر الشخصية المذكورة مميّزة جدًّا بسيرتها المهنيّة وهو أكثر من يلائم الموقع المطلوب، فكان جواب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية فادي مكي، “الـ system بيعمل filtering وبكون ما طلّعلنا اسمه”، كما سأل رئيس الجمهورية عن أحد الأسماء الذي كان تقدّم كذلك، فأجاب مكّي: قابلناه وعند وصوله إلى المرحلة النهائيّة مع زينة زيدان، كانت الأفضليّة لزيدان كونها سيّدة. وهذا النقاش أثار بعض التحفظات على طريقة الآلية.

December 23, 2025 06:46 AM