Site icon IMLebanon

ما بعد هوكشتاين: ولادة «منطقة مُتنازَع» عليها ولا ترسيم!

 

في انتظار أن يعود الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين بالجواب الإسرائيلي على التعديل اللبناني المقترَح على خطه المتعرج الذي طرحه في 8 شباط الماضي، تتعدّد القراءات التي تُحاكي المرحلة المقبلة، ذلك انه لم يُبلّغ أحداً بالمواعيد التي تحكم حركته المقبلة متمنياً التريّث للحصول على ردّات الفعل المنتظرة، وهو ما ترك الباب مفتوحاً أمام مجموعة من السيناريوهات، وهذه عيّنة منها.

قبل استعراض ايّ من السيناريوهات المرتقبة والتي يأمل المسؤولون اللبنانيون فيها منذ إنهاء هوكشتاين زيارته لبيروت مساء الثلاثاء الماضي، توقّف المراقبون امام فقدان اي اشارة شخصية صدرت عنه او عن اي جهة اميركية اخرى تلقي الضوء على المحطات المقبلة التي يستعد لها ومنها خريطة الطريق التي سيلجأ إليها لاستكمال مهمته. فللمرة الاولى وفي مثل هذه الزيارات المهمة لموفد على هذا المستوى لم تصدر السفارة الاميركية اي بيان يلخّص ما انتهت إليه واكتفت على ما يبدو بالتصريحات التي ادلى بها الى وسائل اعلام اميركية.

 

والى هذه الملاحظات المهمة، فقد تبيّن لاحقاً انّ أيّاً من المسؤولين اللبنانيين الذين التقوا هوكشتاين لم يكن لديه اي معلومات دقيقة عن طريقة مقاربته المقبلة لمهمته كوسيط مسهل وطريقة السعي الى نَيل الجواب الاسرائيلي على المقترحات اللبنانية وردّها خارج حديثه عن مهلة أقصاها عشرة ايام او اسبوعين، قبل ان يتمنى عليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان يكون الجواب سريعاً قدر الامكان، فالمرحلة دقيقة ولا يمكن ان تبقى هناك اي اسباب قد تقود الى اي عمل أمني يؤثر على السلم والأمن في لبنان والمنطقة.

 

وانطلاقاً من هذه المعطيات، توسّعت القراءات التي تُحاكي المرحلة المقبلة من دون قدرة احد على البَت بما هو منتظر، وخصوصاً على مستوى استئناف المفاوضات غير المباشرة المتوقفة منذ 5 ايار العام الماضي عندما جَمّدها سلفه جون دو روشيه قبل ان يتفرّغ لمهمته الجديدة كسفير لبلاده في قطر.

 

وبعيداً من المعلومات عن وجهته المقبلة، والتي بقيت ملكاً للمراجع الأمنية التي رافقت هوكشتاين الى صالون الشرف في المطار، فإنّ هناك من قال انه توجّه مباشرة الى بلاده، وتحدث آخرون عن زيارة قام بها الى مكان ما قبل ان يعود اليها. فالمهمة الطارئة التي أنجَزها في بيروت تقاطعت مع مجموعة من المهمات التي يقوم بها بصفته من المكلفين الكبار بشؤون أمن الطاقة العالمي لمعالجة الترددات الكبيرة التي تسبّب بها الغزو الروسي لأوكرانيا وما يمكن القيام به لضمان حاجة عدد من الدول الصديقة للولايات المتحدة من مصادر الطاقة تعويضاً عن النقص الحاصل نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا.

 

وقبل ان يضطرّ هوكشتاين لتلبية دعوة لبنان إلى هذه الزيارة العاجلة والسريعة، كان مُنهمكاً بمعالجة الأزمات الناجمة من المبادرة الروسية التي ردّت من خلالها على قرارات مقاطعة إنتاجها بوَقف تصدير الغاز من جانب واحد الى عدد من الدول الاوروبية الواقعة في محيطها الجغرافي وعلى تَماس مع المواجهة القائمة مع اوكرانيا، بعدما أفاضت بدعمها العسكري والمالي للحكومة الاوكرانية او هدّدت بمزيد من العقوبات التي أدّت الى إقصاء موسكو عن كثير من الاندية الدولية والمؤسسات الاممية، والتي لم توفّر الاحداث الثقافية والرياضية عدا عن حظر الأجواء أمام مسؤوليها الكبار الى درجة اضطرّ فيها وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى إلغاء بعض الزيارات الخارجية بعدما أقفلت جاراته مجالها الجوي أمام طائرته.

