Site icon IMLebanon

“الحزب” و”التيّار” أمام مفترق النسبية!

لن تكفي النسائم الملطفة التي حظي بها لبنان من قمة عمان العربية لتبريد السخونة المتصاعدة حيال مأزقه الداخلي المتصل بقانون الانتخاب والذي بدا واضحاً في الأيام الاخيرة انه بلغ مرحلة حاسمة ومصيرية حقيقية. بل ان مجمل الحركة السياسية التي تجري بين مختلف الافرقاء السياسيين أظهرت ان الهامش الزمني للتوصل الى قانون انتخاب الفرصة الاخيرة قبل فوات المهل والانزلاق الى متاهات أزمة دستورية وسياسية كبيرة، قد ضاق جداً وان هذه الفرصة باتت تقاس بأيام قليلة ربما لا تتجاوز الخامس من نيسان المقبل، في حين لا تزال حظوظ التوافق على قانون جديد محاصرة تماما بين المد والجزر الحادين حيال المشروع المختلط الاخير لرئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية جبران باسيل والدفع المتواصل لـ”حزب الله ” نحو التسليم بالنسبية الكاملة في أي مشروع اتفاق على قانون الانتخاب.

وبدأ هذا التجاذب غير المسبوق بين باسيل ومشروعه المدعوم في شكل آحادي واضح حتى الآن من “القوات اللبنانية” و”حزب الله” يرسم معادلة دقيقة من شأنها ان تختبر للمرة الاولى التفاهم والتحالف القائم بين “التيار العوني” وحليفه “حزب الله” وخصوصاً بعدما تمسكت “كتلة الوفاء للمقاومة” في بيانها أمس بالنسبية الكاملة مما اعتبر رسالة جازمة برفض أي صيغة أخرى، علماً ان الحزب يبدي “انفتاحاً” على امكان البحث في اعتماد دوائر انتخابية موسعة شرط الاتفاق أولاً على مبدأ النسبية. وتفيد المعطيات المتوافرة في هذا السياق ان التباين بين الحليفين حول مشروع باسيل جدي وان ثمة رهانات لدى حلفاء الفريقين على ان تكون الكلمة الفصل في هذا السياق لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يتردد تكراراً انه قد يخرج عن صمته حيال ملف قانون الانتخاب اذا استشعر ان الايام القريبة لن تؤدي الى احداث اختراق في المأزق. لكن المحاولات الجارية حاليا تهدف الى ادخال تعديلات جذرية على مشروع باسيل يبدو من الصعوبة ان تحقق توافقاً عليها اذا أدت الى ترجيح كفة النسبية الكاملة التي لن يقبل بها “التيار” وحليفه حزب “القوات”. ولا يقف الامر عند التباينات حول مشروع باسيل بل تتمدد مفاعيل المأزق الى عامل الوقت الداهم الذي تصبح معه مسألة الاحتواء القانوني والدستوري للأزمة عامل اذكاء للاحتمالات السلبية المفتوحة انطلاقاً من حتمية التمديد لمجلس النواب سواء سمي تمديداً “تقنياً” محدوداً أم ذهبت الأمور في اتجاه تمديد يتجاوز المهلة المعقولة.

من يسبق؟

ومجمل هذه الأجواء المشحونة باحتمالات سلبية كان ماثلاً أمس في اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب برئاسة الرئيس نبيه بري في عين التينة والذي تخلله التفاهم على دعوة المجلس خلال الاسبوع المقبل الى جلسة مناقشة عامة ذكر ان بري تشاور في شأنها سابقاً مع رئيس الوزراء سعد الحريري وسيحدد موعدها لاحقاً على ان تكون جلسة طويلة صباحية ومسائية لأكثر من يوم. وقالت أوساط نيابية معنية لـ”النهار” إنه إذا كان يفترض ان تشمل جلسة المناقشة العامة كل الملفات الاساسية التي تتولاها الحكومة، فان ملف قانون الانتخاب سيتحول المادة الأكثر اثارة للحرارة والجدل والتباينات في حال انعقاد الجلسة وسط استمرار مأزق قانون الانتخاب، ذلك ان طرح الملف وبته هما من مسؤولية الحكومة أولاً. واشارت الى معلومات كانت متداولة في اجتماع هيئة المكتب عن امكان طرح الملف في وقت قريب على مجلس الوزراء وان الاتصالات الجارية ستستكمل في الأيام المقبلة من أجل التوافق على ذلك.

التمديد واحتمالاته

ولكن هل تشكل جلسة مناقشة الحكومة المتوقع عقدها فور عودة الرئيس الحريري من باريس وبلجيكا عملية ضغط على الحكومة للقيام بواجبها بوضع قانون انتخاب قبل الوقوع في الفراغ المرفوض رفضاً مطلقاً لدى الفريق الشيعي تحديداً قبل كل الافرقاء؟

تقول مصادر مواكبة للاتصالات في شأن قانون الانتخاب لـ”النهار” إن لا صيغة لقانون انتخاب تحظى بالتوافق المطلوب لتطرح في مجلس الوزراء، والمعنيون بالبحث عن هذه الصيغة التوافقية في حال سفر: فوزير الخارجية بدأ جولة في اوستراليا تمتد أكثر من أسبوع. ورئيس الحكومة الذي عاد مساء أمس الى لبنان من زيارته للمملكة العربية السعودية عقب مشاركته مع رئيس الجمهورية في قمة عمان سيسافر في الأيام المقبلة الى باريس ومنها الى بلجيكا ولن يعود الى لبنان قبل السادس من نيسان، مما يعني ان لا جلسة لمجلس الوزراء قبل جلسة المناقشة العامة التي سيعقدها الرئيس بري فور عودة رئيس الحكومة.

وفهم من المواكبين للاتصالات ان لا اتفاق بين القوى السياسية الا على ان يكون قانون الانتخاب بالتوافق وحتى الآن ليس من صيغة توافقية يمكن طرحها لا في الحكومة ولا في مجلس النواب. حتى التمديد الذي أصبح أمراً واقعاً، لم يتفق الأفرقاء بعد على صيغته. ويشير المواكبون للاتصالات الى الخوف من ان يستمر التمديد المطلوب سنة، خصوصاً أن الفريق الشيعي يرفض ان تحدد نهايته قبل بدء الدورة العادية للمجلس بعد منتصف تشرين الاول المقبل، كي يكون المجلس قادراً على الانعقاد والتشريع ولا يحتاج الى فتح دورة استثنائية بقرار يمسك به رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة. والتمديد لالى منتصف تشرين الاول يعني تلقائياً ان لا انتخابات نيابية في هذه الفترة مع بدء السنة الدراسية وبعد مغادرة اللبنانيين المقيمين في الخارج نهاية الصيف، مما يجعل التمديد سنة كاملة نتيجة منطقية لأي تمديد.

وتخوّف النائب وائل أبو فاعور أمس “من اننا وصلنا الى اللحظات القاتلة حيث لا قانون انتخاب في المتناول، والبديل إما الفراغ وهو مرفوض، وإما التمديد وهو مستنكر، وإما كسب بعض الوقت للاتفاق على قانون انتخاب وكلها خيارات صعبة”. ولاحظ ان “كسب بعض الوقت قد يحتاج الى تمديد تقني ولكن في النهاية التمديد التقني هو تورية ولفظ تخفيفي مقنٌع للتمديد”. وقال أبو فاعور مازحاً” إن المفارقة ان وزير الداخلية المفترض فيه وضع قانون انتخاب مسافر ووزير الخارجية هو من يقترح قوانين الانتخاب”.