الرئيس عون:نعمل من خلال التفاوض على تثبيت الأمن والاستقرار خصوصاً في الجنوب، والتفاوض لا يعني استسلاما. إني كرئيس للجمهورية، سأسلك أي طريق يقودني إلى مصلحة لبنان، والمهم في ذلك إبعاد شبح الحرب وإعادة الإعمار
تقدمت الأجواء المحتدمة عشية الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم، المشهد السياسي الداخلي إلى حدود أنها حجبت التطورات البارزة المتوقعة اليوم وغداً من خلال لقاءات باريس ومن بعدها اجتماع لجنة الميكانيزم، وهي اجتماعات تتّسم بطابع مفصلي في سياق المساعي الكثيفة للجم إسرائيل عن تفلّت حربي واسع في لبنان. وجاء احتدام الانقسام حول الجلسة التشريعية في ظل “استدراج” الرئيس بري لشريحة نيابية أبرزها نواب عكار من خلال إدراج مشروع قانون أساسي للشروع في ورشة مطار القليعات، وضرب عرض الحائط بموقف الكتل المعارضة للجلسات قبل إدراج مشروع قانون تعديل قانون الانتخابات النيابية، الأمر الذي واجهه رأس حربة المعارضة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بتصعيد عنيف للمواجهة مع بري وسط ترقّب مثير لمجريات جلسة اليوم وما إذا كانت ستمر بنصاب قانوني.
ولعل اللافت في الأمر أن الاجواء المتصاعدة “سمحت” بتمريرة نائب رئيس المجلس الياس بو صعب حيال التأجيل التقني للانتخابات لشهرين، بما يعكس تداول الكثير من الاحتمالات المتصلة بالاستحقاق الانتخابي في الكواليس.
ولن تقف الأولويات الداخلية عند هذا الاحتدام، إذ لن تعقد جلسة لمجلس الوزراء اليوم لمصادفته الجلسة التشريعية وزيارة رئيس الوزراء المصري لبيروت. ولكن ثمة اتجاه إلى تحديد موعد استثنائي آخر لانعقاد مجلس الوزراء الاثنين المقبل وعلى جدول أعماله الملف البارز والمهم الذي طال انتظاره وهو مشروع قانون الفجوة المالية الذي من المقرر أن يعرض على مجلس الوزراء لإقراره بصورته النهائية.
ومع تزاحم الأولويات والملفات الأساسية، اجتمع رئيس الجمهورية جوزف عون أمس مع رئيس الوفد المفاوض في “الميكانيزم” السفير السابق سيمون كرم، وزوّده بتوجيهاته قبيل الاجتماع المقرر للّجنة غداً الجمعة. وفي السياق، أكد عون خلال استقباله المجلس الجديد للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، “أننا نعمل من خلال التفاوض على تثبيت الأمن والاستقرار خصوصاً في الجنوب، والتفاوض لا يعني استسلاما”، مشيراً إلى “أني كرئيس للجمهورية، سأسلك أي طريق يقودني إلى مصلحة لبنان، والمهم في ذلك إبعاد شبح الحرب وإعادة الإعمار وتثبيت الناس في أرضهم وإنعاش لبنان اقتصادياً وتطوير دولته”. وشدّد على ضرورة نقل الاغتراب الصورة الحقيقية عن لبنان في الخارج، “لأنه وللأسف، فإن البعض من اللبنانيين فيه ينقلون الصورة السيئة”، معتبراً أن من يسوّق للحرب انفضحت لعبته لأن ثمة من يعيش على نفس الحرب لإجراء الانتخابات على أساسها، مطمئناً إلى أن الوضع في لبنان جيد وزيارة البابا أعطت صدى إيجابياً.
وتزامن ذلك مع معلومات عن إجراء الجيش اللبناني كشفاً داخل بلدة تولين في جنوب الليطاني، في مكان كان تعرّض سابقاً لغارة إسرائيلية، بناءً على طلب من “الميكانيزم”، على خلفية ادّعاءات إسرائيلية بوجود نفق في المنطقة. وأشارت المعلومات إلى أن الجيش عثر فعلاً على نفق في المكان يعود إلى “حزب الله”.
أما في الملف النيابي – السياسي الذي شهد توهّجاً لافتاً أمس، فاتجهت الأنظار إلى موقف “تكتل الاعتدال الوطني” الذي يشكّل بيضة القبان لتأمين نصاب جلسة اليوم، حيث ستتطرق الجلسة إلى ملف مطار القليعات، وبات معروفاً أن كتل “الجمهورية القوية” والكتائب و”تجدد” والنائب أشرف ريفي و”تحالف التغيير”، سيقاطعون. ولكن “تكتل الاعتدال” أعلن مساءً أنه “قرر إعطاء فرصة جديدة للتسوية ولكن هذه المرة من خلال حضور الجلسة لإقرار القوانين التي تهم الناس”، وطالب بري بإدراج مشروع قانون الحكومة لتعديل قانون الانتخاب على جدول أول جلسة تشريعية.
