Site icon IMLebanon

«داعش» يتوسَّع والإرهاب يتنقَّل.. والحريري: التفجير يستهدف دَور السعودية

يَطوي لبنان بعد غدٍ الاثنين سنةً أولى على شغوره الرئاسي، في ظلّ استمرار غياب أيّ مؤشّر داخلي وخارجي إلى حَلحلة عقدةِ انتخاب رئيس جمهورية جديد، واستياءٍ كبير لسيّد بكركي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من هذا الدوَران في الحلقة المفرَغة، فيما التشَنّج السياسي حافَظ على وتيرتِه المعهودة منذ أحداث اليَمن، وقد شهدَ فصولاً جديدة على خلفية قضيّة عرسال، وكلام رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد والذي تناوَل فيه وزيرَ العدل أشرف ريفي والأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري، والتعيينات العسكرية في ظلّ إصرار رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون على الربط بين قيادتَي قوى الأمن والجيش. وفي موازاة التوَتّر السياسي التصاعدي، كثّفَ الجيش اللبناني إجراءاته على الحدود وفي الداخل من أجل ترسيخِ الاستقرار الأمني طالما إنّ الاستقرار السياسي غيرُ ممكن حاليّاً، فيما حَدّد قائد الجيش العماد جان قهوجي، في أمر اليوم، ثلاثة عناوين عملَت وتعمل عليها المؤسسة العسكرية: «الحفاظ على صيغة العيش المشترَك والالتزام بالميثاق الوطني والولاء الكامل للبنان»، لأنّ «هاجسَها الوحيد بقاءُ الوطن»، ودعا العسكريين إلى «الاستمرار على هذا النهج الوطني الجامع، الذي وحدَه يحمي لبنان، ويَمنع أعداءَه من استدراجه إلى أتون الفوضى والتشَرذم والانحلال».

قفزَت عرسال إلى صدارة الاهتمامات والمتابعة منذ إعلان أمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصرالله أنّ قرار إبعاد خطر المجموعات المسلّحة عن كلّ الحدود اللبنانية قد اتّخِذ، وتخييره الدولة بين أن تتحمّل مسؤولياتها في عرسال وجرودها، وبين أن يتكفّل الشعب بالمهمة.

وإذا كانت الترجمة العسكرية لهذا الموقف معلّقة على الظروف الميدانية والمعطيات السياسية الداخلية والخارجية، فإنّ الترجمة السياسية انطلقَت مع دعوة رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الحكومة إلى أن تحسمَ قرارَها في عرسال بالدفاع عن سيادة الوطن وأمنِه، ودعوة وزرائه إلى إثارة هذا الموضوع داخل الحكومة، وهذا ما حصلَ فعلاً في الجلستين المتتاليتين لمجلس الوزراء، ولكن من دون جدوى، في ظلّ رفض رئيس الحكومة تمّام سلام طرحَ أيّ موضوع خلافيّ وقبل استكمال كلّ المعلومات حوله.

ومنعاً لتطويق رئيس الحكومة والضغط عليه دخلَ الرئيس سعد الحريري على الخط رافعاً السقفَ السياسي، ومؤكّداً أنّ «عرسال ليست مكسراً لعصيان «حزب الله» على الإجماع الوطني، وقبل أن يتوجّهوا إلى عرسال بأيّ سؤال، فليَسألوا أنفسَهم ماذا يَفعلون في القلمون»؟

وما تَقدَّم يؤشّر بوضوح إلى أنّ موضوع عرسال سيُشكّل مدخلاً لأزمة وطنية كبرى في حال إصرار الحزب على مواصلة ما بدأه في القلمون باتّجاه عرسال، ولن تنجحَ الحكومة ولا الحوار بالصمود في وجه هذه العاصفة، خصوصاً أنّ ما انطبقَ على «نهر البارد» و«عبرا» و«طرابلس» وسجن رومية من غطاء سنّي لن ينسحبَ على عرسال.

