Site icon IMLebanon

«أحرار السنّة» في خدمة مبادرة عون

بالمعنى المتَّصل بطبيعةِ النزاع الدائر في المنطقة، لم يكن مفهوماً أو منطقياً ما صدَر عن منظّمةٍ غير موجودة تُدعى «لواء أحرار السنّة»، في بيانٍ، ألواضح منه أنّ هناك رغبة في إيصال رسالة تخويف إلى مسيحيّي لبنان، لتعزيز خوفهم المزمن وقلقهم على المصير، ولربطهم بتحالف إيران الذي يحاول الدفاع عن الأقليّات متستّراً بهم لتنفيذ أجندة توسّع اقليمي، ومحوّلاً إيّاهم ورقةً من باقةِ أوراق يُوظّفها في خدمة هذا المشروع.

مِن المنطقي القول في لواء «أحرار السنّة» الذي نبَت فجأة على ضفاف التفجيرات الانتحارية وتبنّاها، من دون التثبّت من حقيقة وجوده أساساً أو القفز الى ربط هذا الوجود بمخطّطٍ لتهجير المسيحيين من لبنان والمنطقة، أنه يشبه كنسخةٍ مشوّهة فيلم «ابو عدس» الذي تشرح المحكمة الدولية دورَ المسؤولين عن إعداده وتوضيبه للتمويه عن المرتكبين الحقيقيّين لاغتيال الرئيس رفيق الحريري. ومن الطبيعي تذكّر «فتح الاسلام» المنظمة التي صُنّعت في مكتب أصف شوكت، وأُرسلت الى نهر البارد لتقيم إمارة اسلامية وتُفجّر لبنان انطلاقاً من الشمال. وكان غريباً أن تُنفّذ «فتح الاسلام» تفجيراتِ عين علق، وأن يتبنّى «أبو عدس» الإسلامي المخطوف اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعدما أسَّست له إمارة إسلامية وهميّة سمّاها مغتالو الحريري «إمارة النصرة في بلاد الشام» (اختير اسم النصرة منذ العام 2005)، فإنّ ولادة لواء «أحرار السنّة» المنظّمة «الفايسبوكية»، لا يمكن إلّا أن تُدرج في السياق نفسه، لتشابه الادوات والاهداف. فُتَحت يافطة الاصولية السنّية الممسوكة والمفبرَكة، أو الخارجة عن السيطرة، يُنفّذ المحور السوري الايراني أكبر عملية منظمة لشيطنة الاسلام المعتدل، في مواجهة موجة الربيع العربي التي احتفلت إيران بولادتها في تونس وليبيا ومصر، وحوّلتها في سوريا حرباً مذهبية باتت تُستعمل فيها كلّ الأسلحة المحرّمة.

وفي ما يتصل بلبنان، فإنّ استعمالَ «فتح الاسلام» عام 2007، وما سبقه من تفجيراتٍ طاولت المناطق المسيحية فور خروج جيش النظام السوري، هدف الى إجبار المسيحيين على الانكفاء من الشأن الوطني، الى ضرورة حماية الذات، وهذا يترجم اليوم بالمبادرة التي أطلقها العماد ميشال عون والتي يُفهم منها ملاقاة سريعة لنزعاتِ الخصوصيات التي غالباً ما تكون مقدمة لنيل الجماعات استقلالاً ذاتياً وفق قاعدة الصفاء الطائفي والمذهبي.

وليس مستبعداً أن يكون البيان التهديدي للمسيحيّين، تكملةً منطقية لمبادرة عون التي نالت اسناداً من جهة وهمية تقف وراءها جهة مخططة، تماماً كما حصل بعد العام 2005 حين استهدفت المناطق المسيحية، لكي يترحَّم المسيحيون على وصاية النظام السوري، ويتراجعوا عن الدينامية التي كانوا رأس حربة فيها عندما شاركوا في صنع ثورة الارز غداةَ اغتيال الحريري.

«أنتم في خطر وهناك جهة وحيدة قادرة على حمايتكم، وهي تُقاتل «الإرهاب» في سوريا والعراق». تلك هي الرسالة من وراء بيان «أحرار السنّة»، على ما قال مرجع سياسي مطلع. هذا المرجع سبق وتوقع قبل صدور هذا البيان بأيام، تكرار سيناريو التفجيرات في المناطق المسيحية، هذا السيناريو القادر على إحداث حال هلع مسيحية، تُترجَم فوراً على شكل تأييد أيّ مسعى للانفصال سياسياً أو جغرافياً، وبالحدّ الادنى تعطي لمبادرة عون التي تسعى إلى ضرب الطائف، دفعاً يسمح لها باختراق قواعد مسيحيّي «14 آذار».

في مواجهة «فتح الاسلام»، أحبط تيار «المستقبل» ورموز الطائفة السنّية خطة التحالف السوري – الايراني، وضُرب الخط الاحمر الذي رسمه «حزب الله» حول نهر البارد، كل ذلك حصل فيما تحالف «14 آذار» كان في كامل جهوزيته وقدرته على صدّ هذا النوع من العبوات. أما اليوم فإنّ عوامل جديدة قد طرأت ستجعل من هذه المواجهة أصعب، ولكنّ هذه الصعوبة لا تغني عن الاستعداد لما هو آتٍ، في ظلّ استشراس إيران وحلفائها، في مسعى مذهبة المنطقة، وفكفكة الكيانات الوطنية لمصلحة سياسة نفوذ وتوسّع لا تتورّع عن العبث بالبنى القائمة، وتوظيف الأقليات خصوصاً المسيحيّين في خدمة مشروع النفوذ الممتدّ من طهران الى شاطئ المتوسط.