اختلط الحابل بالنابل، ويبدو ان التطورات الاخيرة، السياسية كما الميدانية، تتسارع في اتجاه منزلق خطير، لا تقوى معه القوى السياسية على اعادة الامساك بالوضع، كما اعتادت في مراحل سابقة، اذ ان وقع الضائقة الاقتصادية سيجرف معه كل المحاولات المسماة “اصلاحية”، ويتجه الشارع الى حركة تصعيد بدأت في الايام الاخيرة في المناطق واتخذت في عطلة نهاية الاسبوع منحى عنفي عبر رمي عبوات حارقة على مصارف في صيدا وصور، ربما تمتد الى مناطق اخرى مهددة عمل المصارف، ومؤثرة بشكل سلبي على الاستقرار الذي يشكل ارتفاع سعر الدولار اكبر تهديد له.
وفيما بدا ان جدول اعمال مجلس الوزراء ليوم غد اصلاحي بامتياز اذ يركز على استعادة الاموال المنهوبة، وتلك المهربة الى الخارج ما بعد 17 تشرين الاول 2019، وقت صدور قرار بمنع التحويلات، وخصوصا في الشهرين الاولين من السنة الجارية حيث راوحت الارقام ما بين ثلاثة وخمسة مليارات دولار، تخوف كثيرون من نية الانتقام في استعادة لمطلع عهد الرئيس اميل لحود حيث فتحت الملفات بطريقة عشوائية انتقامية ادت لاحقا الى توقف العجلة الحكومية برمتها ودخول البلاد في تعطل وجمود.
اهل السلطة يعتبرون ان الهجمة التي انطلقت عقب كلام الرئيس حسان دياب الجمعة والتي اعلن فيه “البيان رقم واحد”، يحركها المنتفعون من المرحلة السابقة والذين يرفضون فتح الملفات والمحاسبة لانها تطاول معظمهم. وقال مصدر وزاري لـ”النهار” ان “معظم الذين يشككون في الخطوات الاصلاحية بيوتهم من زجاج، وقد حكموا طويلا، ولم يقوموا باي عمل اصلاحي، بل افلسوا الدولة ونهبوا خيراتها، وهم يطالبون بالاصلاح ويحولون دونه، بل يعطلونه خوفا من افتضاح امرهم”.
في المقابل، ركزت مصادر المعارضة للحكومة على ان المتورطين بالفساد الحقيقي من التهرب الجمركي، والمعابر غير الشرعية، والكهرباء، وملف النفط، اعضاء في الحكومة الحالية، واي محاسبة حقيقية يجب ان تبدأ بهم. والذي افلس البلد ليس الحاكم رياض سلامه بل اجراءاتهم ومواقفهم التي جعلت دول العالم تقاطع لبنان وتحجب عنه المساعدات وتفرض عليه العقوبات”.
واذا كانت المواقف المتشابكة والمتضاربة، تزامنت مع توزيع جدول اعمال مجلس الوزراء الذي اعتبره البعض بمثابة “اعلان حرب”، تخوف مصدر مصرفي عبر “النهار” من محاولة الحكومة تحميل المصارف بعد الحاكم مسؤولية التدهور المالي الناجم من افلاس الدولة، خصوصا ان حملة اطلقت قبل يومين تتهم اصحاب المصارف واعضاء في مجالس ادارتها، سياسيين وغير سياسيين، بتهريب المليارات في الاشهر الاخيرة. واعتبر ان “هذه المحاولة تستهدف في ظاهرها القطاع المصرفي، وفي باطنها النظام الاقتصادي والمالي للبنان الذي نعاه اخيرا رئيس مجلس الوزراء”.
