Site icon IMLebanon

التسليح السعودي غير مضمون والغطاء السياسي مفقود

التسليح السعودي غير مضمون والغطاء السياسي مفقود

«سبعون» الجيش: مهمات استثنائية.. وقدرات أقل مما يحتاج

كتب المحرر السياسي:

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الرابع والثلاثين بعد الأربعمئة على التوالي.

كلما اتسعت دائرة الفراغ تشريعا وسلطة تنفيذية، كبرت مسؤوليات الجيش اللبناني، لكن هل للمؤسسة العسكرية أن تكون جزيرة في بلد تبدو السياسة فيه مأزومة، كما الاقتصاد والاجتماع والثقافة والإعلام.. وحتى النفايات؟

طوال سبعين عاما من عمره، واجه الجيش الكثير من الاستحقاقات والتحديات، من مشاركته في «حرب فلسطين» وسقوط عدد من ضباطه وجنوده شهداء في «معركة الكرامة»، إلى انخراطه غير المسبوق في الحرب ضد الإرهاب، سواء عبر الحدود أو في مواجهة خلايا تكفيرية نائمة، مرورا بتحدي التعامل مع السلاح الفلسطيني في لبنان والاحتراب الأهلي بكل فصوله من مطلع السبعينيات حتى نهاية الثمانينيات.

لم تكن سبعون الجيش إلا اختزالا للأزمة الوطنية التي عمرها من عمر هذا الكيان، لا بل أن سبعين الجيش هي حكاية بلد لطالما كانت تتوالد الأحداث فيه، على وقع أحداث المنطقة، وخصوصا الجوار القريب.

يكفي أن استقلال لبنان عن سوريا كان مشروطا بأن ينأى بنفسه عن محاور الإقليم، وعندما قرر أن يخالف وظيفته التاريخية، دفع الثمن. هذا ما حصل في العام 1958، عندما صار حكم كميل شمعون جزءا من «حلف بغداد» في مواجهة جمال عبد الناصر، فكانت ثورة العام 1958 التي انتهت بتسوية أتت بقائد الجيش فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية..

ولم تكن تجربة لبنان مع سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية ومع دول ومحاور المنطقة، إلا العنصر الأول المتحكم بمسارات الجمهورية الأولى. هذه الجمهورية سقطت نظريا في لحظة دولية (انهيار الاتحاد السوفياتي وحقبة «الحرب الباردة») وعمليا في لحظة إقليمية ـ دولية، عندما «لزّم» الأميركيون إدارة ملف لبنان للرئيس الراحل حافظ الأسد، فكان اختيار إميل لحود قائدا للجيش اللبناني، أحد تعبيرات تلك المرحلة التي انتهت مع الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003.

ومنذ أن ولد القرار 1559، بمندرجاته الثلاثة: استهداف سوريا (مطلب فرنسي وتحديدا شيراكي)، استهداف سلاح «حزب الله» (مطلب أميركي إسرائيلي) وانتخاب رئيس جديد للجمهورية (مطلب فريق لبناني على رأسه رفيق الحريري)، أصبح لبنان مجددا أسير لعبة المحاور، مخالفا بذلك الوظيفة التاريخية التي انوجد على أساسها.

ولقد زاد الطين بلة أن سوريا التي كانت تقوى كلما كانت متحكمة أكثر من غيرها بالقرار اللبناني، صارت هي نفسها مأزومة، لا بل تشهد حربا تتداخل فيها الأبعاد الخارجية مع الأبعاد الداخلية، لكأنها الممر الإجباري لخرائط الدم الجديدة التي ترتسم في المنطقة منذ أربع سنوات ونيف على أنقاض دول ومدن وشعوب مدمرة ومهجرة ومنكوبة وغارقة في الفوضى.

كيف أمكن للجيش اللبناني أن يبقى صامدا وموحدا وواقفا على قدميه، كما الليرة اللبنانية، منذ أكثر من عقد من الزمن، برغم الاختبارات اليومية التي خضع ويخضع لها، على طول الحدود من الشمال الى الجنوب مرورا بالدواخل اللبنانية التي لا تستطيع كل جيوش العالم أن تواجهها؟

ليس خافيا أن قيادة الجيش اللبناني حاولت تعويض الفشل الرسمي بوضع كتاب مدرسي موحد للتاريخ نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني، بأن طلبت بعد العام ألفين من مجموعة من الباحثين والضباط والخبراء تأريخ مسيرة الجيش اللبناني، وبرغم الخلاصات التي وضعها هؤلاء، لم يصدر سوى الجزء الأول من هذه السلسلة (1920ـ 1945)، أي ما قبل التأسيس الرسمي بعد الاستقلال، لكأن سيرة الجيش التي هي جزء من سيرة الوطن، ليست موضع اتفاق بين المؤرخين، إلا إذا اتخذ قائد الجيش الحالي قرارا شجاعا بالإفراج عن باقي أجزاء هذه السلسلة، لتصبح ملك الجمهور اللبناني كله، في أقرب وقت ممكن.

وفي انتظار كل أجزاء هذه السيرة، من المفيد التركيز على عناصر قوة الجيش في خضم هذه اللحظة اللبنانية والاقليمية الاستثنائية والانتقالية وعلى عتبة العام الحادي والسبعين لولادة المؤسسة الجامعة لكل لبنان:

في غياب الحد الأدنى من التوافق السياسي الداخلي، وفي خضم الفراغ المتمادي على صعيد المؤسسات الدستورية، يصبح السؤال كيف أمكن للجيش أن يجتاز كل هذه المعارك والاختبارات المتتالية التي جعلته أكثر من مرة عرضة للسهام والانتقادات والتجريح ومحاولة ضرب هيبته ومعنوياته وصولا الى التحريض على شق صفوفه، كما حصل في أعقاب حوادث عبرا وطرابلس وبحنين وعرسال!

للسياسيين أن يتذكروا أن آلاف الضباط والجنود المنتشرين في كل حدود الوطن وساحاته ومحاوره وخطوط تماسه الداخلية، هم مع رفاقهم في باقي المؤسسات الأمنية، يضعون أرواحهم على أكفهم يوميا في مواجهة ارهاب متفلت من كل عقال، وفي مواجهة عصابات الفدية وقطاع الطرق وتجار المخدرات.

للسياسيين أن يأخذوا اجازة ليوم واحد في عيد الجيش. ليس المطلوب منهم مديح المؤسسة وقيادتها، جل ما يطلبه منهم أولئك الجنود أن يبلعوا ألسنتهم ليوم واحد، لعلهم يرأفون ببلدهم، في زمن صار فيه لكل شيء هويته الطائفية.. حتى النفايات التي يريد البعض «تلزيم» ضبط الفوضى الناتجة عن تراكمها وصفقاتها المشبوهة.. الى الجيش اللبناني!