Site icon IMLebanon

الشّغور الرئاسي يعني الفراغ النيابي..

 

اللبنانيون لم يتابعوا الجلسة الأخيرة لانتخاب رئيس البلاد.. وكانوا مكتفين بالمتابعة التلفزيونية ليوم الغضب اللطيف لهيئة التنسيق النقابية.. والذي أدّى في المساء إلى الرواق.. فلا اعتصام ولا غضب مع إعتذار.. وبعث المجلس الكريم برسالته الشهيرة التي يكرّرها عقب كلّ جلسة لمجلس النواب.. أي «الفراغ».. فلم تقرّ السلسلة وتأجّلت إلى جلسة 27 أيار.. أي بعد يومين من إنتهاء ولاية رئيس البلاد في 25 أيار..

كانت الجلسة الأخيرة لانتخاب رئيس للجمهورية بمثابة إنتهاء الفسحة التي أعطيت للشّابات والشباب اللبنانيين للتّعبير عن تأييدهم لهذا المرشح أو ذاك.. حيث ازدهرت البرامج التلفزيونية والإستطلاعات وبرامج متطورة لاحتساب النقاط بالإضافة إلى نتائج الإقتراع في الجلسة الأولى 48.. و16.. و52 ورقة بيضاء.. وكانت بمثابة إنتخاب للنّاخبين في الإستحقاق الرئاسي.. أمّا الجمهور فلقد أدرك في الأيام الأخيرة بأنّ الرئاسة ليست إستحقاقاً شعبياً وأنّ ما شاركوا فيه بالأسابيع الماضية كان ملهاة أُريدَ منها إستشراف طاقاتهم واحتواء رغباتهم بالمشاركة في صياغة مستقبل البلاد.. لأنّ الطبقة السياسية لا تسمح بمثل هذه المزحات الثّقيلة في لبنان كما في كلّ مكان وخصوصاً بعد الرّبيع العربي الذي سيثمر مهما طال الإنتظار..

دخلنا مرحلة التصفيات الحقيقية وغربلة الأسماء التي نالت قدراً كبيراً من تقاطع المصالح والسياسات للاّعبين الكبار والصغار وممثّليهم في لبنان.. وما التّظاهرات المطلبية إلاّ تهويلاً على الناس واستباق غضبهم الوطني العام الذي قد يهدّد الطبقة السياسية برمّتها.. وإستباقه بغضب مطلبي يعيد إنتاج ضرورة الطبقة السياسية الفاشلة والعاجزة عن بلورة إرادة وطنية عابرة للطّوائف والمناطق والعائلات والأشخاص تأخذ بأيدي شباب لبنان نحو الأمل والمستقبل الذي يعبق بتضحيات آبائهم وإخوانهم وبالليالي السوداء التي عاشوها مع الحرب والإحتلال والوصاية والإغتيالات..

لا أعتقد بأنّني أتعرّض لأحدٍ بعينه.. بل ما أقوله هو تعبيرٌ عن معاناة وحزن من الخواء السياسي والأخلاقي الذي وصلت إليه النخبة السياسية في البلاد.. وخير دليل على ذلك هو أنّنا خلال ما يقارب الشهرين من عودة البرلمان إلى العمل والإنتظام والجلسات الأربعة لانتخاب رئيس للبلاد.. كانت حصيلتها الدستورية هو اكتشاف السادة النواب بأنّ كلمة فراغ رئاسي غير صحيحة لأنّ الكلمة الصحيحة حسب الدستور هي الشغور الرئاسي.. وأصبحنا نسمع الجميع يصحّحون لبعضهم أو للإعلاميين ويسعدون بقولهم كلمة شغور.. مبروك للنواب لقد فسّروا الماء بعد الجهد بالماء..

نعرف جميعاً بأنّ الحماسة لدى الشّباب بمتابعة إنتخاب رئيس للبلاد أصبحت في الأيام الأخيرة شبه معدومة.. مع الإشارة إلى التّحرّكات التصعيدية والمطلبية والتي كانت بمعظمها من الفتيات والنساء.. أي ما يقارب 70% مشاركات.. وهذا دليل واضح على الخواء السياسي لأنّ المجتمع الذكوري اللبناني مارس الكذب باسم كلّ القضايا والمقدّسات الوطنية والدينية ولم يبقَ سوى اللبنانيات هنّ من يحتفظن بالنقاء السياسي والصدق في كلّ القضايا التي يحملنها ويؤمنّ بها..

إنّ أبغض الأمور على الطبقة السياسية هي المراجعة أو الذّكريات لأنّها بمثابة مرايا تعيد إليهم ذاكرتهم وكيف خذلوا الناس.. وكيف تهاونوا بحقوق الوطن وتعرّضوا للقمة عيش الفقراء.. ويتّموا الأطفال.. وعبثوا بالإقتصاد والإستثمارات.. وتهاونوا بحقّ الحرية والعدالة اللتين كانتا بالأسبوع الماضي في أسوأ أحوالهما.. وهو أن تكون الحرية والعدالة في مواجهة بعضهما وفي ذلك تعبير إلى مستوى الجهل وإلى الإستهتار والتّسمم المعرفي.. في حين أنّنا كنّا نؤمن بالحرية ونناصر العدالة لأنّهما روح واحدة لحقيقة واحدة هي إحترام الإنسان في وجوده ودينه وفكره وأهله وملكه.. وعندما تصبح العدالة والحرية عدوّان يكون الخاسر الوحيد هو الإنسان.. إنّها حقيقة أكبر من الإصطفافات السياسية والطائفية والوطنية.. وبهما تبدأ المسيرة نحو التّقدّم والإزدهار وهي أن لا تعترض الحرية العدالة.. وأن لا تعترض العدالة الحرية.. وهذا ما كان يجب أن يكون جوهر النقاش.. لو أنّ في هذه البلاد مفكرين وعقلاء وبدون إستثناء..

