حين كتبْنا بالخط العريض قبل نحو عام “أهلاً بكم في جمهورية خامنئي”، كان الوصف سياسياً بامتياز ويشير الى هيمنة محور اقليمي وحلفائه على القرار. ولم يكن في البال أننا سنصل الى “جمهورية الأمونيوم” التي دفنت “بيروت الحياة” تحت الركام.
حينذاك ثارت ثائرة “العهد” فلبَّت “النيابة العامة” النداء. ولولا ضمير بعض القضاة واندلاع ثورة 17 تشرين قبل لفظ حكم البراءة بأيام لربما أُودعنا السجن عقاباً على تعرضنا المزعوم لـ”مقام الرئاسة” المُصان في ثغرة بقانون المطبوعات… إنه المقام نفسه الذي قال بعد جريمة 4 آب: “كنت أعلم بنيترات الأمونيوم وليس لدي صلاحيات”.
كنا نعرف اننا في “جمهورية موز” عنوانها الفساد والإفساد، لكننا لم نكتشف أننا نعيش في “جمهورية الأمونيوم” إلا تلك العشية الرهيبة التي قتلت الكسندرا نجار والياس خوري وعلي مشيك وغيرهم عشرات، وبَقَرَت بطن “الجمهورية الثانية” لتندلق منه كل أوساخ الطبقة السياسية التي أجهزت منهجياً على البشر والحجر والاقتصاد على مدى ثلاثة عقود وحتى السادسة وسبع دقائق من الثلثاء الأسود.
“جمهورية الأمونيوم” هي المسخ المكتمل لدولة بلا رأس ولا أساس ولا مؤسسات، وليس لدولة تعتريها شوائب أو تسودها خلافات سياسية او يتناقش أهلها بشكل الحكومات وقوانين الانتخابات وكيفية تطوير النظام. هي النتيجة الطبيعية لانحسار سلطة الدولة الى حد الانسحاق أمام مصلحة أفرادِِ متسلّقين ومتسلّطين، ومصارف ناهبة، وأحزاب وحركات همُّها الهيمنة وخدمة الخارج والاستقواء، وسبيلها الى ذلك استتباع المؤسسات وتطويع الدستور.
إنها غابة “كنت أعلم” حيث لا يضطر مسؤولون كبار وصغار للإنكار لعدم توقّعهم أن يتعرضوا للحساب، وحيث يتشاركُ الجبنَ والاهمالَ والتواطؤ كلُّ مَن درى بوجود قنبلة موقوتة تستطيع تفجير بيروت ونَفَضَ يده بذريعة أنه أحال التبليغ أو غير صاحب اختصاص أو احترم التراتبية منتظراً جواباً “حسب الأصول”.
كان اللبنانيون يعرفون مآسي الدولة وعثراتها منذ بدأت الوصاية السورية وجرى الانقلاب على “اتفاق الطائف”. واهتز وعيهم في 14 شباط 2005 مدركين قبل حكم لاهاي بخمسة عشر عاماً أن الجريمة سياسية وأبطالها معروفون، غير ان لا أحد، خبيث نية أو صاحب فطنة، توقع ان يصل حجم التردي الى درجة السماح بحصول انفجار 4 آب.
لم يكن مرفأ بيروت قبل الانفجار مجرد مكان لرسو السفن وتحميل البضائع. كان “دويلة” محاصصة بين اطراف السلطة وأحزابها وأجهزتها أمناً وتزويراً ونهباً وتغطيةَ مخالفات. الخارج مولود والداخل مفقود حتى ولو كان رصيفاً او عنبراً او ثلاثة آلاف طن من النيترات. “دويلة المرفأ” ورعاتها كانوا يعلمون ان بيروت على فوهة بركان… ثم يأتي مَن يقول “لا علاقة لي على الاطلاق” لنتأكد اننا بتنا نعيش في عهد “جمهورية الأمونيوم” حيث لا يرفُّ جفنٌ لوجع الناس ولا خجل من احتقار الدول لدولتنا ولا حياء في السعي الى حكومة محاصصة جديدة… وحيث يمكن ارتكاب أكثر من 4 آب!