وفي هذا الوقت تتّجه الأنظار إلى كلمة نصرالله غداً في مناسبة عيد التحرير، خصوصاً لجهة ما إذا كان سيتطرَّق إلى موضوع عرسال مجدداً، فضلاً عن مبادرة عون التي كان دعا أمينُ عام «حزب الله» القوى السياسيةَ إلى التجاوب معها.

القطيف

وعلى دقّة التطوّرات المحلّية، إلّا أنّها تشَكّل انعكاساً للأزمات الإقليمية المتفجّرة وتمدّداً لها، حيث دخلت المنطقة في مرحلة من الغَليان والمواجهات العسكرية والتفجيرات الإرهابية، ولعلّ أخطرَها مواصلة «داعش» تمدّدَه السريع في العراق، حيث تمكّنَ، بعد سقوط مدينة الرمادي في قبضته، من السَيطرة على مدينة الحصيبة، والتقدّم باتّجاه الخالدية، المدينة الأخيرة في الطريق إلى «الحبانية» التي تأوي قاعدةً عسكرية ضخمة.

وانتقلَ التنظيم أمس من سوريا، بعدما سيطرَ على مدينة تدمر التاريخية وعلى معبَر التنف الحدودي آخر معبر للنظام السوري مع العراق، إلى السعودية ليتبنّى تفجيراً انتحارياً في مسجد شيعي في مدينة القطيف، أوقعَ عدداً مِن القتلى والجرحى في صفوف المصَلّين، بعدما تبَنّى تفجيرَ قنبلةٍ في مسجدٍ للحوثيين في العاصمة اليَمنية صنعاء.

وفيما دانَت إيران التفجير وأكّدَت ضرورةَ «تحدید ومعاقبة المتورّطین فی هذه الحادثة الإرهابیة»، حَمَّلَ «حزب الله» «السلطات السعودية مسؤولية التفجير، مؤكّداً «أنّ أصحاب الفکر التكفیري الإرهابي الآثِم لا یُمیّزون بتفجیراتهم بین شیعة وسنّة، أو بین مسلِمین وغیر مسلمین، إنّما یمارسون وحشیتَهم ضد الجمیع»، استنكر رئيس الحكومة تمام سلام حادث التفجير ووصفه بأنه عمل جبان، وقال «إنّ الجريمة الوحشية التي تَعرَّضَ لها مُصَلّون أبرياء إنّما تدلّ على عقلٍ إجراميّ أسود لا يُقيم وزناً للحرُمات ولا صِلةَ له بالإسلام والمسلمين، ويَهدف إلى القتل المجاني بغرضِ إيقاع الفتنة السوداء بين أبناء البَلد الواحد».

وأبدى ثقتَه بأنّ السعودية «ستَتعامل بما هو معروف عنها من حكمةٍ وحزمٍ مع هذه الجريمة النَكراء ومَن يقف وراءَها بما يَحفظ أمنَ بلاد الحرَمين الشريفين ووحدة أبنائها».

وإذ عزّى سلام «أهالي الشهداء الأبرياء وتمنّى الشفاء العاجل للمصابين»، تقدّمَ باسمِ الشعب اللبناني بأحَرّ التعازي إلى خادم الحرَمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وإلى الشعب السعودي الشقيق»، مؤكّداً «أنّ الضَيم الذي يصيبهم إنّما يصيب اللبنانيين جميعاً».

الحريري

واستنكرَ الرئيس سعد الحريري التفجيرَ، وقال: «إنّ هذا الاعتداء الإجرامي مكشوف بأهدافه ونواياه، لأنّه حلقةٌ في سلسلةٍ خبيثة ترمي إلى إثارة الفتنة بين أبناء المملكة، وتهديد الاستقرار الذي سيبقى، بإذن الله، علامةً فارقة من علامات القوّة والوحدة والتماسك الوطني حول الدولة السعودية وقيادتها».

