قبل شهرين تقريباً، طلب رئيس الجمهورية من فريق عمله بدء التحضير لخطاب الوداع الذي سيلقيه في الساعات الأخيرة من نهاية ولايته، في احتفالية كبيرة وموسّعة في قصر بعبدا، وإعداد مقدّمتين له: واحدة يُلقيها إذا كان سيسلِّم رئيساً جديداً للجمهورية انتُخب قبل نهاية الولاية، وثانية إذا كان سيُسلِّم مهمّاته إلى حكومة «المصلحة الوطنية».
حتى الأمس، زادت الشكوك في الحاجة إلى مقدّمتين. فقد بات مرجّحاً، ما لم تحصل أيّ مفاجآت، أنّ سليمان سيسلّم في خطاب الوداع مهمّاته إلى حكومة «المصلحة الوطنية»، وهي حكومة سعى لأن تكون «جامعة وموسّعة» لم تستثنِ أحداً إلّا مَن استثنى نفسه، مطمئناً الى أنّها قادرة على إدراة البلاد لفترة قد تطول أو تقصر حسب الظروف التي ستتحكّم بالإستحقاق بلا أيّ أفُق لملء المركز الشاغر في بعبدا.
وهكذا، بدا واضحاً أنّ سليمان لن يجد في القصر رئيساً ليسلّمه مهمّاته ويقلّده الوشاح الرئاسي الذي يقلّده عادة الرئيس السلف إلى الخلف، فُيكرّر التاريخ نفسه في بداية العهد ونهايته. ويقول العارفون إنّ سليمان استعدَّ جيّداً للمرحلة الجديدة من حياته. فالرجل متشوّق للحياة المدنية، بعدما أمضى العمر في المؤسسة العسكرية، قبل أن يتسلّم قيادتها في 22 كانون الأوّل 1998 ولم يغادر قيادة الجيش إلّا في 25 أيار 2008، فتوجَّه منها الى ساحة النجمة حيث أقسمَ يمين الحفاظ على الدستور وألقى خطاب القسَم وانتقل مباشرةً إلى قصربعبدا.
وفي هذه الأجواء، يستعدّ سليمان لنمط جديد في حياته اليومية. فهو مُصِرّ على العمل يوم 24 أيّار حتى آخر دقيقة، وستبقى مواعيده الرسمية على حالها حتى نهاية الدوام الرسمي قبل الإحتفال الذي سيقام مساءً في المناسبة. ويقول العارفون إنّ التحضيرات تشير الى أنّه لن يكون احتفالاً عاديّاً، وستوجَّه الدعوات الى حشد كبير من الشخصيات، الى جانب وزراء عهدِه في الحكومات الأربع المتتالية التي رئسَها كلّ من فؤاد السنيوة، سعد الحريري، نجيب ميقاتي وتمّام سلام، إضافةً الى رئيس مجلس النواب نبيه برّي والنواب وكِبار القادة السياسيين والحزبيّين وأعضاء السلك الديبلوماسي والقيادات الروحية والعسكرية والحزبية وكبار مسؤولي الدولة اللبنانية وقادة المجتمع المدني والأهلي والهيئات العربية والدولية، الإقتصادية والمالية، والأصدقاء.
ومنذ فترة طويلة، يعمل فريق من المستشارين على وضع العناوين الرئيسة لخطاب الوداع، ليكون شاملاً وموسّعاً لا يستثني أيّ إشارة إلى الظروف التي نقلته من قيادة الجيش الى رئاسة الجمهورية وما شهدته من محطات مهمّة وأساسية شكّلت مفاصل حقيقية تروي مسيرة بناء المؤسسة العسكرية في مواجهة متطلّبات المرحلة والخضّات الإقليمية والدولية التي تلت انتهاء الإحتلال الإسرائيلي عام 2000، إلى حروب الداخل مروراً بأحداث نهر البارد وما خلَّفته حرب تمّوز 2006 وما شهدته الأشهر التي تلتها من ثنائية سياسية بين السرايا والضاحية الجنوبية، ومنها دخول البلاد المرحلة الأكثر حساسية التي تلت انتهاء ولاية سَلفه العماد إميل لحّود، فانتقل عبء المرحلة وحمايتها من أيّ هزّات الى عهدته كقائد للجيش عُدَّ ضامناً للوحدة الوطنية والسلم الأهلي.
وفي خطاب الوداع، إشارةٌ الى محطات أساسية منها ما يتَّصل بما أنجزَته هيئة الحوار، والسياسة الخارجية التي اعتمدت على توفير الحضور اللبناني في مختلف القِمم العربية والأممية والدولية وصولاً إلى الوثائق التي حدَّدت سياسة لبنان الخارجية ومنها «إعلان بعبدا» والجهد الذي بُذل في هيئة الحوار من اجل «الإستراتيجية الدفاعية» لمعالجة سلاح المقاومة.
وفي الإقتصاد، سيتناول الخطاب جَردة اقتصادية بما تحقّق، وخصوصاً ما يتّصل بمجموعة العمل الدولية من أجل لبنان، وما أقِرَّ من قوانين ومراسيم وما هو على الطريق، لئلّا توضع في الأدراج من أجل متابعة العجلة الإقتصادية الى الأمام.
وفي الإدارة، يسلّم سليمان ما أنجز من مظاهر النهضة في المديرية العامة في القصر الجمهوري وأرشيف لمحاضر جلسات مجلس الوزراء والقِمم واللقاءات الكبرى، منسَّقة بشكل لا سابق له في أرشيف ضخم. ويسلّم مديرية جديدة أنشِئت للمرّة الأولى تهتمّ بشؤون الرؤساء السابقين للجمهورية ومشروع توسِعة منشآت القصر الجمهوري ببناء ضخم بوشِر العمل فيه، يجاور مكاتب المديرية بعدما أنجزَ المدخل الرئيسي للقصر.
في اختصار، فقد مهَّد سليمان لمضمون خطاب الوداع ببعضٍ من خطابه في تدشين «مدينة ميشال سليمان الرياضية»، وسيُمِّهد له أيضاً في خطابين يلقيهما في محطّتين خطابيتين قريبتين في منطقة الشوف قبل خطاب بعبدا.