Site icon IMLebanon

الحريري: عرسال ليست مكسراً لعصيان «حزب الله»

تنصَبّ الاهتمامات في هذه المرحلة على بلدة عرسال، في ظلّ الحِرص على وجوب عدم حصول أيّ تطوّر أمني وعسكري جديد فيها يمكن أن ينعكس على الوضع الداخلي أمنياً وسياسياً. ويُنتظَر أن تنشط الاتصالات على مختلف المستويات لترتيب حلّ لهذه البلدة التي يَتخوّف البعض من تحوُّلِها «قنبلة موقوتة»، يمكن أن تنفجر في أيّ لحظة، كلّما اشتدّ الخِناق على المسلحين المنتشرين في جرودها والذين تزايدَت أعدادهم بعد معركة القلمون الأخيرة.

تجاوَز مجلس الوزراء مجدّداً موضوع عرسال في جلسته العادية أمس، وتمسّكَ رئيس الحكومة تمام سلام بموقفه، بأنّه هو مَن يختار التوقيت المناسب لطرح هذا الموضوع وفقاً لمعطياتٍ وتقارير طلبَ مِن قادة الأجهزة الأمنية تزويدَه إيّاها، ففشلَت المحاولة الثانية لوزراء «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» في إثارة هذا الموضوع نتيجة عدم تزحزُح سلام عن موقفه.

وعلمَت «الجمهورية» أنّه في بداية الجلسة، وقبل البَدء بمناقشة جدول الأعمال المؤلف من 115 بنداً، طلبَ الوزير الياس بوصعب الكلام، فقال: «إنّنا ننتظر من الحكومة اليوم أن تحدّد موقفها في ملف عرسال وجرودِها، ونحن طرحنا أسئلة نريد الأجوبة عليها».

وأضاف: «نريد أن نعرف يا دولةَ الرئيس متى ستَطرح هذا الموضوع للنقاش، الآن أم في منتصف الجلسة أم في ختامها»؟ فرَدَّ عليه سلام قائلاً: «لن أبحثَ هذا الموضوع خلال الجلسة، ويعود لي تقدير الموقف السياسي لطرحِه».

وتجاوَز مجلس الوزراء هذا النقاش، وبدأ درسَ جدول الاعمال وأقرّ كلّ بنوده، في خطوةٍ لافتة في تاريخ الحكومة التي اعتادَت تأجيل البنود من جلسة الى جلسة، ما دلّ إلى أنّ رئيس الحكومة يوزّع جدول أعمال خالٍ من أيّ موضوع خلافيّ في هذه المرحلة.

إلّا أنّ الرسائل السياسية لم تغِب عن جلسة مجلس الوزراء، ولو أتت في إطار المزاح، إذ سُئل الوزير وائل أبو فاعور، الذي شاركَ في مؤتمر الطاقات الاغترابية الذي ينظّمه الوزير جبران باسيل عن سبب وصوله متأخّراً إلى الجلسة، فأجاب: «كنتُ في جمهورية باسيل وعدتُ الآن إلى جمهورية لبنان».

فنقلَ الصحافيون كلام أبو فاعور هذا إلى بوصعب، فردّ الأخير عليه معلّقاً: «نحن جميعاً في جمهورية واحدة هي جمهورية لبنان، لكن يبدو أنّ أبو فاعور بدأ بالتفرِقة».

الجيش وعرسال

في هذا الوقت، أكّد مصدر عسكري رفيع لـ»الجمهورية» أنّ «الوضع في عرسال ما زال مضبوطاً، ومخيّمات النازحين السوريين تحت المراقبة، والجيش سيتدخّل ويدخل البلدة عندما يرى حاجة أمنيّة لذلك».

وشدّد على أنّ «الجيش قادر وحدَه على صدّ أيّ هجوم للمسلحين إذا قرّروا مهاجمة عرسال، ولا يحتاج الى دعم أحد سوى الشعب اللبناني»، مؤكّداً أنّ «القرار بعدم التنسيق مع الجيش السوري، نهائي، ولا عودة عنه مهما كانت الظروف، ولن ينجحَ أحد في جرّ الجيش إلى حرب لا تخدم الأجندة اللبنانيّة».

