Site icon IMLebanon

فرصة تاريخية لبلورة توافقات سياسية.. لا تسويات؟  

 

عشية بدء الجولات الاستشارية الواسعة التي بدأها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع الافرقاء السياسيين والكتل النيابية ورؤساء الاحزاب والقوى والتيارات السياسية في القصر الجمهوري في بعبدا، يوم أمس، توقف الجميع عند البيان الختامي لاجتماع وزراء دفاع «التحالف الاسلامي العسكري لمحاربة الارهاب» الذي عقد في الرياض أول من أمس، وخلا من ذكر ايران و»حزب الله»، خلافاً لما كان متوقعاً.. على الرغم من توتر العلاقات غير المسبوق على هذا النحو، بين السعودية وايران، وبالتالي «حزب الله» الذي وصف على السنة قيادات من المملكة بأنه «حزب الشيطان».

 

قد يكون من السابق لأوانه الاجتهاد في تبرير ذلك، سوى أن وزراء الدفاع والمسؤولين العسكريين الذين يمثلون الدول الأعضاء الـ41، وضعوا أياديهم على مصدر العلة الحقيقية للارهاب المتنقل، والعابر لحدود الدول والقارات، والذي أعطى صورة عن الاسلام، لا تمت الى الاسلام بأي صلة – لا من قريب ولا من بعيد..

الانظار تتجه الى الآتي من الأيام وقد وضع البيان الختامي «خريطة عمل» في الحرب على الارهاب ضمن أربعة مجالات تتوزع بين «الفكر» و»الاعلام» و»التمويل» و»العمل العسكري».. وقد ترك ذلك ارتياحاً في لبنان، الذي لم يحضر وزير دفاعه يعقوب الصراف، الذي أناب عنه مسؤولاً عسكرياً.. خصوصاً وأن لبنان «غارق الى ما فوق أذنيه» بسلسلة سيناريوات لمرحلة ما بعد الاستشارات الرئاسية، على الرغم من الدعم الاوروبي – وتحديداً الفرنسي وعلى رغم ما أصاب مصر يوم الجمعة الماضي، من مجزرة فاقت التصور. وأكدت خطر الارهاب والتطرف، وضرورة «العمل الجماعي المنظم والتخطيط الاستراتيجي الشامل للتعامل مع هذا الخطر، ووضع حد لمن يسعى لتأجيج النزاعات والطائفية (والمذهبية) ونشر الفوضى والفتن والقلاقل..».

ليس من شك في «ان جزءاً كبيراً من الازمة – الازمات اللبنانية هو نتاج صراعات محورية خارجية، دولية كانت أم اقليمية ام عربية، بفعل ارتباط الافرقاء اللبنانيين بهذه المحاور، خصوصاً محوري السعودية وايران.. وقد لا يكون من المغالاة القول، ان رئيس «اللقاء الديموقراطي»، النائب وليد جنبلاط، وضع يده على الجرح، داعياً الى «الكلام المباشر» بين السعودية وايران لترتيب تسوية بعيداً عن التهجمات الشخصية من هنا وهناك، التي لا تجدي نفعاً..» وفتح «حوار عربي – ايراني ومعالجة النقاط الخلافية، لأن الحوار مع ايران يعطينا قوة في لبنان..»؟!

