أعطت التطورات الميدانية – العسكرية الأخيرة، والتي تمثلت بالدور المركزي والأساسي لـ»حزب الله» في تحرير جرود عرسال من مسلحي جبهة «النصرة» وانتقالهم مع عائلاتهم وآخرين الى إدلب السورية، بالتنسيق والاتفاق مع النظام السوري، (أعطت) بعداً عربيا – اقليميا – دوليا للحزب لم يرقَ الى هذا المستوى سابقاً وقد يصعب التعامل معه على أنه مجرد حزب سياسي، او «ميليشيا مسلحة»، او حتى «منظمة مقاومة».. وذلك على الرغم من أنه لم يظهر في الميدان السياسي ما يؤشر، لا من قريب ولا من بعيد، الى ان الحزب يمتلك أجندة سياسية في الداخل اللبناني تختلف عن السنوات السابقة كلها، خصوصاً تلك التي حلّت مع دوره في تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي في العام 2000 او في حرب الـ2006 وما بعدها.. وتنامي قدراته البشرية والمالية و القتالية والسلاحية واتساع دائرة مشاركته في العديد من حروب المنطقة..
لقد فتح الانتصار في معركة تحرير جرود عرسال شهية عديدين على استعادة زمام المبادرة، باتجاه حصرية القرار بيد الدولة ومؤسساتها المعنية، العسكرية منها والأمنية.. لكن آلية ذلك لم توضع بعد على النار، والمسألة لاتزال تدور في فلك الخطابات والآراء والمواقف الاعلامية على الرغم من قناعة البعض في ان المشكلة ليست في المؤسسة العسكرية، بل في القرار السياسي، وهي مسألة ليست بنت اليوم، بل هي تعود الى سبعينات وثمانينات القرن الماضي.. ويوم حاول الجيش التصدي للإرهابيين في جرود عرسال في العام 2014 كانت النتيجة فاجعة بكل ما لهذه الكلمة، ليس لأنه سقط للجيش شهداء وجرحى وخطف عدد منهم فحسب بل لأن القرار السياسي غاب في الادراج ولم يعد أحد يسمع بتحرير الارض المحتلة من الارهابيين، وبقيت الصورة تتمثل باعتصامات أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» واخواتها.. ولا تقدم على هذا المسار..
في عيد تأسيس الجيش أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «ان لا تراجع أمام الارهاب بجميع وجوهه وتنظيماته..» معلناً الانقلاب على سلوكيات الماضي مشدداً على ان «الجيش والمؤسسات الأمنية على جهوزية تامة لمواجهة الارهاب..» في رسالة بالغة الدلالة الى المشككين في دور المؤسسة العسكرية وقدراتها والامكانات المتوفرة لديها.. مع اشارته في وقت سابق الى ان لبنان نجح في ضبط الوضع في الداخل، على رغم الأحداث الخطيرة التي حصلت في المنطقة، متسائلاً: «هل المطلوب اليوم ادخال لبنان في آتون الحرب والمشاكل الداخلية، في وقت تكاد الحروب من حولنا تنتهي..»؟!
ليس من شك في ان الجيش مستهدف.. وليس أمام لبنان سوى تعزيز قدرات المؤسسة العسكرية وتوفير الغطاء السياسي الكافي والحاسم والحازم.. وتحرير «جرود راس بعلبك والقاع» امتحان للطبقة السياسية، على اختلاف مواقعها وانتماءاتها وارتباطاتها الخارجية العربية والاقليمية والدولية..
لقد حرّر «حزب الله» جرود عرسال، وامسك بالمنطقة المحررة، واضعاً نفسه بتصرف الجيش، ومبدياً استعداده لتسليمها للجيش ساعة يطلب ذلك.. ونأى بنفسه عن معركة جرود راس بعلبك والقاع من الجانب اللبناني ليؤكد دوره في ذلك من الجانب السوري الى جانب الجيش السوري.. وقد حصل ما حصل خلال الأيام الأخيرة الماضية، حيث قصفت صواريخ ومدفعية الجيش الثقيلة مراكز «داعش» وأوقعت بها العديد من الاصابات.
لم تظهر حتى الساعة أية إشارات تؤكد او تنفي ان معركة المواجهة العسكرية ماضية في طريقها، لاسيما وأن الحديث عن وساطات لم يغب عن التداول.. على الرغم من اعلان قيادات سياسية من رحم السلطة العليا في لبنان، «ان عملية استرداد القرار السيادي اللبناني» قد أنجزت و»اننا اليوم أمام قرار لبناني مئة في المئة، اتخذ رسمياً وتحرير الارض من قبل الجيش بدأ ولن تتوقف قبل ان تتحرر كل الارض اللبنانية..
المسألة ليست على هذا القدر من السهولة.. وتحرير ما تبقى من جرود مسألة وقت وقرار، لكن الموضوع الذي لا يقل أهمية هو وماذا بعد؟
في العراق يسيِّر الزعيم الشيعي مقتدى الصدر تظاهرات مليونية مشدداً على ان يكون سلاح «الحشد الشعبي – الذي بات جيشا او رديفا للجيش العراقي – بيد الدولة حصراً، داعياً الى «دمج الميليشيات بالجيش العراقي..» وفي لبنان، فإن غير فريق يطالب باعادة احياء «طاولة الحوار الوطني» وطرح «الاستراتيجيا الدفاعية» على النقاش، مهما أخذت وقتا، لايجاد حل لسلاح «حزب الله» الموصوف بأنه «غير شرعي».. كما ويحذر من «استغلال ما حدث في الجرود» للابقاء على المساكنة بين السلاحين الشرعي، المتمثل بسلاح الجيش والقوى الأمنية و»غير الشرعي»، رافضاً استغلال ما حصل في الجرود كمعبر للقول «ان هذا السلاح الموجود الى جانب سلاح الدولة لا بد منه» هذا في وقت يؤكد وزير الداخلية نهاد المشنوق وجود «قواعد سابقة في ما يخص سلاح «حزب الله» تساعد في الاستقرار السياسي يمكن الاستفادة منها بهدوء ومن دون شتائم..».
