IMLebanon

التعبئة تتهاوى والعهد يستدرك الاستشارات قبل ماكرون؟

قد يشكل توافد الزوار والمسؤولين والموفدين الغربيين والعرب الى بيروت إظهارا للتعاطف الدولي مع اللبنانيين في محنتهم الشديدة عقب انفجار المرفأ بعض العزاء لـ” الشعب اللبناني” الذي بات العنوان الحصري للخطاب الديبلوماسي العالمي في التعامل مع لبنان تمييزا للموقف الدولي بين اللبنانيين والسلطة الفاقدة كل صدقيتها. ولكن هذا التوافد المتواصل منذ غداة انفجار 4 آب لن يكفل للسلطة اطلاقا أي تعويم سياسي ترجوه وتعتقد انها لا تزال قادرة على تمرير مناوراتها داخليا وخارجيا على رغم كل الاهوال التي تسببت بها للبلاد. ولعل الأسبوعين الأخيرين من المماحكات التي طبعت سلوك العهد وبعض حلفائه في التعامل مع الاستحقاق الحكومي الساخن زادا اكثر فاكثر في الاقتناع العام الساحق بان لا امل يرجى في تغيير سلوكيات هذه السلطة ولو اضطر ممثلو العالم الخارجي راهنا على الاستمرار في إيصال رسائل الدعم الى اللبنانيين مرورا بقنوات الأصول الديبلوماسية عبر الطبقة الحاكمة الحالية. ومع ذلك يمكن القول ان معالم انهيار كل صدقية هذه السلطة وبقايا مهابتها لم تتأخر عن التفكك والتهاوي والانهيار في ظل ظاهرة تفاقمت معالمها بقوة في الساعات الأخيرة. يتعلق الامر هنا بقرار العهد والسلطة والحكومة المستقيلة إجراءات التعبئة في ما سمي الاقفال الثاني الذي حدد بين 21 آب و7 أيلول لمكافحة الانتشار المتسع بخطورة عالية لوباء كورونا في لبنان. غير ان الامعان في تكرار الإجراءات السابقة من دون تعديلات تفرضها الظروف الطارئة التي المت بالبلاد، ناهيك بتفاقم مخيف للأحوال الاجتماعية والاقتصادية كما للنقمة الشعبية بعد انفجار 4 آب لم تمر في مرصد سلطة فطرت على المكابرة الفارغة في اتخاذ قرارتها. وكان ان بدأت ظاهرة التفلت بل والتمرد العلني على إجراءات التعبئة تتصاعد تباعا وبلغت ذروتها امس في اول أيام الأسبوع حيث يمكن القول انه شهد شبه انهيار للإجراءات مع زحمة سير خانقة وفتح متاجر وأسواق ومحال تجارية بما عكس انهيار مهابة السلطة تماما. وبازاء تمرد فئات وقطاعات عدة على إجراءات التعبئة، على الخطورة التي تشكلها هذه الظاهرة بالنسبة الى تفلت إجراءات الحماية والوقاية من الوباء، بادرت جمعية تجار بيروت الى الاعلان بلسان رئيسها نقولا شماس وفي اجتماع طارئ لنقابات القطاعات التجارية بانها ستعيد فتح المحلات غدا الأربعاء وإسقاط القرار “الظالم” للدولة، وهو القرار الذي اعلن وزير الدخلية محمد فهمي لاحقا “تفهمه” وإعلانه انه سيرفع الاقفال في الساعات المقبلة شرط التزام البروتوكول الصحي والوقائي .