نحاول معاً أن نلتقط المشاهدات اللبنانية في أيام محدودة والتي تبدو وكأنّها حدثت في أزمنة متعدّدة ومتباعدة ولا شئ يربطنا بها رغم أنها على الأكيد حدثت في الأيام الثلاثة الماضية.. الأربعاء والخميس والجمعة فقط لا غير.. وأنّ كلّ ما ذكرناه ما هو إلاّ جزء بسيط من المشاهد المتناقضة والمضحكة والمبكية في آن.. وهذا يدلّنا على مدى الإنهيار والخواء وفقدان الذاكرة واحتقار الناس وعقولهم.. وبمعنى أوضح إنفصال الطبقة السياسية عن الواقع وإنفصال الواقع عن الطبقة السياسية.. فمثلاً يوم الخميس 15 أيار كان ذكرى نكبة فلسطين.. وكان هذا اليوم مميّزاً في تاريخ بعض التيارات السياسية اللبنانية والإعلامية والثقافية طبعاً.. فجاء يوماً عادياً إلاّ باستثناء بعض المقالات لمفكرين كبار يعرفون التّمييز بين القضايا الكبرى والموضوعات العابرة.. وأيضاً كان بالأمس أي الجمعة 16 أيار كان ذكرى إغتيال المفتي حسن خالد.. وما لهذا الإغتيال من معانٍ في شخصه وتوقيته.. أيضاً كان يوماً عابراً بمعزلٍ عن بعض الدعوات التي قد تحيي العظام وهي رميم..

أمّا الموضوع الأكبر فهو اليوم.. أي السبت ذكرى إتفاق 17 أيار.. وما لهذا التاريخ من تجلّيات وتحوّلات وأثمان وأثمان دفعها لبنان.. كلّ لبنان.. واللبنانيين.. كلّ اللبنانيين.. وإلى حدّ بعيد نستطيع أن نقول بأنّ معظم الواقع السياسي الحالي هو من نتاج ذلك التاريخ الذي تحدّدت فيه الصراعات الإقليمية من لبنان.. وعاد لبنان ليصبح مسرحاً للصراعات الإقليمية والدولية مع إلغاء إتفاق 17 أيار.. وبقاء الإحتلال الإسرائيلي 18 عاماً حتى 25 أيار 2000.. وأيضاً نسي اللبنانيون بانّهم قبل ست سنوات.. أي في 17 أيار 2008 كانوا في الدوحة لإنتاج 17 أيار لبناني.. وعادوا من هناك في الثاني والعشرين وبعدها إنتخبوا فخامة الرئيس سليمان بحضور الأمراء والوزراء الإقليميين والدوليين والأمناء العامين وغيرهم.. وطبعاً لن نستفيض بالذكريات كي لا نكثر من الأعداء في حين أنّنا نبحث عن يدٍ ممدودة بعقل ومحبة لكلّ اللبنانيين ولصوت صادق لا يعتذر من الشعب اللبناني وهذا حقّهم عليه..بل يحاول أن يصدقهم القول مرة واحدة ويثق بهم ويحبّهم ويؤمن بهم وهذا ليس بالشيء الكثير..

حاول صديقي الأستاذ صلاح سلام أن يلزمني بالدعوة إلى العشاء في حال وقوع الشغور وعدم إنتخاب رئيس للبلاد في المهلة الدستورية.. ورغبتي الحقيقية هي بأن أدعوه دائماً إلاّ أنّ قناعتي بما يدور وهو تحليل قائم على المتابعة والمراجعة وعدم إعتبار السوابق معزولة عن ظروفها.. كما أنّ التّصاريح والمواقف لا يجب أن تُفسّر بمعزلٍ عن أسبابها.. وهذا أساسي في التّفسير أي» الأسباب «.. كما أصبح لدينا يقيناً بأنّ المجلس النيابي في حالة عجز تام عن الإنتخاب أو إقرار السلسلة.. وهذا يعني إنهيار النظام البرلماني الذي يعرف أصحابه مدى غلاوته على قلوبهم.. فعدم إنتخاب رئيس للجمهورية يعني ما في مجلس نواب.. وهنا يصبح الحديث : «ياروح ما بعدك روح «.. لأنّ سقوط الشرعية عن المجلس النيابي ستضعهم جميعاً في العراء وبدون إستثناء.. فهل سيضحي المجلس الكريم بنفسه من أجل فلان أو فلان ؟..

  وهذا ما يدفعني إلى المغامرة في الإعتقاد بأنّ أصحاب الدولة والسّعادة يجب أن ينتخبوا في 22 أيار رئيساً جديداً للبلاد.. وأقول للأستاذ صلاح سلام أنّ الشغور الرئاسي يعني الفراغ النيابي..