كتبت أمل شموني في “نداء الوطن”:
لم يُسفر لقاء مارالاغو بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن سياسة جديدة بشأن لبنان، لكنه عزز التوافق الناشئ حول موضوع سلاح “حزب الله”إذ يُنظر الآن إلى نزع سلاح “الحزب” كاختبار حاسم لبيروت، وسبب محتمل لاستخدام القوة الإسرائيلية. فقد أكدت مصادر في الخارجية الأميركية أن لبنان كان حاضرًا على طاولة الغداء بين ترامب ونتنياهو ضمن محادثات كانت أوسع نطاقًا حول غزة وإيران والردع الإقليمي، مما يشير إلى أن مستقبل ترسانة “حزب الله” سيُحسم في الميدان المماثل للذي سيتم فيه نزع سلاح “حماس” ومسار التعامل مع طموحات إيران النووية.
وجاءت لقاءات مارالاغو في آخر أسبوع من العام 2025 في إطار استعراض للدبلوماسية الأوسع نطاقًا، إذ أراد ترامب من خلال اجتماعاته المتتالية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونتنياهو تقديم دليل على تجدد النشاط الأميركي في قضايا الحرب والسلام، بحسب مصدر في البيت الأبيض. وبينما هيمنت غزة وإيران على جدول الأعمال الرسمي للقاء الأميركي الإسرائيلي، برز لبنان، بحسب مصدر في البيت الأبيض، كجبهة تالية في بنية الأمن الإقليمي التي يحاول ترامب ونتنياهو تشكيلها، أو على الأقل تنسيقها، قبل أن ينتقل وقف إطلاق النار في غزة إلى مرحلته التالية.
وعلى الملأ، وصف ترامب الاجتماع بأنه تقارب في وجهات النظر، مؤكدًا أنه لا يوجد “فرق كبير” بين واشنطن وتل أبيب بشأن “المسار الذي يريدان اتباعه”، على الرغم من أنه رفض الكشف عن أي خلافات. فيما أشاد نتنياهو باللقاء ووصفه بجلسة “مثمرة للغاية” وسلط الضوء على شراكة “سمحت لنا بتحقيق إنجازات هائلة”، وهي صيغة تتضمن ضمنيًا الحملة الإسرائيلية المكثفة ضد أهداف “حزب الله” في لبنان خلال العامين الماضيين.
ولفتت مصادر دبلوماسية إلى أنه في ما يتعلق بـ “حزب الله”، كانت لغة ترامب مرنة عمدًا: فقد أكد أنه كان من المفترض أن ينزع “حزب الله” سلاحه بحلول نهاية عام 2025، واكتفى بالقول “سنرى ما سيحدث” عندما سُئل عما إذا كان ينبغي لإسرائيل ضرب “الحزب” بسبب رفضه التخلي عن أسلحته. ووصف الدولة اللبنانية بأنها “في وضع غير موآتٍ بعض الشيء مع “حزب الله” واتهمه بـ “التصرف بشكل سيئ”، لكنه لم يصل إلى حد تأييد التصعيد الفوري.
غير أن مسؤول أميركي سابق وصف موقف ترامب من لبنان بالغامض، وقال إنه يتناقض مع تحذيره الصريح لغزة من “عواقب وخيمة” إذا لم تنزع “حماس” سلاحها “في وقت قصير جدًا”، واستعداده لـ “تدمير” إيران إذا طورت برامجها النووية والصاروخية. ويشير هذا التباين إلى تسلسل هرمي مدروس، إذ يُنظر إلى “حماس” وإيران كخطوط حمراء مباشرة للولايات المتحدة، بينما يُصوّر “حزب الله” كمشكلة ترغب واشنطن في حلها، ولكن يُفضل أن يكون ذلك من خلال مزيج من الضغط الإسرائيلي وتعزيز الدولة اللبنانية، بدلًا من إعطاء الضوء الأخضر لحرب شاملة، يقول المسؤول الأميركي، الذي أردف أن ترامب قد يريد إعطاء بعض المساحة لسفيره إلى لبنان وصديقه ميشال عيسى لنقل وتوضيح المطالب الأميركية قبل إعطاء الضوء الأخضر لتحرك عسكري. في هذا الإطار، لفت أحد الخبراء الأميركيين الضالعين في الملف الأميركي اللبناني إلى أن الضوء الأخضر لنزع سلاح “حزب الله” إذا اعطي سيطول كل لبنان، لأن الإدارة الأميركية تعتبر أن هذا الملف أخذ حيزًا أكبر بكثير من حجمه.
