Site icon IMLebanon

برسم القضاء: تزوير حكومي لمصلحة سوكلين وتغطية لخداعها

كلام في السياسة | 

لو قُدِّر للقضاء اللبناني أن ينظر باستقلالية كاملة إلى ملف سوكلين ومستنسخاتها، لوجب على كثيرين أن يكونوا موضع الملاحقة والمحاكمة، وصولاً إلى احتمال كبير في أن يكونوا خلف القضبان. هذا ما تثبته الوثائق الحكومية، إذا كان ثمة في هذه المزرعة من لا يزال يهتم لوثيقة ولحكومة وحكم.

فما بات سائداً بحكم سلطة الأمر الواقع، القول إن مجلس الوزراء هو من اتخذ قراراً في 6 نيسان 2010، قضى بالتمديد لشركة سوكلين وزمرتها، أربع سنوات دفعة واحدة، تنتهي في 17 كانون الثاني 2015. العودة إلى موقع رئاسة مجلس الوزراء على شبكة إنترنت، في زاوية «مقررات المجلس»، لا تظهر أي أثر لهذا القرار الحكومي. لكن صحيفة «المستقبل» الغراء، تنشر على صفحاتها نصاً كاملاً مزعوماً، يدعي أن حكومة سعد الدين الحريري يومها قد اتخذت فعلاً هذا القرار. (انظر رابط «المستقبل»: http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?Type=np&Articleid=402534) غير أن في أرشيف أحد وزراء تلك الحكومة ما يكفي لاتهام كل من له علاقة بهذه المسألة، بارتكاب جرم جزائي هو التزوير واستخدام المزور. إذ يكشف وزير السياحة السابق في حكومة الحريري، فادي عبود، عن مراسلة كان قد وجهها إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، في 2 أب 2012، أي في عهد حكومة نجيب نيقاتي، حول فضيحة التمديد المزعوم لسوكلين وتسمياتها.

تفند المراسلة المذكورة ارتكابات الشركة فنياً وتقنياً وبيئياً ومالياً وقانونياً. قبل أن تصل إلى ما تعتبره «الأخطر». الأخطر كما كتب عبود يومها «أن قرار مجلس الوزراء رقم 34 تاريخ 6 نيسان 2010، قد تضمن وفقاً لمحضر الجلسة الموزع على الوزراء، موافقة المجلس على تمديد العقود الحالية (…) مع مجموعة أفيردا ولاسيكو لمدة 4 سنوات تنتهي في عام 2015، دون أن يكون مجلس الوزراء قد قرر الموافقة على التمديد. وكأن البند الخامس قد أدرج سهواً أو قصداً (لا سمح الله) في هذا المحضر الذي تضمن مقررات مجلس الوزراء». وفي تحدٍّ صارخ، تابع عبود في مراسلته: «مما يوجب معه الرجوع إلى التسجيل الصوتي لهذه الجلسة للتثبت من هذه الواقعة الخطيرة»! ولم تكتف مراسلة عبود الرسمية بإيراد هذه الواقعة الجامدة حول شبهة التزوير الحاصل، بل أرفقتها باستدلال منطقي من مقررات مجلس الوزراء نفسها. ذلك أن القرار «المزور» يتحدث في بنود أخرى عن التفاوض مع الشركة وأشباحها، من أجل خفض أسعارها. علماً بأن تلك الأسعار ظلت مجهولة ومخفية ومن أسرار دولة المافيا وحدها. لكن مجرد أن يكون مجلس الوزراء قد قرر التفاوض مع تلك الشركة لتعديل عرضها، فهذا ينفي منطقياً أن يكون المجلس نفسه قد قرر في الجلسة نفسها، التمديد للشركة ولمدة 4 سنوات. هي فعلياً بحسب القرار المزور 54 شهراً.

المهم أن أي مسؤول في مزرعتنا، لا رئيس الحكومة لحظة التزوير المشتبه فيه، الحريري، ولا رئيس الحكومة عند المراجعة، ميقاتي، ولا طبعاً الحاكم بأمر الحكومة في عهد الرجلين وقبلهما وحتى اليوم، سهيل بوجي، تحرك لكشف اتهام التزوير الذي وجهه إليهم علناً وزير!

لا تنتهي الارتكابات الجزائية الموثقة عند هذا الحد. ففي خريف عام 2013، ووسط فضيحة أخرى من فضائح الشركة الدائمة والمتمادية، قرر أصحابها تبييض بعض وسخ النفايات، عبر حملة إعلانية في وسائل الإعلام، جاء فيها ادعاء تلك التركيبة «بأن أسعار خدماتها هي من أفضل الأسعار في لبنان». أخذ الوزير عبود الإعلان المذكور، وجعله موضوع مراسلة قانونية وجهها بتاريخ 6 تشرين الثاني 2013، إلى المدير العام للاقتصاد. طالباً منه وقف الإعلان المذكور، لكونه «إعلاناً خادعاً». وأورد عبود في مراسلته ــ الدراسة، كل المستندات القانونية والرسمية التي تثبت أن ما تزعمه الشركة المرتكبة حول أسعارها هو غير صحيح، وأن ما تحاول تسويقه في إعلانها هو تضليل موصوف لكل مواطن وللدولة. وهو بالتالي يقع ضمن باب المخالفة الصريحة لقانون حماية المستهلك. وهو القانون الذي تؤتمن وزارة الاقتصاد على تطبيقه. لكن بعد أقل من عشرة أيام، رد سعادة المدير العام للاقتصاد على دراسة الوزير، بكتاب مضاد ومقتضب، خلص فيه إلى اعتبار إعلان شركة سوكلين وأخواتها، لا ينطبق عليه وصف الوزير، «وهو بالتالي غير خاضع لأحكام قانون حماية المستهلك ويخرج عن صلاحية واختصاص المديرية العامة للاقتصاد»!

لم يقبل عبود بتلك المسخرة، فعمد فوراً إلى مراجعة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، طالباً رأيها في كتابه وفي رد المدير العام. فجاء الجواب الواضح من قبل رئيس الهيئة المذكورة، القاضية ماري دنيز المعوشي، في 3 كانون الأول 2013، وفي إطار مطالعة قانونية شاملة ومفصلة، ليجزم بأن إعلان سوكلين وأربابها خاضع لقانون حماية المستهلك. وهو بالتالي يقع ضمن باب الإعلان الخادع… ومع ذلك لم يتغير شيء!

أجمل ما في «المصادفة» بين محاولتي الوزير عبود، أن المدير العام للاقتصاد الذي صد محاولته الإصلاحية، لم يكن غير فؤاد فليفل. أي الرجل الذي خلف سهيل بوجي ــ شكلاً ــ في موقع حامل أختام السرايا وكاتم أسرارها… القضاء وضع يده على الملف؟ فليتفضل وليجلب هؤلاء إلى التحقيق.