وقال: «إنّنا، إذ نتقدّم بأحرّ التعازي من أهالي الشهداء الذين سقطوا في التفجير الإرهابي، نتوجّه إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، باسم كلّ اللبنانيين الأوفياء، بأصدق مشاعر التضامن تجاه التحدّيات التي تواجه المملكة، مؤكّدين شَجبَنا وإدانتَنا لكلّ عمل يسيء إلى السعودية وشعبِها، ومعبّرين عن ثقتنا بقيادته في مواجهة الأخطار والذَود عن سلامة المملكة مهما غلَت التضحيات».

وأكّد الحريري: «أنّ الملاذ الذي تمثّله السعودية في هذه المرحلة من حياة المنطقة، هو هدفٌ لكلّ المتضرّرين مِن دورها ومكانتها، وهي التي تتقدّم الصفوفَ في محاربة الإرهاب والفِتن، وتتصدّى بأرواح شبابِها وأبنائها لمشروع الاستيلاء الإيراني على القرار العربي.

وأقلّ ما يمكن أن يُقال في التفجير الذي وقعَ في منطقة القطيف، إنّه يؤدّي خدمةً مباشرة لأولئك المتضرّرين ويتقاطع مع الميليشيات الحوثية وسائر الميليشيات التي تعمل في خدمة إيران، في تقديم الخدمات المجانية لمشاريع الهيمنة الخارجية وإثارة الفِتن في البلدان العربية».

دريان

ودانَ مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان «العمل الإجرامي» ووصفَ «ما حصل بأنّه إرهاب في حقّ الإسلام ومشروع فتنة بين المسلمين»، مؤكّداً أنّ الاعتداء على أمن السعودية» هو اعتداء على أمن كلّ مسلِم في كلّ مكان من العالم، واستهدافُ بيت من بيوت الله يؤدّي فيه المؤمنون الصلاة هو استهدافٌ للإسلام نفسه». وأكّد دريان «أنّ جميع المسلمين مسؤولون عن الوقوف مع المملكة العربية السعودية لمكافحة هذا الإجرام الذي يُستهدف من خلاله الإنسان والمقدّسات».

قهوجي

وعلى وقعِ هذه التطوّرات، حافظَ الأمن على مرتبتِه الأولى في الاهتمامات، خصوصاً من بوّابة عرسال، حيث واصَل الجيش اللبناني استهدافَ تحرّكات المسلحين في جرودها، وأكّد قائد الجيش العماد جان قهوجي أنّ الجيش نجَح بقوّة في كسر شوكة التنظيمات الإرهابية وإحباط أهدافها التخريبية.

وأكّد في «أمر اليوم» بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة للمقاومة والتحرير بأنّ «قضية العسكريين المخطوفين ستَبقى أمانةً في أعناقنا حتى تحريرهم وعودتهم محفوظي الكرامة إلى عائلاتهم ومؤسّستهم»، وعاهَد اللبنانيين أنّ المؤسسة العسكرية «لن تستكينَ حتى تحرير آخر شِبر من تراب الوطن المحتلّ»، مشَدّداً على «أهمّية الحفاظ على الوطن».

برّي

وكانت مصادر نيابية نَقلت عن رئيس مجلس النواب نبيه برّي قوله «إنّ الجيش يقوم بمهمّاته في عرسال ويُمسك بزمام الأمور في المنطقة وعينُه عشرة عشرة، ويَبقى علينا أن نتابع موضوع النازحين في عرسال في ضوء ما طُرح في شأنه على طاولة الحوار في الأسابيع الأخيرة»، وأكّد نيّتَه متابعة «هذه القضية لإيجاد الحلول المناسبة التي تؤدّي إلى نقلِ هذا العبء الكبير من النازحين على البلدة لتأمين سلامة عرسال وأهلها بحِمى الجيش وحماية ظهرِه». (راجع صفحة 4)

وزير الدفاع

في هذا الوقت، جَدّد وزير الدفاع سمير مقبل من عين التينة أمس تأكيدَه أنّ الجيش في جهوزية كاملة، وهو موجود على التلال الاستراتيجية من عرسال إلى رأس بعلبك، ويتّخذ كلّ الاحتياطات اللازمة لصَدّ أيّ هجوم أو أيّة اعتداءات على الأراضي اللبنانية.