وأوضَح المصدر العسكري «أنّ التحقيقات ما زالت مستمرّة لمعرفة مكان تفخيخ السيارة التي ضبِطت مساء أمس الاوّل في عرسال»، لافتاً في الوقت عينه الى أنّها «فُخّخت بطريقة بدائية ولا تحتوي على متفجّرات شديدة الانفجار، وتضَع الأجهزة الأمنية كلّ الإحتمالات عن خط سيرِها، وإذا ما كانت سَلكت طريق الجرد ودخلت عرسال، أو فُخّخت داخل البلدة».

الحريري

في غضون ذلك، اعتبَر الرئيس سعد الحريري «أنّ الأصوات التي تهَدّد عرسال بالويل والثبور وعظائم الأمور لن تحقّق غاياتها مهما ارتفعَت». وقال في تغريدةٍ له عبر «تويتر» إنّ «عرسال ليست مكسَراً لعصيان «حزب الله» على الإجماع الوطني».

وأضاف: «قبل أن يتوجّهوا إلى عرسال بأيّ سؤال، فليَسألوا أنفسَهم ماذا يَفعلون في القلمون؟ ومَن فوّضَهم استباحةَ الحدود بالسلاح والمسلحين واستدعاء الإرهاب الى الاراضي اللبنانية؟».

وشدّد الحريري على «أنّ كلّ المحاولات لزَجّ الجيش في معارك يحدّد زمانَها ومكانها حزب الله لن تمرّ، ولن نسكتَ عنها»، متوَجّهاً إلى «الأهل في عرسال» قائلاً: «أنتم الضمانة الحقيقية للبنان في وجه الإرهاب، وفي مواجهة دعوات التحريض والفتنة».

المشنوق

وقد حضَر موضوع عرسال وملفّ التعيينات الأمنية والعسكرية في لقاء رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون مع وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي زار الرابية أمس منَبّهاً إلى أنّ «المرحلة الأمنية صعبة، سنُجرّب التصرّف بدقّة وجدّية ومسؤولية، مؤكّداً «رهانَه الدائم على مسؤولية عون وجدّيته ووطنيته»، متمنّياً «أن نكملَ على هذا النحو، لأنّ هذا الربح هو لمصلحة البلاد».

وشدّد على أنّ «المسؤولية الوطنية تفرض الحفاظَ على الحكومة وتماسكِها، والحوار مستمرّ»، لافتاً إلى أنّ»الحديث عن عرسال تمّ في هذا السياق بنفس طبيعة القراءة المشترَكة ودور الحكومة في اتّخاذ القرارات حول ما يَحدث»

مبادرة عون

على صعيد آخر، أنهى وفد تكتّل «التغيير والإصلاح» جولتَه على القوى السياسية لشرح مبادرة عون، بزيارة النائب محمد الصفدي وأحزاب الطاشناق والسوري القومي الاجتماعي والتقدمي الاشتراكي.

كنعان

وكشفَ النائب ابراهيم كنعان لـ«الجمهورية»: «أنّ التكتل سيُجري ابتداءً من اليوم تقويماً سريعاً، وسيبدأ اتّصالات بعيدة من الأضواء مع الكتَل التي تجاوبَت وتفاعلت مع المبادرة، وإنْ جزئياً، في محاولةٍ للوصول إلى تصَوّر مشترَك نعلن عنه مخرَجاً ديموقراطياً ودستورياً سليماً من أزمة الحكم التي نمرّ بها».

وقال كنعان في ختام الجولة: «أوّلاً، لقد انتقلنا من مرحلة الاستحقاقات التي تُطرَح من زاوية تقنية فقط إلى مستوى آخر هو دستوريةُ وميثاقية الانتخابات والاستحقاقات والرئاسة في حدّ ذاتِها، وهذا مهِمّ لأنّها تخطّت البحث عن أشخاص وأدوار إلى تحديد مواصفات كانت مَنسيّة منذ أكثر من 25 عاماً إلى درجة أنّ البعض نسيَ أنّ الرئاسة موقعٌ وطنيّ ولكنّه يعود للمسيحيين بالدرجة الأولى، ونسيَ أنّ هناك مواصفات معيّنة في نظام تعدّدي يجب احترامُه».

