Site icon IMLebanon

عميل فلسطيني «على القطعة»… ومقابل 300 دولار لكل مهمة

تصوير مبانٍ و«مولات» و«إنترفون» السكّان في الضاحية والجنوب!

 

 

مطلع العام الماضي، أوقف فرع المعلومات فلسطينياً في مدينة صيدا يتعامل مع العدو الإسرائيلي، كُلّف بمهمات تصوير لمبان ومجمعات تجارية في الضاحية الجنوبية وصيدا وجزين والنبطية، مع التشديد على تصوير أسماء سكان المباني على لوحات الإنترفون، إضافة إلى طرق تصل بين بعض المواقع ومناطق قريبة منها

 

في كانون الثاني 2022، دهمت دورية من فرع المعلومات منزل الفلسطيني يوسف عبد العزيز (مواليد 1998)، في منطقة سيروب في صيدا، وأوقفته بتهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي. وكان ضباط الفرع رصدوا تواصلاً بين عبد العزيز واستخبارات العدو، وعثروا في حوزته على هاتف «آيفون» فُعّلت عليه خدمة «واتساب» من رقم أجنبي من دون شريحة خط.

 

عمل عبد العزيز سابقاً في شركة لبيع الأدوية لمدة ثلاثة أعوام، ثم في مؤسسة تُعنى بتقديم المساعدات الاجتماعية، قبل أن يصبح عاطلاً من العمل عام 2020. في التحقيق معه، تبيّن أن طريقة تجنيده مشابهة لسبل تجنيد العملاء التي بات يعتمدها الإسرائيليون في الآونة الأخيرة، لجهة سرعة الكشف عن أنفسهم للمجنّد، وتشغيله «على القطعة» بدفع بدل مادي لكل مهمة يُكلّف بها، وذلك لمرحلة تجريبية يجري إثرها تقييم أهمية عمله قبل أن يدخل مرحلة التجنيد الفعلي. فقد أبلغ عبد العزيز المحققين أنه صادف صفحة على موقع «فايسبوك» باسم Ali Najar تطلب موظّفين من منطقة جنوب لبنان، مع رقم أجنبي للتواصل. وبعدما أرسل رسالة عبر «واتساب»، تلقّى رسالة تطلب تفاصيل عن اسمه وعمره وجنسيته ووضعه المعيشي وما إذا كان يملك وسيلة نقل. وأبلغه المرسل على الطرف الآخر أنّ العمل يتعلق بتجارة العقارات والمباني، وأنه سيُكلّفه ببعض المهام لاختباره عبر الطلب منه تصوير مبان ومواقع يزوّده بإحداثياتها.

 

 

بعدما وافق عبد العزيز على العرض، كُلّف بـ«مهمة اختبار» تتعلق بتصوير مجمع le mall التجاري في صيدا من كل الجهات إضافة إلى الشارع الرئيسي أمامه مقابل 50 دولاراً، فأنجز يوسف المهمة وأرسل الصور عبر «واتساب». عندها عرّف صاحب الحساب عن نفسه بأنه «علي نجار، وهو سوري يقيم في أفريقيا». المهمة التالية كانت تصوير مقاطع فيديو وصور لمجمّع Kotob city في صيدا من كل الجهات، وهو ما نفّذه يوسف وتسلّم لقاءه 290 دولاراً. المهمة الثالثة كانت تصوير مبنى زوّده بموقعه في شارع دلّاعة في صيدا، يضم مكتباً لتوزيع خدمة الإنترنت. ورغم أنه لم يجد أثراً للمكتب ولم يلتقط أي صور، أرسل له المشغّل 200 دولار، وطلب منه الاستعداد للتوجه إلى بيروت لتنفيذ مهمات مماثلة، وأنه سيتقاضى مقابل كل مهمة 300 دولار لتغطية كلفة الانتقال.

كانت المهمة الأولى، خارج صيدا، تصوير مبنى زوّد بموقعه في طريق صيدا القديمة من كل الجهات مع مقاطع فيديو، إضافة إلى فرعين مصرفيين قريبين. المهمة التالية كانت تصوير مبنى في الضاحية الجنوبية مع موقف السيارات التابع له والسيارات المركونة فيه ولوحة أسماء السكان على الإنترفون. وكانت المهمة التالية لمبنى آخر في الضاحية مع الطلبات نفسها لجهة السيارات وأسماء السكان.

