IMLebanon

هل يصيب الاشتباك الإقليمي الاستقرار اللبناني؟

نصرالله يهاجم آل سعود.. والحريري يدافع

هل يصيب الاشتباك الإقليمي الاستقرار اللبناني؟

إذا كان القرار السعودي بإعدام الشيخ نمر باقر النمر سيترك تداعيات شديدة الخطورة على مجمل الساحات المتوترة في المنطقة، فالأرجح ان لبنان ـ المحتقنة بيئاته الطائفية والمذهبية ـ لن ينجو بدوره من شظايا هذه التداعيات، وهو الذي يفتقر أصلا الى القدر الكافي من المناعة في ظل شلل مؤسساته الدستورية، والانقسام الحاد بين مكوّناته، حول ملفات خلافية تمتد من رئاسة الجمهورية ولا تنتهي عند.. إعدام النمر، فضلا عن التحديات الأمنية اليومية في الداخل أو على الحدود.

وقد انعكس صدى الإعدام في «الوادي اللبناني» سجالاً فورياً بين «حزب الله» و «تيار المستقبل»، بعدما سارع الرئيس سعد الحريري الى الدفاع عن السعودية رداً على كلمة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله التي شن فيها هجوماً عنيفاً على آل سعود، فيما كان وزير العدل أشرف ريفي يتولى من جهته إصدار أحكامه الخاصة، متهماً الحزب مباشرة باغتيال الرئيس رفيق الحريري و «شهداء ثورة الأرز»!

وإزاء هذه التطورات الدراماتيكية، يُخشى من أن تتراجع فرص التسوية الداخلية في مطلع العام الجديد، خصوصا بالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي «المحتجز» منذ قرابة سنة وتسعة أشهر على خط التماس السعودي ـ الإيراني، في انتظار حوار مفترض، بات الآن أصعب من أي وقت مضى.

ويبدو واضحاً في هذا السياق أن إعدام النمر أدى تلقائياً الى إعدام أي إمكانية لإعادة ترميم العلاقة السعودية ـ الايرانية في المدى المنظور، وهذا ما عكسه قرار الرياض بقطع العلاقات الديبلوماسية مع طهران، الأمر الذي يعني أن المرحلة المقبلة هي مرحلة الاندفاع نحو قمم تصعيدية أعلى في كل ساحات الاحتكاك السعودي ـ الايراني، الممتدة عبر العديد من دول المنطقة ومنها لبنان.

وهنا تُطرح التساؤلات الملحة الآتية: أي شكل سيتخذه التصعيد الإقليمي في الداخل الهش، وهل ستلجأ الرياض وطهران الى تغيير قواعد الاشتباك في لبنان سعياً الى كسر التوازنات الحالية، أم أن المواجهة فوق ساحته ستبقى تحت السيطرة؟

مصادر بارزة في «8 آذار» قالت لـ«السفير» إنها تتوقع أن ينعكس احتدام الاشتباك الإقليمي مزيداً من التعقيد على مستوى ملف رئاسة الجمهورية، لافتة الانتباه الى أن المناخ الحالي في المنطقة بعد إعدام النمر لم يعد مؤاتياً للتسويات، وبالتالي سيكون من الصعب فصل لبنان عن البيئة الإقليمية الساخنة، معربة عن خشيتها من أن تكون مبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجية من أولى ضحايا جريمة قتل النمر.

وبينما يُستأنف الحوار بين «حزب الله» و «تيار المستقبل» يوم الاثنين المقبل، في عين التينة، أبلغت مصادر مواكبة له «السفير» أنها لا تتوقع أن يؤدي إعدام النمر الى وقف هذا الحوار، على قاعدة أن طرفيه اتفقا منذ انطلاقه على فصله عما يمكن أن يحدث خلف الحدود، إلا أنها أعربت عن اعتقادها بأن جدواه العملية وإنتاجيته السياسية سيتضاءلان أكثر فأكثر، في ظل الظروف الصعبة التي تحيط به.

