Site icon IMLebanon

«وساطة المراسيم»: اختبار الشراكة في الحكومة

الأزمات «المسيلة للدموع» تتراكم.. والنفايات تعاود اجتياح بيروت

«وساطة المراسيم»: اختبار الشراكة في الحكومة

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم التاسع والخمسين بعد الاربعمئة على التوالي.

انشغلت القوى السياسية خلال الساعات الماضية في كيفية إيجاد تسوية لمسألة «المراسيم السبعين»، فيما بدت هموم الناس في واد آخر يزدحم بالازمات الاجتماعية والمعيشية «المسيّلة للدموع».

وأغلب الظن ان أحدا من المواطنين لا يشعر بأن السجال حول المراسيم يعنيه أو يهمه، وهو العالق بين مطرقة النفايات المتكدسة وسندان التقنين الكهربائي المتمادي، من دون أن تظهر في الأفق أي حلول سريعة لهذه المعاناة المتفاقمة.

ولعل مشهد عودة النفايات الى التراكم في شوارع بيروت هو الدليل الاكبر على استمرار دوران الحكومة في الحلقة المفرغة، واستفحال عجزها عن ابتكار المعالجات العاجلة للأزمات المتمادية، وفي طليعتها فضيحة النفايات التي تنتظر مطمرا، لا يزال التجاذب حوله قائما في عكار.

وإزاء انسداد شرايين الحلول المؤسساتية، يبقى الشارع المتنفس الوحيد للمواطنين اللبنانيين المعترضين على سياسة «التعذيب الجماعي»، والذين لا تكف القوى الامنية عن قمعهم بحدة، وتوقيف بعضهم، كما حصل ليل أمس الاول، بحجة ملاحقة المندسين، وهي ذريعة مطاطة باتت تستخدم في كل وقت لتبرير العنف المفرط المستعمل ضد المعتصمين والمتظاهرين.

صاعق المراسيم

وعشية انعقاد جلسة مجلس الوزراء اليوم، فوق بركان الاحتقان الشعبي، تحرك الوزير علي حسن خليل امس على خطوط عدة، لمحاولة تفادي تفجير الجلسة بـ «صاعق» المراسيم العادية المتنازع عليها، والتي تحمل في العادة تواقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير المختص.

وتواصل خليل مع الرئيس تمام سلام و«التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، سعيا الى إيجاد مخرج يعيد لمّ شمل الحكومة، بعد انسحاب وزراء «تكتل التغيير والاصلاح» و«حزب الله» من الجلسة السابقة.

وعلم أنه جرى التمني على سلام المبادرة الى استرداد المراسيم السبعين وتجميد نشرها، من أجل إعطاء فرصة للمعالجة، وبالتالي لإفساح المجال امام وزراء «تكتل التغيير والاصلاح» و«حزب الله» كي يعيدوا التدقيق فيها تمهيدا للتوقيع عليها.

ويبدو أن سلام أبدى تجاوبا مع هذا الطرح من حيث المبدأ، لكن بعض تفاصيله بقيت موضع نقاش حتى ساعة متأخرة من ليل أمس.

وعلمت «السفير» ان «التيار الحر» أبلغ المعنيين انه لا يقبل فرض أمر واقع عليه، من نوع ان يتم ربط استرداد المراسيم وإعادة عرضها، بالتوقيع الإلزامي لوزراء «تكتل التغيير والاصلاح» عليها.

وأكدت مصادر بارزة في «التيار الحر» لـ«السفير» ان استرداد المراسيم السبعين يجب ان يحصل على قاعدة ان من حق وزراء «التكتل» و«حزب الله» عدم توقيع المراسيم التي توجد ملاحظات عليها، من دون التلويح بسيف «النشر الحتمي»، مؤكدة ان «التيار» لن يقبل الخضوع الى «مراسيم الإذعان».

وحذرت المصادر من خطورة استسهال اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء بالأكثرية العادية في ظل غياب رئيس الجمهورية، مشددة على ان المطلوب العودة الى آلية «التوافق المرن»، الذي يعني ان اعتراض مكونين من مكونات الحكومة على أمر ما، يجب أن يفضي الى تجميده.