وهذا الجانب حذر منه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي الذي رأى ان النهج المتبع جزء من مخطط لتغيير وجه لبنان. وقال في عظة الاحد: فيما كنا ننتظر من رئيس الحكومة إعلان خطتها الإصلاحية العادلة واللازمة التي تختص بالهيكليات والقطاعات، والتي من شأنها أن تقضي على مكامن الخلل الأساسية والفساد والاهدار والسرقة والصفقات والمرافق والنهب حيث هي، وفيما كنا ننتظر منه خطة المراقبة العلمية والمحاسبة لكل الوزارات والإدارات والمرافق العامة، فإذا بنا نفاجأ بحكم مبرم في حق حاكم مصرف لبنان، من دون سماعه وإعطائه حق الدفاع عن النفس علميا، ثم إعلان الحكم العادل بالطرق الدستورية. أما الشكل الاستهدافي الطاعن في كرامة الشخص والمؤسسة التي لم تعرف مثل هذا منذ إنشائها في عهد المغفور له الرئيس فؤاد شهاب، فغير مقبول على الإطلاق”.
اما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فاعتبر في حديث الى “العربية” ان “حسان دياب لا شيء بل الحلف الثنائي التيار الوطني الحر ومن خلفه حزب الله يبنون لبنان الجديد وقد يكون ولاية ايرانية او سورية وسنقاوم هذا المشروع”.
من جهته، حذر الرئيس نبيه بري من محاولة اقالة الحاكم. وقال لـ”النهار”: في ظل عدم وجود مجلس مركزي في المصرف ولا لجنة رقابة على المصارف، اذا تمت الإقالة، فإن اللبنانيين سيستيقظون على سعر الدولار بـ 15 الف ليرة. وليعلم الجميع. انا نبيه بري لا أدافع عن سلامة، ولا عن أي شخص، أدافع عن لبنان. واذا لم يبقَ مصرف لبنان يا اخوان ليعلم الجميع ان اموال المودعين قد طارت الى الأبد”.
وفي سياق المواقف الداعية الى عدم “الاستنسابية” في مسألة المحاسبة والاصلاح، اعتبر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع “ان التدقيق المالي ضروري في مصرف لبنان، لكن ايضاً ضروري في قطاعات الكهرباء والاتصالات والجمارك والمرفأ وغيرها من المؤسسات العامة “.
في المقابل، عقد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مؤتمرا صحافيا امس، وزع فيه التهم في كل اتجاه، ولفت الى “أن درس الواقع المالي كشف حجم الخلل والثقب المالي الكبير الموجود والمخبّأ”، معتبرا “أن الذين يتحمّلون الخسارة يتوزّعون بين الفاسدين والسارقين، والمستفيدين الجشعين، والمصارف واصحابها والمساهمين فيها، والمصرف المركزي، والدولة بسياساتها وبرجالاتها وليس بأصولها واملاكها”.
واعتبر انه “كي لا يبقى الكلام عن استعادة الأموال المنهوبة شعاراً، علينا أن نذهب الى الشق العملاني كي نحشر الجميع ونفرز الأوادم من الفاسدين، ونخرج من شعار “كلّن يعني كلّن” فاسدين الى عنوان تطبيقي للشعار”.
وقد اثار كلامه ردودا كثيرة ابرزها من “تيار المستقبل” الذي رأى ان أن كلمة باسيل في المضمون السياسي، “تقع في خانة توجيه السياسات العامة للحكومة ورئيسها، وهي تكاد أن تكون في بعض جوانبها ومقدماتها نسخة من كلام رئيس الحكومة الاخير من قصر بعبدا، وفي جوانب اخرى نسخة مسبقة من القرارات المتوقع صدورها عن جلسة مجلس الوزراء”.
واعتبرعضو “اللقاء الديموقراطي” النائب وائل أبو فاعور لـ”النهار” ان كلام باسيل “كشف الخلفية السياسية الثأرية للحكومة واعتمادها مبدأ تصفية الحسابات بدل المحاسبة الحقيقية واظهر استتباع الحكومة ورئيسها لهذا الفريق وتبنيها لمعظم أحقاده”.