بعدها طلب المشغّل من عبد العزيز التوجه لأداء مهمة في منطقة بنت جبيل، فأبلغه بأنه يحتاج تصريح لدخول المنطقة كونه فلسطينياً. عندها كلّفه بمهام تصوير في صور وموقع في منطقة كفرجوز في النبطية مع الأراضي المحيطة به (تقاضى على هذه المهمة 500 دولار) وقطعة أرض قرب «عيسى أوتيل» في منطقة جزين ومنزل منفرد قرب الطريق العام في بلدة أنان في قضاء جزين. وقال عبد العزيز أنه كان يتسلّم الأموال بحوالات عبر شركة «ويسترن يونيون»، وأنّ اسم المُرسل كان مكتوباً بلغة أجنبية.

 

في التحقيقات، أفاد عبد العزيز بأن المشغّل كان دائماً يطلب منه عدم لفت الأنظار أثناء التصوير، كما كان يخبره بأن بعض المواقع والمباني «عليها مشاكل» وينبغي أن يكون حذراً، كما كان يستفسر منه عما إذا كانت هناك مواقع عسكرية للجيش أو أمنية لأي من الأحزاب قرب هذه الأماكن.

وعما إذا كانت هذه الطلبات أثارت ريبته، خصوصاً أن لا خبرة له بأمور العقارات أو بالتصوير، أجاب بأنّه كان يُنفّذ ما يُطلب منه لأنه كان يتقاضى «مبالغ مالية معتبرة» في ظل الأزمة الاقتصادية. ورغم إقراره بأن ما كان يتقاضاه لا يتناسب وطبيعة المهام، إلا أنها «كانت فرصة لكسب المال من دون أي مجهود». ومتى أثارت الطلبات شكوكه، قال: «عندما طلب منه علي تصوير السيارات ولوحات الإنترفون أحسست بأنّ الأمر غير طبيعي». ولدى سؤاله عن الجهة التي يمكن أن تسعى إلى جمع معلومات عن أماكن محددة في لبنان، قال: «ليس لديّ جواب». ولدى سؤاله: ألم تشكّ بأنّ علي النجار مرتبط بجهاز استخبارات إسرائيلي، أجاب بأنّ شكوكاً راودته بأن الأخير «ربما كان مرتبطاً بجهة معادية للبنان، لا سيما أنّ المواقع التي كان يطلب تصويرها محسوبة بغالبيتها على فئة معينة»! وعند سؤاله عما إذا كان يعتبر إسرائيل عدواً للبنان، أجاب بالإيجاب، مضيفاً أنه «ضحية شخص لم يوضح له الجهة التي يُمثّلها».

 

سُئل عبد العزيز عما إذا كان يحتفظ بنسخة من الصور التي أرسلها، فقال إنه كان يعمد إلى مسحها لأن ذاكرة هاتفه «ممتلئة». وأشار إلى أن المشغّل طلب منه شراء رقم لبناني لكي يُشغّل عليه «علي نجار» تطبيق واتساب، مدّعياً بأنه لم يفعل.

بعد فحص هاتفه، تبيّن أنّه يحتفظ بمحادثات مع المشغّل، إحداها في 13 تشرين الأول 2020، ويسأل فيها عبد العزيز مشغّله عمّا إذا كان مطلوباً منه القيام بأي مهمات «هذا الأسبوع»، ليجيب الأخير: «مش عارف إذا هالأسبوع أو يلي بعده». في 20 من الشهر نفسه، كرّر السؤال نفسه، فجاءه الجواب: «عندما يكون هناك أي شيء سنكلمك». في محادثة أخرى في ٢٩ تشرين الأول، طلب المشغّل من عبد العزيز أن يحضّر نفسه لمهمة في بلدة كفرجوز. ولما سأل الأخير عن طبيعة المهمة، أجاب بأنها «تصوير»، وحدّد له موقعين، «تجاري» و«مدني»، في كفرجوز. بعدها أرسل المشغّل صورة لمجمع «ذا سبوت» التجاري بحجة «بدنا نستثمر في هذا المكان ونشوف إذا في مناطق تجارية فارغة»، طالباً منه تصوير محلات شاغرة داخل المجمع وخارجه. ثم أرسل له location لموقع قريب، وطلب منه تصوير الطريق التي تصل بين الموقعين.

وقد أصدرت قاضية التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا قراراً ظنّياً اتّهمت فيه عبد العزيز بالعمل لمصلحة العدو الإسرائيلي، وطلبت محاكمته بموجب المادة ٢٧٨ من قانون العقوبات التي تُعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة. غير أنّ المحكمة العسكرية أصدرت حكماً بسجنه سنة ونصف سنة، قبل أن يستفيد من تخفيف الحكم ليُخلى سبيله في ٢٣ شباط الماضي.