يأتي كل ذلك في الوقت الذي تتوسع فيه المحادثات المدعومة من الولايات المتحدة بين السلطات اللبنانية وإسرائيل، تحت مظلة لجنة “الميكانيزم”، لتشمل، بالإضافة إلى القضايا الحدودية التقنية، الترتيبات الأمنية، وما سيحدث إذا لم يلتزم “حزب الله” بمهلة نزع السلاح جنوب نهر الليطاني بنهاية العام. وقد صرّح وزير الخارجية ماركو روبيو مرارًا وتكرارًا بأن محادثات “الميكانيزم” هي الوسيلة المفضلة لنزع فتيل الأزمة، مؤكدًا أن “الهدف الذي يتشاركه الجميع هو دعم حكومة قوية لبنانية تسيطر على البلاد، وأن يتم نزع سلاح حزب الله”.
ويقول مصدر دبلوماسي إن موقف روبيو يعكس بشكل واضح ما تريده واشنطن، أي حكومة لبنانية قوية قادرة على بسط سيادتها وعلى احتكار السلاح. لكنه يضيف أن ذلك لا يعني أن هذا الدعم مفتوح (blank check). وحذر من أنه إذا استمرت إسرائيل في الشعور بالتهديد، فإن واشنطن “لن تمنع تل أبيب من اتخاذ أي إجراءات للدفاع عن نفسها”. في هذا السياق، تُقرأ صور اجتماع مارالاغو – حيث يمتدح الرئيس الأميركي “الانتصارات العسكرية” لإسرائيل ويصف نتنياهو بأنه “رئيس وزراء في زمن الحرب” – كتذكير بأن الدبلوماسية تجري في ظل استمرار الضربات الإسرائيلية على مواقع “الحزب” داخل لبنان. وهذا ما عزز مجموعة من الرسائل المتداخلة التي تتراكم منذ أسابيع في التصريحات الأميركية والإسرائيلية.
– يُصوّر نزع سلاح “حزب الله” كشرط ومعيار ملموس، وليس مجرد طموح غامض.
– يبقى المسار المفضل هو المفاوضات التي تعزز مؤسسات الدولة في بيروت وتوسع سلطتها شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا.
– إذا لم تُحيّد الدبلوماسية “حزب الله”، فإن استخدام القوة الإسرائيلية يبقى مطروح صراحة، مع إشارة واشنطن إلى تفهمها، وإن لم يكن بعد بمثابة تفويض مطلق.
انطلاقًا مما تقدم، يتمثل دور تل أبيب في مواصلة الضغط لفظيًا وعسكريًا للقول إن “الدبلوماسية وحدها لن تحقق الأمن”، بينما يضع ترامب الولايات المتحدة كضامن لأمن إسرائيل والحكم النهائي على مدى الإجراءات التي يمكن أن تتخذها إسرائيل دون تعريض المصالح الأميركية في المنطقة للخطر. إن لغة ترامب بشأن “حماس” وإيران تمنح نتنياهو غطاءً للقول إن المنطق نفسه يجب أن ينطبق في نهاية المطاف على “حزب الله” إذا رفض تسليم السلاح.
من هنا بالنسبة للبنان، تؤكد المصادر مدى ضيق هامش المناورة المتاح بين الضغوط المتنافسة. ويكمن الخطر في أن يبدأ عام 2026 دون حلّ لهذا المطلب الأساسي في ظل دولة لبنانية لا تزال ضعيفة للغاية لفرض احتكار القوة، و “حزب الله” غير مستعد لنزع سلاحه تحت الضغط، وإسرائيل مقتنعة بضرورة إعادة تأكيد قوتها الرادعة على طول حدودها الشمالية. لم يُجب اجتماع ترامب ونتنياهو عن كيفية كسر هذا الجمود، لكنه أوضح أمرًا واحدًا لا لبس فيه: بالنسبة لواشنطن وتل أبيب، لم يعد الوضع الراهن في لبنان مقبولًا، وقد انتقل نزع سلاح “حزب الله” من هامش أجندتهما إلى صلب حساباتهما الإقليمية.

