يستمر أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم في خطابه التصعيدي في مواجهة الدولة التي تسعى لإعداد الخطط اللازمة لتنفيذ قراري مجلس الوزراء في 5 و7 آب المتعلقين بحصرية السلاح بقوى الشرعية، وبالطلب الى قيادة الجيش لوضع خطة عملانية لتنفيذ عملية نزع سلاح حزب الله، والانتهاء منها في آخر العام الجاري.
ولا يكتفي حزب الله بخطاباته التحذيرية للمسؤولين بل يرفع سقف رفضه للقرارين من خلال التهديد باللجوء الى الشارع لممارسة الضغوط اللازمة لإجبار الحكومة على الغاء قرارها بحصرية السلاح او على الاقل تعديله من خلال عدم ربطه بأجندة زمنية محددة او من خلال التركيز على الانسحاب الاسرائيلي الكامل من المواقع التي تحتلها القوات الاسرائيلية، وبشكل مخالف لنصوص الاتفاق حول تنفيذ القرار 1701 المتخذ في تشرين من السنة الماضية.
لا يبدو حتى الآن ان المواقف التصعيدية لأمين عام حزب الله تلقى اذاناً صاغية عند رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة اللذين لم يعيرا اي اهتمام للتهديدات بالنزول الى الشارع او بوقوع فتنة تقود الى حرب اهلية جديدة. وذهب رئيس الحكومة الى الرد على التهديدات باللجوء الى الشارع بأن الشارع سيقابله شارع آخر. وهذا ما كان يجري التحضير له من قبل الاحزاب الاخرى، فيما نفذ الحزب وأمل تهديدهما بالنزول والاعتصام في وسط بيروت.
لا يمكن توقع حصول تراجع في الموقف التصعيدي لحزب الله، ولكن يمكن ان يستمر الرئيس نبيه بري في كبح مساعي الحزب لتوحيد موقف الثنائي الشيعي في مواجهة قرارات الحكومة الساعية لاستعادة سيادتها على كل الاراضي اللبنانية.
في رأينا يدرك الحزب بأنه يخوض معركة غير متكافئة مع الدولة التي لا تستند فقط على قواتها الذاتية، بما فيها قواتها العسكرية بل تنعم بدعم غير محدود من الدول العربية ومن الولايات المتحدة وفرنسا.
تؤشر تصريحات المبعوث الاميركي طوم براك بعد زيارته لاسرائيل الى استعداد الولايات المتحدة لبذل اقصى جهودها في مؤازرة الدولة وقواتها المسلحة لإنجاح خطة حصرية السلاح. ويبدو بوضوح بأن الدور الاميركي قد تبدّل من دور الوسيط والمساعد لتشجيع الرئيس عون، ليأخذ طابع الشريك الفعلي في انجاح خطة الجيش في جمع السلاح من حزب الله ومن المخيمات الفلسطينية، ويمكن على صعيد هذا الدعم المتوقع للسلطة اللبنانية استقراء التصريحات الجديدة للموفد الاميركي بعد اجتماعه صباح امس بالرئيس جوزف عون حيث اوضح ما يمكن ان يتوقعه لبنان من مساعدات ودعم للنجاح في عملية حصرية السلاح واعادة بناء الدولة، ومساعدة لبنان، على المستوى الاقتصادي للنهوض من ازمته الراهنة.
اولاً، تحدث براك عن امكانية مشاركة الولايات المتحدة في تسهيل مهمات السلطة في نزع السلاح من خلال الوعد بتقديم تعويضات لاعضاء حزب الله الذين يتركون طوعاً سلاحهم. ومن المتوقع ان تؤدي مثل هذه الحوافز الى اغراء العديد من الشبان، في ظل الازمة المالية التي يواجهها الحزب بعد سد جميع منافذ التمويل والمساعدات السخية التي كانت تصله في السنوات السابقة.
ثانياً، يعود براك مع موقف واعد لانسحاب اسرائيل من الجنوب مع ربط هذا الانسحاب بآلية الخطوة مقابل خطوة، وتستند المواقف الاسرائيلية على قراءة موضوعية لأهمية القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء اللبناني، والتي في حال نجاحها ستحقق الامن والسلام لشمالي اسرائيل، الامر الذي لم يتحقق خلال العقود السابقة، من خلال التفوق العسكري الاسرائيلي.
ثالثاً، من الواضح بأن ادارة ترامب قد ارادت التأكيد على جديتها لدعم قرارات الدولة اللبنانية في موضوع استعادة السيادة حيث اوفدت عدة اعضاء بارزين في مجلس النواب والشيوخ من اجل اظهار وجود دعم سياسي عام للسلطة وتشجيعها على السير قدماً في تنفيذ قراراتها.
رابعاً، من المنتظر ان يصل الى بيروت وفد عسكري من القيادة الوسطى لدرس حاجات الجيش من الاسلحة والوسائل الاخرى لزيادة قدراته القتالية اللازمة سواءٌ للمهام التي يضطلع بها جنوبي الليطاني او لزيادة الثقة بقدراته اللازمة لمواجهة المتطلبات الامنية لمهمة جمع السلاح من حزب الله ومن المنظمات الفلسطينية.
خامساً، يبدو بأن الولايات المتحدة ستكون على استعداد مع الاصدقاء والحلفاء لتقديم الدعم الاقتصادي والمالي اللازم من اجل مساعدة لبنان على اعمار ما هدمته الحرب بالاضافة لمساعدة الاقتصاد اللبناني للنهوض من حالة الركود التي يواجهها منذ سنوات.
سادساً، لن تقتصر الجهود الاميركية على مساعدة لبنان لحل مسائل الحدود مع اسرائيل، بل ستعمل الدبلوماسية الاميركية على رعاية عملية تعاون بين سوريا ولبنان، وذلك من اجل ترسيم الحدود بين البلدين، ومن اجل ارساء قواعد التعاون والتعامل بين البلدين من دولة الى دولة، وهو الامر الذي افتقدته العلاقات بين دمشق وبيروت منذ اعلان دولة لبنان الكبير عام 1920.
سابعاً، يبدو بأنه في حال تجاوب لبنان مع المبادرة الاميركية الراهنة، فإن ذلك يفتح الباب للبحث في عقد اتفاقية دفاع مشترك بين الولايات المتحدة ولبنان وبما يعطي لبنان كل الضمانات لحفظ امنه وحقوقه مع اسرائيل وسوريا.
يقف لبنان على ابواب مرحلة جديدة، وهي تتطلب توحد اللبنانيين وتحلي الدولة بالشجاعة والجرأة للاقدام على تنفيذ قرارات مجلس الوزراء واستكمال بناء الدولة القادرة.
