Site icon IMLebanon

بوتين «الذكي»!

 

 

إذا صحّت الأنباء القائلة إن فلاديمير بوتين قرر سحب قواته من حدود أوكرانيا «ودعا» الانفصاليين (الروس) في شرقها الى تأجيل الاستفتاء المقرر في 11 الجاري، فإن ذلك سيكون أول مؤشر منذ بدء النكبة السورية، الى تراخي «الذكاء الوقّاد» لهذا الرجل.

.. ذلك «الذكاء» الذي تشتمل عليه سياسة الإحياء القومي في كل حين، والذي يغرف تماماً بتاتاً من معين الفاشيين الإيطاليين والنازيين الألمان (والذي غرف منه بكميات وإشكاليات بائسة القوميون في المدار العربي على اختلاف عناوينهم) والذي يعتمد القياسات الذهنية الأولى لبناء خطابه، ويستند الى الغريزة الدموية واللسانية والمكانية لتنمية ذلك البناء، ثم يصطدم في أول المسيرة وختامها بالأقوام والجماعات الأخرى.. ذلك النوع من «الذكاء» لا يمكن إيجاد توصيف له سوى ذلك المشتق من النقيض التام! والذي تفرض أدبيات اللغة عدم الإشارة إليه إلا من بابه العريض..!.

منذ انطلاق الثورة السورية في آذار عام 2011 بدأت مسيرة صعود ذلك المشتاق والتوّاق الى إعادة بعث الروح في جثة الامبراطورية الروسية الآفلة. وجد في دماء الشعب السوري وقوداً لآلته الصدئة. ووقف على النقيض التام من منطق الأمور وطبائعها: بدلاً من أن ينسى الجزء لصالح الكل فعل العكس! خسر 300 مليون عربي وربح طغمة حزبية فئوية لن تقدم له في الأخير إلا الزبد والزوان!

كان طبيعياً (ربما) ذلك الأداء، طالما أنه يتم على حساب الآخرين البعيدين.. وكان طبيعياً في تلك المقاربة استخدام النص القومي في موضع السياسة الخرقاء، وأن تكثر الإشارات الى «جرح كرامة» روسيا في ليبيا ما استدعى الرد في سوريا! كل ذلك كان يمكن أن يُبلع برغم صعوبة هضمه، لكن ما لم يكن طبيعياً هو أن يذهب الخبل القومي الى حدود الامبراطورية المشتهاة، وأن يستورد البطل الإحيائي الى عقر داره، ما قال وادعى أنه يحاربه في الشرق المتوسط وقبله في الشرق الأوروبي: أصولية قتّالة مستنفرة وإن كانت هذه المرة تحت مسمى «القومية الأوكرانية» لا غير!.

لكن، ربما اكتشف بالأمس الضابط الألمعي السابق في الـ«كي. جي. بي» ومشروع الامبراطور اللاحق، أن أكلاف «استرجاع» جزيرة القرم والاشتباك مع أوكرانيا ستكون أكبر على بلاده وطموحاته مما افترض سابقاً: القتال سيكون عنده وعلى حدوده. ومباشرة وليس بالواسطة. ومع «قوم» يعرفونه تماماً وليس مع أجانب.. والتداعيات ستمسّ الأوروبيين كلهم من دون أي هوامش، والنهايات ستكون أكبر من البدايات المتواضعة بما لا يُقاس، وهي التي أخرجت في غضون 48 ساعة فقط أكثر من ستين مليار دولار من موسكو في الأيام الأولى للأزمة.

ربما اكتشف مجدداً، من تجربته الشخصية المديدة في ألمانيا، أنه لولا «الإحياء» القومي النازي لما كان هو ضابط استخبارات في نظام وصائي في برلين الشرقية أو دريسدن!.. ربما تذكر ذلك وانتبه الى مدى العقم والغباء في ذلك «الذكاء الوقاد» الذي لا ينتج في المحصلة إلاّ المحارق العظمى بدلاً من الامبراطوريات العظمى!.

.. وعساه يكون إنتبه!