Site icon IMLebanon

قبول التعطيل ..لا الحجة!

مع انتهاء ولاية المجلس الدستوري الأساسية، تكون المؤسسات الدستورية الأربع التي أنشأها الدستور قد دخلت «الكوما» ووضعت في غرفة العناية الفائقة.

والملاحظ في هذا الواقع ان الذين عملوا للوصول إليه كانوا يؤكدون، مع كل خطوة على طريق إنجازه، تمسكهم بالدستور ويطالبون الغير باحترام أحكامه والأصول الديموقراطية ومفاهيمها. وهذا ويفرض التساؤل عما إذا كانت الديموقراطية والنصوص الدستورية ومفاهيمها وأحكامها تجيز تعطيل عمل المؤسسات لأي سبب كان!

فخلو سدة رئاسة الجمهورية واستمراره لمدة ما يزيد عن السنة سجلت فيها 24 دعوة لعقد جلسة الانتخاب، جاء بفعل تعطيل النصاب. واللافت أن المعطلين يشترطون لفك إضرابهم عن الحضور انصياع النواب للمرشح الأقوى من الطائفة التي يأتي منها فخامة الرئيس. ويقيسون القوة بعدد نواب الحزب أو الكتلة في المجلس اليوم، ولكنهم في الوقت ذاته يعتبرون ان هذا المجلس قد فقد تمثيله بعد انتهاء ولاية الأربع سنوات ورفضوا التمديد استناداً لفقد شرعيته التمثيلية. وهنا السؤال كيف يمكن المقاربة بين فقدان الشرعية التمثيلية للمجلس اليوم وبين المطالبة بأن يكون مقياس القوة مستنداً على أساس حجم الكتلة أو الحزب؟!

وفي مطلق الأحوال فإن هذا المنحى بمجمله غير ديموقراطي وبعيد عن ممارستها. فالديموقراطية لا تتوافق مطلقاً مع فرض شروط قبل ممارستها. كما أنه غير دستوري لأن الدستور يرفض تقييد حرية النائب بأيّ شرط من قبل منتخبيه، فكيف يمكن أن تفرض على النائب بعد ان يصبح ممثلاً للشعب قيوداً من أي نوع آخر، وتحديداً الانصياع لمقياس قوة وضعف؟

وتعطيل ممارسة مجلس النواب لصلاحياته التشريعية جاء لأسباب قد تزيد نكداً عن مقاطعة جلسة انتخاب الرئيس بعد الاجتهاد الهمايوني الذي قال بأن حكومة تصريف الأعمال تؤدي حكماً إلى منع مجلس النواب من ممارسة صلاحياته التشريعية. إن هذا لا يحتاج حتى إلى أكثر من التذكير به، خصوصاً أنه جاء من حكومة سابقة. أما اليوم فمقاطعة جلسات التشريع تبرّر عملياً بأمرين: خلو سدة الرئاسة، والانصياع إلى وضع جدول أعمال تندرج فيه مشاريع محددة تتصف في معظمها أنها مخضرمة موروثة من مجالس سابقة، ومنها ما يصلح لوصفه بالتاريخي وما زال في عهدة اللجان ومنها قانون الانتخابات النيابية الذي اقترن شرط وضعه على جدول الاعمال بأن يكون قد درس واحداً من الاقتراحات التي تجعل الانتخاب على دورتين. فكيف استنهضت مثل تلك المشاريع اليوم وفي هذه الحَشْرة الوطنية التي يجمع اللبنانيون على وصفها بالخطيرة؟ وهل من حق نائب أو حزب أو جماعة أم كتلة ان تفرض جدول الاعمال في الوقت الذي تنادي فيه بتطبيق الدستور والأنظمة؟ فماذا تقول تلك الأحكام؟!

أما الحكومة فلا يصح الاستقواء عليها لأكثر من سبب، فيكفي لبنان منها اليوم أن تبقى قائمة وصالحة للمراهنة عليها، إذا سمحت الظروف!

إن هذه العيّنات من الأسباب الظاهرية التي تلطى وراءها كثيرون لإدخال المؤسسات الدستورية غرفة العناية الفائقة لإصابتها بكوما التعطيل لا يمكن أن تكون متأتية عن جهل بأحكام الدستور ومفاهيم النظام، خصوصاً ان المعطلين كثر. فإذا كانت أكثرية الثلثين جاهلة، يبقى الثلث الثالث الذي يُسأل عن فعله. نريد أن نسأل، ولكن لا نجد من هؤلاء واحداً فرداً صمداً لنسأله. فما هو سر تلك الكرسي المطلة على بيروت؟