Site icon IMLebanon

النهار: شرعيتكم سقطت… متى ترحلون؟

 

… وماذا بعد؟ ثلاثة أيام بعد الزلزال ولبنان بكل مناطقه تحول الى مشهد جنائزي تتوزع في أنحائه مواكب التشييع والجنازات والدموع الحارقة فيما مشهد الدمار في بيروت والمناطق التي ضربها إعصار مرفأ بيروت تشهد على حرقة النبض التطوعي الواسع لشباب لبنان وشاباته من جهة، والتصاعد غير المسبوق لغضب حارق ينذر بتطورات ربما تبلغ هذه المرة ذروة الخطورة. ومع ذلك فان كل هذا الغليان والغضب والأسى وكل هذا النبض الحارق المتفجر للبنانيين الذين سقطت على رؤسهم كارثة انفجار 4 آب كانها نهاية الطريق في سلاسل الكوارث وذروتها المأسوية المفجعة، لم يجد جسر وصل بعد برموز السلطة من رأس الهرم الى أسفله، فاذ بنا البارحة تماما امام مشاهد تقليدية من التصريحات والكلمات البائدة التي ان وجد من سمعها فهي عكست البهتان والتكلس وانعدام استعدادات اهل العهد والحكومة والسلطة لفهم وإدراك ان الزلزال الذي انفجر في 4 آب كانت له امتدادات زلزالية لا تتوقف عند مئات الشهداء وألوف الجرحى ومئات الاف المتضررين، بل ضربت أولا وأخيرا كل رموز السلطة من اعلى الهرم الى أسفله بما يستحيل بعد الزالزال ان يمضي كما كان قبله في واقع العهد والحكومة والسلطة وحتى مجلس النواب نفسه. ولسوء حظ المسؤولين المعنيين في رأس الهرم أولا أي رئيس الجمهورية ميشال عون انه اختار او ترك لفريقه اختيار لحظة شديدة السوء في الإطلالة على الاعلام غداة الزيارة الخارقة للرئيس الفرنسي مانويل ماكرون لبيروت وما تخللها من محطات مذهلة في كشف واقع سقوط الثقة الشعبية اللبنانية سقوطا مدويا بالعهد والرئيس والحكومة والطبقة السياسية بأسرها. لم يقنع كلام رئيس الجمهورية قطعا كل هؤلاء الذين انتظروا ان يظهر العهد أولا استعداده لاستجابة تداعيات الكارثة وما سبقها من أزمات صار العهد رمزا لاهوالها. كما لن يقنع أي نهج ستمضي فيه حكومة حسان دياب اليوم وغدا وبعده أفواج الضحايا اللبنانيين شهداء وجرحى ومصابين وذوي مفقودين تحت الركام والحطام في ليل أسوأ ما اقترفته دولة وسلطة في العالم من اهمال او تواطؤ او قصور او تآمر ادت في النهاية الى ما بات يصنف بانه احد أسوأ الانفجارات غير النووية في العالم. كان مشهد لبنان الحقيقي الحارق امس بين ايدي عشرات الشباب والشابات المتطوعين رافعين المكانس والرفوش في ورشة رفع الركام والحطام وتنظيف شوارع بيروت الجريحة وأحيائها ومناطقها المتضررة وقد توافدوا من سائر المناطق اللبنانية. هؤلاء الى الحيز الأكبر المتعاظم من اللبنانيين باتوا في الضفة الأخرى تماما من واقع الانهيار اللبناني يترقبون إشارة او مبادرة تنبئ بان اهل العهد والحكم والحكومة والسلطة التقطوا شيئا مما صار وقته البارحة قبل اليوم واليوم قبل الغد . انها حقيقة الانهيار التام الناجز الكامل لبقايا مهترئة بالثقة بكل الطبقة الحاكمة والرسمية سواء شاءت الاعتراف بذلك ولو متأخرة جدا بحيث لن يعود ينفع الاعتراف امام أسوأ ما قد يتطور اليه الوضع او استمرت في سياسة الانكار المدمر وطمر الرؤوس في رمال الهروب من الحقائق العارية والحارقة. ارتفع عدد الشهداء امس الى ما يتجاوز ال 154 شهيدا وفاق عدد الجرحى الـ5000 ويستحيل حتى الان حصر الحصيلة الإجمالية للزلزال فيما تتوالى الانباء الصادمة عن قصص الفواجع مثل استشهاد الطفلة ألكسندرا نجار. ويبكي لبنان شجعانا وأبطالا مثل جو عقيقي وعلي مشيك وعشرات مثلهم وقلبه يعتصر خوفا على عشرات آخرين من المفقودين. في هذا العبق الصادم المحزن وبعد النموذج التعبيري الصارخ الذي شكل ذروة زيارة الرئيس ماكرون وتحول استفتاء حارا حارقا ضد العهد والسلطة يرتسم السؤال الحائر المخيف: ماذا تراهم ينتظرون لاطلاق شرارة واحدة وحيدة لا سبيل سواها لوضع البلاد امام انقاذ حقيقي قبل خرابه خرابا مبينا؟ لقد سقطت مع الثقة المنهارة شرعية السلطة بكل مستوياتها وليس ما يجري في الشارع منذ انتفاضة 17 تشرين الأول أساسا فكيف الان؟ ولعل أسوأ ما يعكسه اهل العهد والحكومة والسلطة وكذلك مجلس النواب ولو منتخبا قبل سنتين ونيف ان يحتموا وراء شرعية صارت هي الأخرى ركاما وحطاما ولن تنفع في ترميمها كل الألاعيب السخيفة وكل الكذب وكل الكلام الخشبي وكل المناورات واصطناع التحسس مع الناس. امام صور شهداء قضوا في الانفجار او جرحى يعانون الام جراحهم وذوي ضحايا ومفقودين وكل الذين دمرت بيوتهم وممتلكاتهم ماذا تراهم ينتظرون بعد لكي يعلموا ان وقت الرحيل حان بل تأخر اكثر مما يمكن الاحتمال ووقت الانتخابات المبكرة رئاسية ونيابية شاملة قد أزف أخيرا ؟ بالأمس لاقى الشارع النابض بالغضب والمبادر تطوعا الى تنظيف بيروت السيدة ماجدة الرومي كرمز وصوت للثورة غداة ملاقاته ايمانويل ماكرون كرئيس اجنبي فرض حضورا أخاذاً في لحظة افتقاد اللبنانيين الى رموز تغيير. ماذا تراهم ينتظرون بعد من رسائل الشارع والمناطق والناس والضحايا والمعذبين والساخطين والغاضبين ؟ لقد استقال في أوقات متزامنة في الأيام الأخيرة الوزير السابق ناصيف حتي والنائب مروان حماده وسفيرة لبنان في الاردن تريسي شمعون ويتجه النائب نديم الجميل في الساعات المقبلة الى الاستقالة فيما ترددت معلومات تكتمت عليها الأوساط الكتائبية المعنية عن امكان ان يعلن رئيس الحزب النائب سامي الجميل استقالة نواب الحزب اليوم خلال مأتم الأمين العام الراحل للحزب نزار نجاريان. فلماذا لا تنطلق الموجة بأوسع مدى وتفرض التغيير الكبير من فوق الى تحت على كل مستويات السلطات؟