وأضاف: «ثانياً، جرَت مقاربة صريحة وواضحة حتى مع الكتَل السياسية التي نختلف معها سياسياََ، فالخِلاف السياسي لا يعني إلغاءَ الحقوق، الشراكة شيء والتحالف السياسي والخصومة السياسية شيء آخر».

وختم: «كانت هناك مغالطة كبيرة اسمُها اللعب بالدستور، وإنّ طرحَنا غيرُ دستوري، حتى إنّ البعض يكرّر ذلك عن سوء نيّة والبعض عن جَهل. لكنّ الجولة أضاءت على الدستور وتفسيرِه، ونسعى لوقفِ التلاعب به من خلال العودة إلى الشعب، فهي التي تحَصّن النظام الديموقراطي البرلماني في لبنان وتحَصّن الدستور بعدما مُدّد للمجلس النيابي مرّتين وفقدَ الشرعية الشعبية وإن كانت هناك شرعية قانونية للتمديد.

والمبادرة بكلّ بنودها هي تحت سقف الدستور، وإذا تمّ التعاطي معها بإيجابية حتى ولو طوّرنا بعض البنود فيها عبر الأخذ ببعض الأفكار التي سمعناها ستؤدّي إلى انتظام العمل السياسي تحت سقف دستوريّ سليم ومعايير ديموقراطية صحيحة».

مصير معتقلِي تدمر

على صعيد آخر، فتحَت المعلومات التي تحدّثت عن إفراج «داعش» عن المعتقلين في سجن تدمر العسكري في سوريا موجةً من الروايات والتصريحات حول مصير معتقلين لبنانيين في السجن، وسط غياب أيّ معلومات رسمية حول وجود هؤلاء فيه قبل الحديث عن الإفراج عنهم.

وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ أولى الروايات اليتيمة التي تردّدت في بعض الأوساط منذ ساعات الصباح الأولى تُفيد أنّ عدداً مِن المساجين اللبنانيين تمكّنوا من بلوغ الحدود السورية ـ التركية فجر أمس، ما دفعَ ببعض القيادات الأمنية إلى إجراء الإتصالات اللازمة مع المعنيين في أنقرة الذين نَفوا علمَهم بوصول أيّ لبناني إلى نقاط الحدود، مؤكّدين أنّ تعليمات مشدّدة أعطِيَت لمراقبة المعابر كافة والإفادة عن أيّ حالة مشابهة.

لكنّ وسائل الإعلام واصَلت بَثّ الروايات من دون مراعاة شعور أهالي المعتقلين، ما دفعَ وزير الداخلية إلى التوضيح أن لا معلومات لديه عن تحرير لبنانيين من سجن تدمر، وأنّه يعمل على التأكّد من الأمر.

وقبل أن ينفيَ مكتب المشنوق وجود أيّ مستشار له بهذا الإسم، نَقلت محطات أجنبية ومنها محطة «سكاي نيوز» تصريحاً نسَبَته إلى «مستشار وزير الداخلية» أحمد الأيوبي، قال فيه: «إنّ السجَناء اللبنانيين داخل سجن تدمر تحت سيطرة «داعش»، وتمّ الإفراج عنهم»، لافتاً إلى أنّ «السجَناء المفرَج عنهم قد يتوجّهون إلى تركيا».

لكنّ رئيس لجنة دعم المعتقلين «سوليد» غازي عاد، وعَبر «الجمهورية» نفى صحّة خبر تحرير اللبنانيين، وأكّد أنّ آخر الأخبار المؤكّدة ومصدرُها منظمات في سوريا وإعلاميون هو أنّ النظام أخلى السجنَ قبلَ يومين من المعركة.

ومِن جهته، أوضَح رئيس جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية علي أبو دهن لـ«الجمهورية» أنّ معلومات وردَته من جهات موثوقة فضّلَ عدمَ الكشف عنها، تؤكّد صحّة الخبر، مؤكّداً أنّه يتابع الموضوع للتأكّد من صحّته مشكَّكاً في إمكان إخلاء السجن قبل يومين فقط من المعركة نظراً لوجود نحو 7000 سجين فيه. وإزاء هذه الفوضى الإعلامية أكّدَت مراجع أمنية معنية بالملف عبر «الجمهورية» عدمَ توافر أيّ معلومات عن الموضوع برُمّتِه.