 

والى هذه الملاحظات الاساسية، ثمّة من يعتقد انّ نتائج زيارة هوكشتاين لبيروت كانت علنية الى درجة كبيرة، وأن مجرد تسرّب الخرائط المقترحة من الجانب اللبناني أفقدها سريّتها. وعليه، فإنّ من أبسط ما هو مفترض ان تكون اسرائيل قد بدأت في مناقشة وتحليل للموقف اللبناني الذي لم يقدّم اي معطيات مفاجئة او غريبة عن المتعاطين بهذا الملف من اساسه، وبكل الأبعاد العلمية والتقنية وقياساتها الخاصة بالخطوط البحرية وسيكون جوابها متوافراً في وقت قريب ان لم يكن قد بات جاهزاً. فالجميع يدرك انّ تل ابيب لا تحتاج الى استشارات داخلية، فالقرار موجود في مكان واحد والدليل انّ اي موفد اميركي او أجنبي لا يحتاج الى القيام بجولات مكوكية في تل أبيب كالتي يُجريها بين المقرّات الحكومية والسياسية والأمنية والديبلوماسية في بيروت.

 

وتأسيساً على ما تقدّم من معطيات، فإنّ هناك من يترقّب المرحلة الفاصلة بين مغادرة هوكشاين بيروت وموعد زيارته المقبلة لإسرائيل إيذاناً ببدء جولاته المكوكية ان قرّر القيام بها بين بيروت وتل أبيب في وقت يعتبر كثر انّ مثل هذه الجولات مُستبعَدة راهناً. ويستند أصحاب هذه النظرية الى معلومات تفيد انّ ما أنجزه قد يؤدي الى ستاتيكو جديد. وعليه، فإن لم يَقم هوكشتاين بزيارة سريعة الى اسرائيل فإنّ ذلك قد يشكل مؤشراً لهذه الاستراتيجية الجديدة التي سيعتمدها بعدما اطمأنّ إلى التعهدات المتبادلة بعدم القيام بأي عمل عسكري. وهو ما سيسمح له بإطلاق نظرية جديدة تقول بتجميد العمل من الجانبين اللبناني والاسرائيلي في المنطقة المتنازَع عليها ما بين الخطين 23 و29 – على رغم من عدم الاعتراف الجامِع بالخط الثاني – الى مرحلة غير بعيدة الى حين اعادة إطلاق المفاوضات في الناقورة.

 

وبناء على ما تقدّم، يبدو للمراقبين الأكثر اطلاعاً على ما يجري في المنطقة والتحضيرات الجارية لتسويق الغاز المصري والاسرائيلي في اوروبا في اعتباره المخزون الاقرب اليها والاقل كلفة بدلاً من الغاز الروسي، انّ على لبنان انتظار ما ستؤول اليه نتائج زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى اسرائيل والمملكة العربية السعودية لاستكشاف مستقبل الطاقة وتكلفتها، فإن تَجاوَبت الرياض مع مطالب واشنطن بزيادة إنتاجها قبل نهاية الصيف المقبل ستتراجع أسعارها العالمية وتتوافَر الكميات التي تغطّي النقص الحاصل، عندها يمكن التفرّغ مجدداً لملف ترسيم الحدود.

 

ولذلك اختصر أحد الخبراء المشهد الذي تَبعَ زيارة هوكشتاين، وقال: «أيّاً كان الجواب الاسرائيلي فإنّ التفاهم عن بُعد حول حجم المنطقة المتنازع عليها قد يسمح باستئناف لبنان أعمال الاستكشاف في اي منطقة تبتعد عنها مقابل أن تستمر «اينيرجين باور» في مهمتها طالما انها تعمل في منطقة خارج تلك المتنازَع عليها. ولذلك، قد يكون تمديد وزير الطاقة مهلة تقديم طلبات الاشتراك في دورة التراخيص الثانية إلى 15 كانون الأول 2022 المقبل لإتاحة الفرصة المفقودة امام لبنان للقيام بما لم يكن مسموحاً به من أعمال الاستكشاف وليس إفساحاً في المجال لشركات إضافية غير العاملة حالياً في المياه البحرية اللبنانية كي تحضّر ملفاتها ودراساتها والاشتراك في هذه الدورة كما أعلن وحسب. ولينطلق من بعدها مشوار لبنان مع الثروة الغازية حيث يريد وفي أي بلوك بعيداً من المنطقة المتنازَع عليها.