Site icon IMLebanon

عون والكنيسة: الراعي يستنسخ معاناة صفير

بدأ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يواجه في علاقته برئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون ما سبق وحاول البطريرك مار نصرالله بطرس صفير تفاديه ولم ينجح.

التاريخ يُكرِّر نفسه، ولا تجد الكنيسة أمامها إلّا خيارين: مواجهة التعطيل والمعطّلين، أو الصمت الذي يعني القبول بما يفعله الجنرال الذي لا يأبه إلّا للوصول الى بعبدا ولو كلَّف الأمر فراغاً وفوضى ومزيداً من استنزاف المسيحيين. تاريخ هذه العلاقة الذي يُكرّر نفسه، بدأ مع صفير عام 1988، يومها حاولت الكنيسة مواجهة الفراغ ففشلت، واستلم عون الحكومة العسكرية، وتمترس في بعبدا، وأصبح العقبة في وجه الانتخابات الرئاسية، التي أتى بها الطائف بعد حربين دمَّرتا عناصر قوة المسيحيين. قال صفير كلمته وأيَّد الطائف لكنّ الثمن كان باهظاً، فلم يخرج عون من بعبدا إلّا بهزيمة عسكرية كبَّدها للمسيحيين. أما اليوم فإنّ هزيمة سياسية مقبلة تلوح في الأفق لم تملك الكنيسة الى الآن قرار مواجهتها.

منذ توليه سدة البطريركية، حاول الراعي سلوك خط مختلف عن صفير. فتح كل الخطوط على مصراعيها، حتى كادت الممانعة أن تتوِّجَه بطريركها. زار سوريا وجال على المناطق واستقبل بحفاوة، ولكنّ شيئاً مما أراده لم يتغير. عاملت قوى «8 آذار» الكنيسة بشيء من الازدراء. قصائد شعر ومديح بحق الراعي، ومواقف أحرجت البطريرك في أقدس القضايا التي تهمّ المسيحيين. من الخطأ النظر الى هذا الجحود في التعاطي مع الراعي من زاوية الرد على زيارته اسرائيل. فالفراغ الدستوري الذي قرَّرت قوى «8 آذار» السير به، سبق الزيارة، والانقلاب على العهود بعدم التغيّب عن مجلس النواب سبق الزيارة، والتمترس وراء معادلة عون او الفراغ سبق الزيارة. تجد بكركي نفسها بعد تعطيل انتخابات الرئاسة أمام خيارات صعبة. يُندّد البطريرك الراعي في مجالسه بالتعطيل والمعطلين. يستغرب كيف يمكن لمجلس النواب ألّا يتحوَّل هيئة ناخبة كما ينص الدستور، باجتماعات مفتوحة ومتواصلة حتى انتخاب الرئيس. يعطي مثلاً في هذا الموضوع مستعيداً تجربة مجلس المطارنة في انتخاب البطريرك. يقول: يجتمع مجلس الاساقفة لانتخاب البطريرك، ولا يكون هناك اتفاق في البداية على اسم واحد، ولكن يبقى هذا المجلس مجتمعاً حتى انتخاب بطريرك جديد.

يريد الراعي من كلّ الكتل النيابية وتحديداً المسيحية، تأمين النصاب، ويحمّل مسؤولية الفراغ لمَن لم يشارك في جلسات مجلس النواب، لكنّه لم يعلن الى الآن أيّ موقف واضح من المعطلين، ربما خشية تكرار التجربة التي تعرَّض لها صفير، الذي أيَّد الطائف وبارك انتخاب الرئيس رينيه معوض.

يقترب رئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع من البطريركية المارونية أكثر فأكثر بعد فترة طويلة من الجفاء. اللقاء الأخير بين جعجع والراعي شهد اتفاقاً على ضرورة تقصير مهلة الفراغ ودفع كل ثمن لتحقيق ذلك. مبادرة جعجع لا تصبّ إلّا في هذا الاطار، وربما تكون بالتنسيق مع الراعي، الذي ينقل عنه طرح اسماء توافقية ثلاثة، سارع جعجع الى عدم وضع فيتو عليها. جاءت مبادرة جعجع لتسهل على الراعي إعلان موقف جازم من التعطيل الذي يقوم به عون. المبادرة تحمل في مضمونها نية واضحة في التفاوض على إسم توافقي تحت سقف الكنيسة. صحيح أنها خفَّفت من قدرة ترشيح جعجع على أن يكون مادة تفاوضية اساسية عند البحث الجدي بإسم الرئيس، لكنها أعطت الكنيسة ورقة قوية لوضع عون أمام مسؤولياته، مع العلم المسبق بأنّ الجنرال ذاهب الى النهاية في ترشيحه ولو كلف الأمر فراغاً مديداً. يبدو الراعي في علاقته بعون، مقبلاً على شرب الكأس المرة التي شربها صفير. مَن يسترجع مرحلة 1988، يتأكد بما لا يقبل الشك أنّ مسلسل عون والرئاسة، الذي يعرض بحلقته الأخيرة، لن ينتهي إلّا بدراما مسيحية، تُسقط آخر عناصر القوة، فهل ستسمح الكنيسة بهذا السقوط؟