لا يختلف المضمون العميق لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الى لبنان، عن المضمون العميق للتحولات في المنطقة والعالم. والمناخ المهيمن في أجواء عواصم القرار في العالم هو التناغم مع التوجه الذي رسمه وخطط له ثنائي موسكو وواشنطن، وبدفع مركزي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويتقاطع مع المصالح الأميركية، ومع مزاج ساكن البيت الأبيض في الهزيع الأخير من ولايته الرئيس باراك أوباما. واذا كان تدفق الوفود الروسية والأميركية وحراكها بين العواصم المعنية هو تركيبة من الشخصيات الدبلوماسية والعسكرية، فذلك لأن طبيعة الأزمات في المنطقة هي خلطة متفجرة بين التعقيدات السياسية والتناحر العسكري. ولأن طبيعة الأزمة في لبنان بامتداداتها الاقليمية هي سياسية في الأصل، مع تفاعلات اقتصادية ومالية واجتماعية، فقد ضم الوفد – الى الأمين العام الدولي – رئيس البنك الدولي، وبنك التنمية الاسلامي. ومع ذلك فإن صلب المعضلة اللبنانية يبقى الى اشعار آخر دون حل، وهو: هل تقود الحلول الاقتصادية أولاً، الى الحل السياسي؟ أم أن الحل السياسي ينبغي أن يكون هو الأسبق، تمهيداً لتدفق المال الدولي؟!
الأزمات الاقليمية ليست أقل تعقيداً… من سوريا الى العراق والى اليمن والى ليبيا، والى التمدد الارهابي والداعشي أساساً، الى أوروبا ومنها الى العالم… والمناخ الدولي السائد اليوم هو التوجه نحو ايجاد الحلول السياسية لتلك الأزمات، انطلاقاً من وقائع عديدة يتقدمها عاملان جوهريان. الأول، هو أن طواحين الحروب والتذابح والحرائق والتدمير أتعبت أصحابها والمتسببين بها، وهم في حاجة الى من ينزلهم عن أعلى الشجرة التي صعدوا اليها بعنادهم وأحقادهم وغرائزهم، وغبائهم أيضاً! وهذا ما يفعله اليوم الثنائي الدولي واشنطن وموسكو، سراً وعلناً. ويبادر هذا الثنائي الى رفع سلالم الاطفائية الطويلة الى أعلى الشجرة، على أيدي اطفائيين مخضرمين، يتقدمهم اليوم المبعوث الدولي ديمستورا الذي ينصب سلمه الاطفائي على الشجرة السورية… وهكذا يفعل زميله الآخر على الشجرة اليمنية. أما العامل الآخر فهو فجور الارهاب التكفيري وفي المقدمة الجنون الداعشي الذي خرج عن السيطرة، وأخذ يعربد بعيداً عن موطنه الأصلي، وأرسل موفديه ل السياحة في بلدانهم وأوطانهم المستعارة، ويزرعون فيها الهول والرعب والاجرام المتوحش…
المضمون العميق لهذا التوجه الدولي يمكن تلخيصه في كلمتين هما: صحيح أنكم تعبتم من حروبكم وعبثكم… ولكن الصحيح أيضاً أنكم أيضاً أتعبتم العالم معكم!