 

وما دام الشيء بالشيء يذكر هل من يملك إجابة قاطعة مقنعة تبدد الفضيحة الأحدث التي فجرها امس تحديدا النائب وائل أبو فاعور عن بدء عملية لإخفاء الجريمة مشيرا الى ” قاض يحسب على رئيس الجمهورية تجب حمايته وموظف محسوب على رئيس الحكومة تجب حمايته ويجب حماية بعض القضاء المتورط من رأسه حتى اخمص قدميه “. وجزم بان رئيس الجمهورية على علم بأمر مخزن المواد المتفجرة منذ توليه الرئاسة والأجهزة الأمنية أخبرته مرات عدة كان آخرها في 20 تموز الماضي كما ان امن الدولة اخبر رئيس الحكومة حسان دياب خطيا بخطر المتفجرات في 24 حزيران و20 تموز .

 

وما تجدر الإشارة اليه أخيرا ان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله سارع امس الى النفي “نفيا قاطعا مطلقا حاسما جازما بان لا شيء لنا في المرفأ لا مخزن سلاح ولا صواريخ ولا بندقية ولا قنبلة ولا رصاصة ولا نيترات” ووصف المواقف المسبقة التي “حرضت على الحزب بانها على مستوى عال من الظلم والتجني “. اما المفارقة اللافتة في كلمة نصرالله فتمثلت في مرونته غير المألوفة حيال التحرك الخارجي في اتجاه لبنان انطلاقا من ترحيبه بزيارة ماكرون قائلا انه ينظر بإيجابية الى كل زيارة ومساعدة في هذه الأيام .

 

وفي تطور يكتسب دلالات بارزة سارع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى الرد على نصرالله فقال ” لن ادخل في جدل مع نصرالله لكن هناك سؤال هل من الممكن الا يعلم حزب الله بان هذه الكمية من النيترات موجودة منذ عام 2014 ؟ استخبارات الحزب قوية جدا فلماذا لم يبلغوا الدولة عن مثل هذا الخطر”.