التخبط السياسي
في غضون ذلك كان التخبط السياسي حيال الاستحقاق الحكومي يبلغ ذروته وسط تمادي التبريرات الواهية للتأخير في تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف تأليف الحكومة الجديدة بفعل ترسيخ عرف “التأليف قبل التكليف” الذي ينذر بتفاقم حالة الغضب السني والذي ينتظر ان يترجمه بيان لرؤساء الحكومات السابقين وصف بانه سيتضمن موقفا بنبرة عالية جدا ضد تجاوز العهد الأصول الدستورية. ولعل ما ينذر بتصاعد المواجهة السياسية في اتجاهات عدة ما نقلته أوساط سياسية مطلعة من انه لدى محاولة رئيس مجلس النواب نبيه بري الأسبوع الماضي اقناع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بان الرئيس سعد الحريري هو الرجل المؤهل لرئاسة الحكومة لمواجهة متطلبات المرحلة الصعبة المقبلة وان هذا الخيار هو لمصلحة العهد وانتشاله في السنتين المتبقيتين منه، بادر عون الى الرد طالبا بألا يؤتى على ذكر سيرة الحريري معبرا عن رفضه لعودته وانه سيأتي بنفسه بسني ملائم للمرحلة المقبلة. وقد ترك ذلك تفاعلات حادة للغاية داخل الأوساط السنية لجهة المضي في لعبة خطيرة يبدو من خلالها ان رئيس الجمهورية هو من يختار رئيس الحكومة بالتوافق مع حلفائه الشيعة.

وبرزت في سياق التحركات السياسية المتصلة بالاستحقاق الحكومي زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مساء امس بيت الوسط حيث اجتمع مع الرئيس سعد الحريري في حضور النائب وائل أبو فاعور والوزير السابق غطاس خوري . وعلمت ” النهار” ان اللقاء اتسم بأجواء وصفت بانها ودية وصريحة.

وبازاء أجواء الاحتقان والخشية من تأثير المماطلة في الاستشارات على أجواء زيارة الرئيس الفرنسي لبيروت سارعت مصادر قريبة من بعبدا الى ترجيح اجراء الاستشارات النيابية الملزمة قبل نهاية الأسبوع الحالي وعلى الأرجح بين الخميس والسبت وهو ما سيتأكد اليوم .

ولوحظ ان الدوائر القريبة من بعبدا بدأت امس تسريب اسم النائب فؤاد مخزومي كمرشح غير معلن الى جانب الاسم المعلن للرئيس سعد الحريري.

ولوحظ ان مصادر وثيقة الصلة بقصر بعبدا عولت على اللقاء الذي جمع الحريري وجنبلاط وعلى لقاءات ومشاورات أخرى منتظرة في الساعات المقبلة لبلورة الموقف ومعرفة اتجاهات القوى المختلفة. لذا تريثت هذه المصادر في تحديد مواعيد للاستشارات ولو انها لمحت الى أنها ستكون قريبة .

ماكرون … وإيطاليا

واذا كان من الثابت حتى الان ان زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبيروت في اول أيلول لا تزال قائمة في موعدها كما اكدت لمراسل “النهار” في باريس مصادر فرنسية مسؤولة، فان ذلك لا يحجب تصاعد حالة القلق الكبير لدى باريس حيال الوضع في لبنان في ظل التعثر الواضح في عملية الاستحقاق الحكومي وهو قلق يبلغ حدود تخوف باريس من انفجار الوضع في لبنان . كما ان هذه المعطيات لا تبدو بعيدة ابدا عن دول أخرى صديقة للبنان بدليل الحركة الكثيفة واللافتة لزيارات المسؤولين والوزراء والموفدين الأجانب والعرب الى بيروت . وفيما برزت امس زيارة وزير الدفاع الإيطالي لورينزو غويريني لبيروت من المتوقع ان يقوم رئيس الوزراء الإيطالي جيوسيبي كونتي بدوره بزيارة وشيكة كما يصل اليوم وزير الخارجية القطري ويصل غدا وزير الخارجية الكندي .

واتخذت الحركة الإيطالية تجاه لبنان بعدا بارزا اذ شكل جسر المساعدات الطبية والهندسية والاعمارية والتقنية الذي نقلته اثتتان من سفن البحرية الإيطالية العملاقة احد اكبر المساعدات التي تلقاها لبنان منذ الانفجار. واعلن وزير الدفاع الإيطالي امس “وقوف إيطاليا الى جانب الشعب اللبناني في هذه المحنة وسنستمر في بذل كل ما في وسعنا لمساعدة الشعب اللبناني والدولة اللبنانية للاستجابة لكل المطالب والحاجات “. كما بدا لافتا عقب لقائه والرئيس عون انه اعرب عن “امله في ولادة حكومة جديدة قادرة على إدارة عملية إعادة الإعمار وتلبية حاجات الناس في شكل فعال “.