Site icon IMLebanon

ماذا بعد عودة العسيري؟

 

الحدث السياسيّ الأبرز خلال هذه الأيّام يتمثّل بعودة سفير المملكة العربية السعودية في لبنان على عواض العسيري، بعد غياب عن مقرّ عمله دامَ أشهراً عدّة، وكذلك بعد تحذيرات حكومتِه لرعاياها بتجنّب السفر إلى لبنان.

الاقتصاديّون يرَون في عودة العسيري مؤشّراً إيجابياً لعودة السياحة الخليجية الى لبنان، بعد مقاطعةٍ استمرّت 3 سنوات، وبلغت ذروتها مع بدء التفجيرات الأمنية في مناطق لبنانية عدّة.

والأمنيّون يعتبرون هذه العودة مؤشّراً لاطمئنان الرياض الى سير الخطة الأمنية في لبنان ودعماً واضحاً لها.

أمّا السياسيّون فيعتبرون عودة العسيري دليلاً جديداً على مؤشرات انفراج متدرّج في العلاقات الاقليمية، ولا سيّما منها العلاقات بين الرياض وطهران، وهو انفراج دعا إليه الرئيس الاميركي باراك اوباما خلال زيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية، ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وحسب مصادر مُطلعة، فإنّه شدّد في هذا اللقاء على أنّ الاتفاق الاميركي ـ الإيراني لن يكون على حساب السعودية، ولكنّ واشنطن ترغب أن لا يحصل الاتفاق النهائي بينها وبين طهران فيما العلاقة السعودية ـ الايرانية في حال توتّر شديد.

ويعتبر بعض المراقبين أنّ عودة السفير العسيري إلى بيروت تؤكّد أنّ الانفراجات الإقليمية ستنعكس تدريجاً على الأوضاع اللبنانية، وهو ما كان السفير الايراني في لبنان الدكتور غضنفر ركن ابادي قد أعلنه في وقت سابق، إذ أكّد أنّ العلاقات بين طهران والرياض ستشهد خطوات جادّة على طريق الانفراج. وربّما كانت عودة العسيري الى بيروت هي إحدى هذه الخطوات، تماماً كما كانت دعوة السفير السعودي في طهران للرئيس الايراني السابق الشيخ هاشمي رفسنجاني لزيارة الرياض خطوة في الاتّجاه ذاته.

وفي الاتّجاه نفسه أيضاً يمكن الإشارة الى ما تردَّد من معلومات حول وساطة عمانية سرّية بين السعودية وإيران على غرار وساطة مماثلة قام بها سلطان عُمان قابوس بن سعيد بين واشنطن وطهران.

السياسيّون اللبنانيون كعادتهم منشغلون في تفسير تداعيات عودة السفير العسيري على الاستحقاق الرئاسي بعد ثلاثة اسابيع، فالبعض يعتقد أنّ العسيري لم يكن ليعود لولا أنّ هناك اتفاقاً قد حصل في «مكان ما» حول «رئيس ما» ينعقد التوافق على انتخابه، وأنّ هذا «الاتفاق السرّي» يحتاج الى بعض الوقت لتظهيره لكي لا يشعر أيّ فريق أو مرشّح بالانكسار، فيما لو وقع الاتفاق على غيره.

ويعتقد هؤلاء أنّ الفريقين الأساسيّين في لبنان (8 و14 آذار) يحتاجان لبعض الوقت لإقناع المرشّحين المحسوبين عليهما بأن لا إمكان لنجاح أيّ منهما في مواجهة فيها كثيرٌ من «كسرِ العظم»، خصوصاً أنّ لعبة تعطيل نصاب جلسة الانتخاب هي سلاح يستطيع أيّ من الفريقين استخدامه لمنع انتخاب مرشّح الفريق الآخر.

سياسيّون آخرون يعتقدون أن لا علاقة لعودة العسيري بالاستحقاق الرئاسي، فالموقف السعودي يُطبخ في الرياض التي بات الوصول إليها والعودة منها في يوم واحد أمراً يسيراً، تماماً كما كان الوصول الى دمشق والعودة منها في يوم واحد أمراً بالغ السهولة في مرحلة الوجود السوري في لبنان.

ويعتقد هؤلاء السياسيّون أنّ الرئاسة اللبنانية لا تقع في أولوية سلّم الاهتمامات لدى الأطراف الاقليمية والدولية، فحين تدقّ ساعة الوفاق الاقليمي والدولي تصبح الانتخابات الرئاسية اللبنانية بمثابة «تحصيل حاصل».

بعض السياسيين لفتوا الانتباه مثلاً إلى أنّ الرئيس سعد الحريري قد استقبل الوزير جبران باسيل في باريس وليس في الرياض، على غرار استقبالاته في الآونة الاخيرة، وفسّر هؤلاء جغرافيّة هذا الاستقبال بأنّ طبخة الحوار المباشر بين الرياض ورئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون لم تحِن بعد، بل ما زالت مقتصرة على اللقاء مع السفير السعودي في لبنان، أو في لقاءات مع الحريري في عواصم أوروبّية.

وأيّاً يكنِ الاتّجاه الذي تسير به الرياح فإنّ بعض السياسيين المخضرمين يعتقدون أنّ اللعبة الانتخابية ما زالت في غالبيتها في يد اللبنانيين، لأنّه حتى ولو حصل الاتفاق الاقليمي والدولي على رئيس توافقي خارج عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، فإنّ هذين المرشّحين وحلفاءَهما قادرون على تعطيل هذا الاتفاق. ويُذكّر هؤلاء السياسيّون بما جرى عام 1988 بين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والموفد الاميركي ريتشارد مورفي من اتّفاق على النائب مخايل الضاهر آنذاك، فتناسى الزعماء المسيحيّون كلّ خلافاتهم واجتمعوا في بكركي ليقولوا «لا للضاهر»، بل «يقبلون بالفوضى» إذا كان البديل منها انتخاب الضاهر، حسب القول الشهير لمورفي يومَها: «إمّا مخايل الضاهر إمّا الفوضى». وبالفعل دخل لبنان في فوضى دموية جديدة استمرّت أكثر من عامين قبل التوصّل إلى اتّفاق الطائف عام 1989.

هؤلاء السياسيّون يقولون إنّ الفوضى ليست واردة في لبنان الآن لأسباب عدّة، أبرزُها وجود جيش وقوى أمنية قادرة على لجم أيّ انفلات أمنيّ، وهكذا معادلة باتت معروفة بين اللبنانيين وهي أنّ القادر على الحرب الداخلية لا يريدها، وأنّ مَن يريدها، إذا كان بالفعل موجوداً، فهو غير قادر عليها. وقد يكون الاتفاق على تأجيل الاستحقاق الرئاسي لأسابيع وأشهر عدّة من مصلحة جميع الأطراف، في انتظار تطوّرات حاسمة في المنطقة عموماً، وفي سوريا خصوصاً، وهذا التأجيل كان وارداً في ذهن كلّ مَن سهّل تأليف حكومة الرئيس تمّام سلام حتى لا يحصل فراغ بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 24 من الجاري. ويضيف هؤلاء أنّ الاتفاق الإقليمي حول لبنان ما زال حتى الآن محصوراً بمنع التفجير الأمني، ولم يصل إلى مرحلة التفاهم على رئيس جديد.

فأيّ التحليلات أقرب إلى الواقع؟

هذا ما سيكشفه المقبل من الأيام.