وعزَت هذه المراجع «الهمروجة» الإعلامية إلى سباق إعلامي لا يَستند إلى أيّ مصدر موثوق أو معترَف به، وإلى رغبة البعض بالظهور وإحياء الحديث عن موضوع حسّاس وقديم يمكن أن يتجدّد في مثل هذه المناسبات. مؤكّدةً أنّ كلّ ما تردّدَ لا أساس له من الصحّة طالما إنّ أيّ موقف لم يَصدر لا عن الجانب السوري ولا عن «داعش»، وفي انتظار أيّ موقف جديد سيُبنى على الشيء مقتضاه.

دعم أميركي للبنان

على المستوى الاقتصادي، استضافَت مدينة نيويورك أمس مؤتمراً للشركات اللبنانية الناشئة من تنظيم غرفة التجارة اللبنانية ـ الأميركية، في خطوةٍ عكسَت الاهتمام الاميركي بدعم الاقتصاد اللبناني.

وكان من أبرز المتحدثين في المؤتمر مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى لورنس سيلفرمان الذي وجَّه بكلمتِه رسائلَ سياسية وأمنية واقتصادية في كلّ الاتجاهات. ودعا اقتصادياً إلى الإسراع في اتّخاذ الإجراءات الضرورية لإطلاق مناقصات التنقيب عن النفط في لبنان.

وعلى المستوى الأمني، أكّد سيلفرمان أنّ «الولايات المتحدة تقف بثبات مع لبنان والشعب اللبناني أمام التحديات والمخاطر الكبيرة التي تواجهه جرّاءَ النزاعات الخارجية والجهود الرامية إلى إقحام لبنان في هذه النزاعات، وجرّاء التطرّف العنيف والمصاعب الإقتصادية الضخمة».

وأضاف: «نقفُ مع لبنان في مواجهة هذه التحدّيات»، مذكّراً بأنّ الولايات المتحدة تدعم القوات المسلحة والقوى الأمنية اللبنانية «في حربها الدائرة ضدّ المجموعات المتطرفة التي تأتي إلى لبنان من سوريا». وقال: «نقفُ معكم في مواجهة عدوّ مشترَك لكلّ الشعوب المتحضّرة، لكنّ الردّ على هذا العدوّ ليس عسكرياً فحسب، بل هو حضاريّ وعقيدي وسياسي واقتصادي».

على الصعيد السياسي، شدّد سيلفرمان على أنّ «مواجهة لبنان التحديات الراهنة تتطلب أن تعملَ مؤسسات الدولة بكلّ طاقتها، وتتطلب وضعَ المصالح الوطنية فوق المصالح السياسية أو غيرها». واعتبر أنّ «انتخاب رئيس للجمهورية لن يحلّ كلّ مشكلات لبنان، لكنّه سيكون خطوة مهمة وأساسية في الإتجاه الصحيح».

«حزب الله»

إلى ذلك أكّد نائب الامين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم لوكالة «رويترز» أنّ المعارضين المسلحين لن يتمكّنوا من إسقاط حكومة الأسد، على رغم المكاسب الأخيرة في المعركة بما في ذلك استيلاء «داعش» على مدينة تدمر.

وقال إنّ حلفاء الأسد – إيران وروسيا وحزب الله – سيُساندونه مهما طال الأمَد وإنّه لا يمكن أن يكون هناك حلّ لهذه الحرب من دون الأسد وإنّ الوقت قد حان أمام «العرب والعالم» لتحقيق ذلك.

وأضاف: «الخطر الأكبر في مشروع التقسيم في المنطقة هو على العراق، لأنّ أميركا تروّج لهذا الأمر، ويبدو أنّ هناك مكوّنات في العراق تريد هذا الاتّجاه، لكن ليس الأمر ناضجاً حتى الآن.» ورأى أنّ «المنطقة اليوم هي منطقة ملتهبة متوتّرة ليس فيها حلول مطروحة، ويبدو أنّ هذا الأمر سيستمر لسنوات عدّة، وهي معرّضة أيضاً لإمكانية التقسيم في بعض بلدانها.»