وليس من شك أيضاً في ان الأجواء الايجابية، التي رافقت عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان، وتجاوب مع دعوة الرئيس عون «التريث» في الاستقالة، لم تأتِ من فراغ، ولم تبق من دون تداعيات ايجابية لافتة، و«غير مسبوقة» على هذا القدر من غالبية الافرقاء السياسيين الأساسيين.. وتأسيساً على ذلك، بادر الرؤساء عون وبري والحريري الى سلسلة اتصالات  ومشاورات، معززة بتأييد أوروبي (تحديداً فرنسي) مؤثر وفعال اقليمياً ودولياً، أفضت الى ما حصل يوم أمس الاثنين من لقاءات في القصر الجمهوري في بعبدا.. وقد مهد العديد من الافرقاء لهذه اللقاءات والاستشارات، بسلسلة مواقف متلاحقة، اتسمت بايجابية لافتة، وتفهم لمبدأ «الضرورات تبيح المحظورات..»، وفي طليعتها مبدأ «النأي بالنفس» الذي يتمسك به الرئيس الحريري، «فعلاً لا قولا»، لاسيما وأن الغالبية الساحقة من الافرقاء، باتوا على قناعة بضرورة وأهمية التوافق السياسي، الذي لا بديل عنه في ترسيخ حالة الاستقرار في البلد، واعادة اطلاق الحكومة، بأفضل مما كانت عليه قبل أزمة اعلان استقالة الحريري من خارج لبنان.. والذي وفر مناخات ايجابية، تقطع الطريق على أية محاولات للعب على الكلمات والألفاظ.. داعياً، الى «الحوار لكي نصل الى بر الأمان ونحافظ على سلامة هذا البلد وسلامة اللبنانيين، وعلى علاقاتنا مع كل الدول العربية الشقيقة..» وقد أظهر مساحة من التباين في العديد من المواقف عن عديدين، خصوصاً في مسألة «النأي بالنفس» عن كل ما يحصل حولنا من مشاكل في المنطقة.. التي تطرق اليها من زاوية «مصلحة لبنان.» وحماية أمنه واستقراره واقتصاده وقد أعطى لـ«النأي بالنفس» بعداً لا يقتصر على فريق دون الآخر لافتاً الى «ان النأي بالنفس يجب ان يكون على الجميع وليس على فريق واحد..» الامر الذي لقي ايجابية عند عديدين.

وبالتقاطع مع هذا الموقف جاءت مواقف «حزب الله» الاخيرة، والتي وصفها وزير الداخلية نهاد المشنوق بـ»الواقعية» في الحديث عن ان ملفي سوريا والعراق اقفلا وان الانسحاب آت..» وقد تعزز هذا التوجه باعلان قيادات في الحزب اننا «عدنا الى وضعنا الطبيعي بمعزل عن الاختلافات السياسية..» حيث يقر الجميع بوجود «تباينات في الآراء ووجهات النظر عما يجرى في الاقليم ولكننا نعالج هذه الخلافات في الداخل، ولا نقبل بأن يفرض علينا أحد من الخارج أوامر واملاءات..»؟!

لا تخفي قيادات في «حزب الله» ان جوهر «المشكلة مع السعودية» يتمثل في موضوع اليمن.. والسيد نصر الله كان أكد في طلته الاخيرة «ان الحزب لا يتدخل أبداً في اليمن..» كما وفي الكويت.. ملمحاً الى قرب العودة من العراق ومن سوريا..

لقد حفلت لقاءات الرئيس العماد عون يوم أمس بالكثير من المعطيات التي تؤسس لمناخات ايجابية، والجميع ينتظر «جوجلة» هذه اللقاءات والنقاشات التي دارت «ليبنى على الشيء مقتضاه» في اللقاء الثلاثي المرتقب، بين الرؤساء عون وبري والحريري، قبل توجه رئيس الجمهورية الى ايطاليا.. ولبنان أمام فرصة سياسية لبلورة «صيغة توافق» (لا تسوية) تأخذ في الاعتبار «العناوين الاربعة» التي وضعها الرئيس الحريري في استقالته.. والجميع متفق على ان ما بعد عودة الحريري، لن يكون كما قبلها.. وذلك على الرغم من وجود أفرقاء متضررين من أي تقارب او عودة الى الحياة السياسية الطبيعية، لاسيما وان في قناعة الرئيس بري، ان «حزب الله» أنجز أكثر من ثمانين في المئة من «ورقة التزاماته» في العراق وسوريا، وهو، أي الحزب «اتخذ قراراً لا عودة عنه في تسهيل مهمة الرئيس الحريري ومساعدته وازالة العوائق السياسية من طريقه..