وقد أتت مواقف كل من نصرالله والحريري أمس لتعيد تظهير الافتراق، بل التناقض العميق، بين «حزب الله» و «المستقبل»، على صعيد التموضع والخيارات، لكن كان لافتاً للانتباه في الوقت ذاته أن كلا من نصرالله والحريري شددا على ضرورة ألا تقود ردود الفعل على إعدام النمر الى الانزلاق نحو سجالات مذهبية.

نصرالله.. وآل سعود

وقد قال نصرالله في كلمة ألقاها خلال حفل تأبيني للشيخ الراحل محمد خاتون إن دماء الشيخ النمر تملأ وجوه آل سعود وأجسادهم وتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم إلى يوم القيامة، وستلاحقهم في الدنيا وفي الآخرة.

واعتبر أن إعدام الشيخ النمر يحمل رسالة واضحة تقول إن النظام السعودي مصرّ على مواصلة طريق القتال والقتل التي لا مكان فيها لحوار أو تفاوض أو تعقل أو اعتدال. وأضاف: هم يقولون، نحن نظام لا يتحمل أي نقد، أو اعتراض، فإما أن تعيشوا في مملكتنا كالغنم أو تُذبحوا كالغنم.

وحذر من أن آل سعود يريدون فتنة سنية – شيعية، متوقفاً عند إدانة مرجعيات سنية وعلماء سنّة لهذا الإعدام، مشيرا الى أن هؤلاء يساهمون في منع تحقيق الفتنة، ومشيداً بهذا الدور التاريخي والإسلامي العظيم.

وشدد على أن «آل سعود هم الذين قتلوا الشهيد الشيخ نمر النمر، ونقطة على أول السطر، وهذا الموضوع لا يجوز وضعه في خانة أهل السنّة والجماعة»، منبّهاً الى أن الذهاب من خلال هذا الدم إلى فتنة سنية شيعية هو خدمة لقتلة الشيخ النمر وخيانة لدمائه.

وتساءل: أما آن الأوان كي نقول بشجاعة ومن دون أي حسابات أن منشأ ومصنع وأساس ومبدأ ومنطلق الفكر التكفيري الذي يدمر ويقتل ويرتكب المجازر ويهدد شعوب العالم كله من مسلمين ومسيحيين هو هذا النظام وهذه العائلة وهذه المدرسة في السعودية، وأن الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تقتل وتذبح هي مجرد أدوات.

وقال: إن الدماء المسفوكة ستكتب نهاية هذا النظام وهذه العائلة، وأنا أضم صوتي إلى صوت الجميع الذين قالوا إن ملامح نهاية هذا النظام الفاسد، المجرم، الظالم، المستبد، التكفيري، الإرهابي بدأت تلوح في الأفق.

الحريري يدافع

ولاحقاً، اعتبر الرئيس سعد الحريري أن «حزب الله، على جري عادته، يتصرّف بأنه مسؤول عن كل أبناء الطائفة الشيعية في العالم»، مشيرا الى أنه «على خطى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ينطلق من مرجعية سياسية زائفة، لإسقاط حدود السيادة الوطنية للدول، ويعطي نفسه حقوقاً غير منطقية للتدخل في شؤونها والاعتراض على قراراتها والإساءة لقياداتها، وإشهار سيوف التهديد والوعيد في وجهها».

وقال الحريري، رداً على كلام نصرالله: هناك من يتحدث عن السعودية ودورها ويطلق الاتهامات بحقها، كما لو أنه يتحدث عن نفسه وعن الحالة التي تعيشها إيران ويعاني منها الشعب الإيراني.

وأكد أن «حصر رد الفعل على أحكام الإعدام التي صدرت عن القضاء السعودي بالحكم الخاص بالشيخ النمر، هو وجه من وجوه التلاعب على الغرائز المذهبية».

ونبه «كل الذين يحبون المملكة ويعبرون عن التقدير والاحترام لقيادتها، الى أهمية عدم الانجرار للسجالات المذهبية»، داعيا «بعض قيادات الطائفة الشيعية في لبنان، للتعاون على رفض العمل الجاري لتأجيج المشاعر وإثارة النفوس، والتزام الحكمة في مقاربة التحديات الماثلة وحماية الاستقرار الداخلي الذي يجب أن يتقدم على كل الولاءات» (ص2).