في السياق، استقطبت الاهتمامات حملة حادة تولّاها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في مواجهة بري، إذ اتهمه بأنه “يحاول ابتزاز نواب الشمال في بند مطار القليعات، علماً أنّ بند مطار القليعات كان قد أُقِرّ في الجلسة الماضية، وأصبح بحكم النافذ انطلاقًا من النظام الداخلي للمجلس النيابي، الذي ينصّ في المادة 60 على أنّه إذا لم تُقفل الهيئة العامة، لأي سبب من الأسباب، محضر جلسة ما، فإنّ هيئة مكتب المجلس تجتمع وفقا للأصول وتصدِّق على المحضر” وقال جعجع: “جميعنا نريد مطار القليعات، وقد ناضلنا كثيرًا في سبيل الوصول إليه، لكن لا يجوز أن نترك الرئيس بري يستخدمه لابتزازنا، ولمزيد من الابتزاز في عمل المجلس النيابي”. ثم أصدر بياناً ثانياً اعتبر فيه “أن الذرائع التي يسوقها البعض لحضور جلسة اليوم بحجة وجود قوانين معيشية على جدول أعمالها، وبحجة أن هناك قروضاً من البنك الدولي للبنان إذا لم تقر تصبح لاغية، ليست في محلها إطلاقاً. إن ذلك كله خطأ فوق خطأ. فقروض البنك الدولي تبقى قائمة ولو لم تقر في هذه الفترة، وثانياً إن أي قانون يقر في هذا الجو سيكون قانوناً معتورا، أقر بشكل معتور، وفي مجلس نيابي يدار بشكل معتور”.
وإذ يشارك “اللقاء الديموقراطي” في الجلسة، حذّر عضو اللقاء النائب وائل أبو فاعور من أنّ نقاش اللجان النيابية حول قانون الانتخاب “لا يبشّر بخيرٍ وفير بسبب غياب التسوية السياسية التي تعكس نفسها على إنتاجية أو عقم عمل اللجان. ولذلك فإنّ كل تأخير في إنتاج هذه التسوية يضاعف المخاطر على الانتخابات النيابية، ويوجّه طعنة نجلاء لمسيرة بناء الدولة واستعادة سلطتها”. وأكّد “أنّ أي تلاعب بهكذا استحقاق دستوري ومفصلي مرفوضٌ من قِبَلنا كلقاءٍ ديموقراطي، ونحن نصرّ على تثبيت مبدأي إجراء الانتخابات في موعدها مع استعدادنا للبحث في تأجيلٍ تقني لا يتجاوز الشهرين كحدٍ أقصى، وتثبيت حق المواطنين خارج لبنان في المشاركة الفاعلة في الانتخابات النيابية للاقتراع للنواب الـ128، بما يعنيه ذلك من مساهمة فاعلة في صنع السياسات العامة”.
وتوقف المراقبون بكثير من التدقيق عند إطلاق نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب موقفين لافتين بعد لقائه رئيس الجمهورية في بعبدا، الأول، قوله: “لمست لدى الرئيس تمنياً على جميع النواب الموجودين في كتل، أو المستقلين، أن يحضروا الجلسة التشريعية لأن هناك قوانين تعني المواطنين وقوانين إصلاحية، وهو ضد شلّ عمل التشريع بأي شكل من الأشكال لأن كل ما يمكن للإنسان مناقشته، يناقش في الاجتماعات ومن خلال الحوار والتشاور”.
والموقف الثاني تلويح بو صعب علناً بفتح المهل من جديد، وقال: “يعني ذلك أننا سنؤجل الانتخابات ولو تأجيلاً تقنياً. التأجيل التقني إذا أقرينا هذا التعديل في شهر واحد، لأن الوقت يداهمنا، فإن هذا يعني أن الأمور ذهبت إلى شهر آب وليس إلى حزيران أو تموز. لماذا؟ لأن هناك مهلاً معينة علينا احترامها حتى يتمكن وزير الداخلية من إنجاز التعديلات المطلوبة. وبكل الأحوال إذا كان الجميع يطالب حالياً ويريد بالفعل الانتخابات لـ128، فهذا يعني أنه يطالب في الوقت نفسه بالتأجيل التقني لأن الأمور لا تتم خلاف ذلك”.