وشددت المصادر على ان الخروج من المأزق الحالي يتطلب استعادة المراسيم وربط نشرها بتوقيع الوزراء الـ24، واعتماد «التوافق المرن» في اتخاذ القرارات، وإقرار التعيينات الامنية استنادا الى هذه الآلية، منبهة الى ان التفريط بهذه الفرصة سيضع العماد ميشال عون امام خيارات التصعيد خلال مؤتمره الصحافي غدا.

وقال الوزير علي حسن خليل لـ «السفير» ان مراجعة تتم للمراسيم العادية التي تشكل اختصاصا لصيقا لرئيس الجمهورية، مشيرا الى ان التحرك الذي يقوم به بتكليف من الرئيس نبيه بري «ينبع من قناعة لدينا بأن الامر جدير بالبحث، وان الحزب والتيار محقان في موقفهما القائل بضرورة توقيع الوزراء مجتمعين على المراسيم المفترض ان تحمل توقيع رئيس الجمهورية، الذي حل مكانه الوزراء الـ24 بحكم الشغور الرئاسي».

ولفت خليل الانتباه الى ان المسعى الذي يبذله يتعلق حصرا بإشكالية المراسيم ولا علاقة له بأي ملف آخر، «وبالتالي ليس معروفا ما إذا كان نجاح المسعى يمكن ان ينعكس إيجابا على مسائل خلافية أخرى في الحكومة».

وقال الوزير محمد فنيش لـ«السفير» ان المطلوب إعادة الاعتبار الى الشراكة في اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء، والامر لا يتعلق فقط بالمراسيم، وإنما يشمل كل المسائل التي يمكن ان تطرح على طاولة الحكومة، لافتا الانتباه الى انه «من غير المقبول تجاوز الآلية التي كنا قد توافقنا عليها لتنظيم عمل مجلس الوزراء على قاعدة الشراكة المستندة الى نص الدستور الذي يلحظ ان مجلس الوزراء يحل مكان رئيس الجمهورية وكالة، في حال شغور موقعه».

وأوضح ان حضور أو عدم حضور جلسات مجلس الوزراء يتوقف على مدى الاستعداد لاحترام هذه الآلية والتقيد بها.

بيروت.. والنفايات

على صعيد أزمة النفايات، وبعدما رفض مجلس الوزراء نتائج المناقصات في شأنها، من دون وجود أي رؤية حكومية لبدائل معينة، وفي ظل تعثر الاقتراحات المرحلية لمعالجة الأزمة، عادت أكوام القمامة لتحتل شوارع العاصمة، نتيجة امتلاء المكب المؤقت في الكرنتينا وتلاشي قدرة المعامل على المعالجة، بالترافق مع دخول إضراب عمال شركة «سوكلين» يومه الثالث.

وفي عكار استمر الاستنفار لدى العديد من الاوساط الشعبية رفضا لنقل نفايات العاصمة الى المنطقة، وسط اتساع دائرة المعترضين على مقايضة النفايات بمبلغ 100 مليون دولار، فيما أبدت أوساط عكارية أخرى موافقتها على «العرض» انطلاقا من ان إيجاد مطمر صحي مجهز يبقى أفضل من الاستمرار في اعتماد المكبات العشوائية من دون أي إجراءات وقائية.

ويمكن القول ان «تيار المستقبل» هو المحرج الاكبر في عكار، بعدما فتحت المساومة بين النفايات والـ100 مليون دولار دفاتر الماضي وسجلات الوعود التي لم تأخذ طريقها نحو التنفيذ، ما أوجد أزمة ثقة انعكست تساؤلات في الشارع العكاري، من قبيل ما الذي يضمن أن يُصرف المبلغ المرصود للمنطقة في مقابل نقل النفايات اليها، وماذا يضمن النزاهة في الإنفاق وتفادي الهدر، ولماذا لا يستفيق البعض على عكار إلا في الأزمات، وكيف يمكن ضمان ألا يتحول المطمر المفترض الى مطمر ناعمة آخر؟ (تفاصيل ص 3)