وأكّد مقبل أنّ الحدود كلّها منضبطة وأنّ الجيش حاضر لصَدّ أيّ هجمات.

«جيش الفتح» ـ القلمون

وفيما وسّعَ «حزب الله» من دائرة سيطرتِه على مواقع وتلال استراتيجية جديدة في جرود القلمون، هاجَم «جيش الفتح ـ القلمون» في تغريدات على حسابه على موقع «تويتر» الجيشَ اللبناني، واتّهمَه بمساندة «حزب الله» بالقصفِ العشوائي على جرد عرسال وجردِ فليطا»، وقال إنّ الجيش «سمحَ باستخدام أراضيه وحدوده الشرقية لانطلاق العمليات العسكرية على جرود القلمون».

«حزب الله»

وعشيّة المواقف التي سيُعلنها السيّد نصر الله غداً في النبطية، اعتبرَ رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد «أنّ التكفيريين الإرهابيين لن يَستطيعوا أن يَقلبوا معادلةً في لبنان، ولا أن يشَكّلوا تهديدا جدّياً، وأنّ كلّ ما لديهم هو أن يُحدِثوا بعضَ الإزعاج كطنينِ الذباب في الآذان، وأنّ الذين راهَنوا على هؤلاء التكفيريين سيُصيبهم الإحباط والفشَل».

وقال إنّ «أولئك الذين يُصدِرون التصريحات دفاعاً عن التكفيريين الإرهابيين في جرود عرسال، خصوصاً بعدما خابَت توقّعاتهم في جرود القلمون، يقومون بذلك كي لا يَمنحوا الجيش اللبناني قراراً سياسياً يؤهّله القيام بواجباته الوطنية ضد هؤلاء الذين يَحتلون قسماً من أرضنا».

في غضون ذلك نَبَّه المفتي دريان إلى «خطورة المسائل الأمنية والاجتماعية في طرابلس وعرسال»، مؤكّداً «التلازمَ بين الفقر والتطرّف، فلا بدّ من مكافحة الفقر للقضاء على التطرّف».

«المستقبل» ـ رعد

سياسياً، وعلى رغم الجلسات الحوارية بينهما والتي تستمرّ مفاعيلها على الأرض، احتدمَ الخطاب السياسي بين كتلة «المستقبل» و»حزب الله» بعد كلام رعد الأخير والذي تناولَ فيه وزيرَ العدل أشرف ريفي والأمين العام لتيار«المستقبل» أحمد الحريري.

فحمَلت الكتلة في بيان أمس وبعُنف على رعد، ووصفَت كلامَه بـ»المعيب» وبأنّه «دليل إفلاس وتوَتّر وفقدان توازن وغياب اتّزان، وهو لن يخيفَ اللبنانيين ولا تيار «المستقبل»، لأنّه يؤمن بلبنان ويَعمل من أجله وليس من أجل إمبراطوريةٍ وهميةٍ لن يُكْتَبَ لها النجاح».

وإذ حمّلت الكتلة رعد و«حزب الله» مسؤولية ما قد يتعرّض له ريفي والحريري، رأت أنّ حساب الحزب «سيأتي في ما بعد مع الشعب اللبناني عموماً والطائفة الشيعية التي يوَرّطها الحزب في عداوات مع اللبنانيين وشعوب المنطقة العربية».

كما أنّ الرأي العام والمواطن اللبناني هو الكفيل بالمحاسبة وفي الوقت المناسب، «نتيجة شَططِ الحزب وخروجِه عن الإجماع الوطني وتوريطه للبنان واللبنانيين في المشكلات والوَيلات المتعددة التي تبدأ في لبنان وتمرّ بمعارك سوريا وتعَرّج على حروب العراق، ولا تنتهي في اليَمن أو أيّ بقعةٍ أخرى يَطلبها وينتقيها الحرَس الثوري الإيراني».