Site icon IMLebanon

المنصب الماروني الثالث إلى الشغور

 

مع استمرار الشغور مخيّماً على المركزيْن المارونيَّيْن الأوليْن، رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان، بدأ العدّ العكسي لوصول الفراغ إلى الموقع الماروني الثالث في قيادة الجيش، مع اقتراب انتهاء ولاية قائده جوزف عون في الربع الأول من كانون الثاني المقبل، فيما لا تزال الطرق مسدودة أمام المخارج المطروحة لمنع امتداد عدوى الشغور إلى المؤسسة العسكرية، حيث انعكاساته أصعب من رئاستَي الجمهورية والحاكمية، بسبب الفراغ في منصب رئيس الأركان الذي تُناط به مسؤوليات القيادة مع انتهاء ولاية القائد.

قبيل نهاية ولاية رياض سلامة، كانَ البعض يراهِن على تدخّل خارجي لحماية الموقع وضغط داخلي يرفض إفراغ المواقع المسيحية، ولا سيما في الفئات الأولى. انتهت ولاية سلامة في تموز الماضي، وتسلّم نائبه الأول وسيم منصوري الموقع بالإنابة، ولم تقم قيامة الغرب. واليوم ثمّة من يتعامل مع استحقاق قيادة الجيش وفقَ المنوال نفسه، علماً أن الأزمة هنا مختلفة، بعد تقاعد رئيس الأركان اللواء الركن أمين العرم (الموقع للطائفة الدرزية) قبل ستة أشهر من دون تعيين بديل منه، وهو الأمر المنوط بوزير الدفاع موريس سليم الذي يعارض قيام حكومة تصريف الأعمال بتعيينات، التزاماً بموقف التيار الوطني الحر.

 

البحث يتقاطع حول أربعة مخارج: تأجيل تسريح قائد الجيش، أو تعيين أعضاء في المواقع الشاغرة في المجلس العسكري (وبينها رئاسة الأركان)، أو إقرار اقتراح قانون مقدّم من كتلة «اللقاء الديمقراطي» برفع سن التقاعد إلى سنتين لجميع العاملين في الأسلاك العسكرية والأمنية، أو تسلّم الضابط الأعلى رتبة في المؤسسة مهام القائد. ويظهر حتى الآن أن جميعها مستحيلة لأسباب عدة:

– في ما يتعلق بتأجيل التسريح، فقد نصّ عليه قانون الدفاع الوطني في حالتين: وضع اعتلال لم يُبت به أو بناءً على قرار وزير الدفاع الوطني المبني على اقتراح قائد الجيش، في حالات الحرب أو إعلان حالة الطوارئ أو أثناء عمليات حفظ الأمن. وفيما تؤكد مصادر سياسية استحالة أن يطلب قائد الجيش الحالي جوزف عون تمديد مهلة التسريح، فإن العلاقة المتوترة مع وزير الدفاع موريس سليم لا تسمح بذلك، فضلاً عن أن مجلس الوزراء لن يستطيع إصدار مرسوم يمدّد مهلة التسريح.

 

– خيار تعيين أعضاء المجلس العسكري الذي فقد نصابه القانوني منذ حوالي عام بعد تقاعد ثلاثة من أعضائه (من أصل ستة)، هم رئيس الأركان (درزي) والمدير العام للإدارة (شيعي) والمفتش العام (أرثوذكسي)، يبدو مستبعداً في ظل اعتراض التيار الوطني الحر على أن تقر حكومة تصريف الأعمال تعيينات في مراكز الفئة الأولى، في غياب رئيس الجمهورية، ورفضه مشاركة الوزراء المحسوبين عليه (وبينهم وزير الدفاع) في أي جلسة حكومية.
– اقتراح قانون رفع سن التقاعد إلى سنتين لجميع العاملين في الأسلاك العسكرية والأمنية، بصرف النظر عن رتبهم، الذي تقدّم به نواب «اللقاء الديمقراطي»، يبدو أيضاً معدوم الحظوظ بسبب تركيبة مجلس النواب الحالية، إذ هناك كتل كثيرة لن تسير به، فضلاً عن أن التيار الوطني الحر ليس في وارد تأييده.
– الحل الأخير ترفضه غالبية الأطراف ويؤيده رئيس التيار جبران باسيل، هو تكليف العضو المتفرّغ في المجلس العسكري اللواء بيار صعب (كاثوليكي) بمهام القائد بمرسوم يصدر عن وزير الدفاع. وقد بدأ مقرّبون من باسيل يعدّون «فتوى» دستورية لتغطية التكليف، بعدما اعتبر قائد الجيش أن الأمر غير قانوني.
وعلمت «الأخبار» أن التواصل بين التيار الوطني الحر والاشتراكي حول هذا الملف لم يصل إلى نتيجة، وأن الاسم الذي كانَ مقترحاً كحل وسط لرئاسة الأركان ووافق عليه النائب السابق وليد جنبلاط (العقيد حسان عودة) «سُحب من التداول، بسبب تعنّت باسيل وإصراره على تسلّم صعب»، بحسب مصادر مطّلعة.

 

وعليه، يثير الأداء السياسي في التعامل مع الشغور على رأس المؤسسة العسكرية ارتياباً، إذ إن انعكاسات الفراغ في هذا المنصب أخطر من غيره فهي تتصل بالوضع الأمني، إذ ثمة إجماع على أن العمود الوحيد الذي لا يزال يتّكئ عليه البلد حتى الآن، هو الاستقرار الأمني، ولو كان هشاً. لذا فإن الفراغ في المؤسسة العسكرية يعني حكماً، في حال استمرار الشغور الرئاسي، الانفراط التام وانفجار الهدنة المترنّحة أصلاً، حيث لن تكون هناك قدرة على حماية الهيكلية الإدارية للجيش من الضعف والتشظي. والمُشكلة تكمن في أن ثمة من يراهن على تدخل الأميركيين في الوقت المناسب لمنع الجيش من الانهيار، بعدما استثمروا فيه لسنوات. غير أن الأداء الأميركي في المرحلة الماضية يؤكد استعداداً للتعامل مع الأمور ببراغماتية، كما حصل مع حاكمية مصرف لبنان، حيث تخلّى الأميركيون عن «موظفهم» المالي، وتعاملوا بعملانية مع تسلّم مسؤول شيعي إدارة القطاع المصرفي الذي يُعتبر من حصتهم. وقد يكون خيار ترك المؤسسة العسكرية للمصير نفسه آخر صاعق للخارج لإشعال فتيل الفوضى الشاملة!